“ماكرون” والماكِرُون..!- بقلم كمال أبوسنة
التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المرشح الرئاسي السيد”ماكرون” التي اعتبر فيها الاستعمار الفرنسي للجزائر وما فعله جرائم حرب ضد الإنسانية، استقبلها الجمهوريون واليمينيون المتطرفون باستياء كبير، وضوضاء عالية، واستقبلها بعض الجزائريين بقبول حسن، أما بعضهم الآخر فقد ذهب إلى أن ما صرح به “إمانويل ماكرون” يدخل في لعبة الحملة الانتخابية المراد منها دغدغة عواطف الجزائريين، سلطة وشعبا، خاصة الجالية الجزائرية ومعها المغاربية المقيمة في فرنسا التي لها تأثيرها القوي في ملء الوعاء الانتخابي لأي مرشح، ولها القدرة على ترجيح الكفة في أي مسار انتخابي وأهمها الانتخابات الرئاسية..!
ومهما يكن من أمر فإن ما صرح به المرشح الشاب للرئاسيات الفرنسية”إمانويل ماكرون” مهاجما الفترة الاستعمارية السوداء في الجزائر، ومعلنا أنها جريمة إنسانية في حق الجزائريين لهو خطوة جريئة وشجاعة وغير مسبوقة بهذا الوضوح والتصميم من طرف مرشح لرئاسة فرنسا، ويختلف في اتجاهه هذا عن الاتجاه المعهود في تعامل الساسة الفرنسيين مع مسألة “الحقبة الاستعمارية” في الجزائر، وهذا ما عرضه لحملة واسعة من الاستنكار والتخوين من جهات منافسة له لتأليب الرأي العام الفرنسي ضده.!
والظاهر أن ما صرح به “ماكرون” لا يعدو أن يكون قناعة شخصية منه رددها في حملته الانتخابية-بغض النظر عن نيته- متجاوزا الخطوط الحمراء، بيد أن المسألة في الحقيقة تتجاوز “ماكرون” أو أي رئيس فرنسي قادم إلى قصر الإيلزي، ولن يفصل فيها شخص أو حزب، لأن الاعتراف الرسمي له تداعياته ومحصلاته التي لا يريد “النظام الفرنسي” أن يثقل كاهله بها في هذا الظرف، وفي هذه الأوضاع الداخلية والدولية بالذات التي تعيشها فرنسا ويعيشها العالم، ويضاف إلى هذا الأمر أن “السلطة الجزائرية” لا ترى اعتراف فرنسا بجرائمها أثناء الحقبة الاستعمارية أولوية من أولوياتها في معاملاتها السياسية معها، ولا تشكل ضغطا مباشرا عليها في هذا الملف لأسباب كثيرة، وإنما مسألة “الاعتراف” هي مطلب شعبي تنادي به بعض الجمعيات والمؤسسات الوطنية، ولن يتحقق في الزمن القريب، وإنما من المؤكد أنه سيتحقق حين تتهيأ أسبابه في الجزائر وفرنسا على حد سواء في يوم من الأيام..!
والحق أنه من الوجهة البرغماتية لن يزيد الجزائر اعتراف فرنسا بجرائمها المعروفة والموثقة أكثر مما تحصلت عليه معنويا من عظمة ثورتها وجهادها الطويل من أول يوم وطئت أرضها الطاهرة رجل أول جندي فرنسي إلى غاية آخر يوم غادرها فيه آخر جندي فرنسي مذموما مدحورا، فالدنيا كلها تعترف بذلك، واعتراف فرنسا لن يعيد للجزائر ما فقدته من ملايين الأنفس المزهقة، ولن يضمد الجرح الغائر الذي خلفته آلتها الحربية سنوات الاحتلال العسكري، وما أصاب هويتها من سنين الاستعمار الثقافي والفكري أشد جرما وأعظم، ولن يوازيه أي تعويض، ولعل المطلب الأساسي اليوم الذي يجب أن يتحرك في مساره الوطنيون هو مطلب استرجاع أرشيف الجزائر ومخطوطاتها التي سرقتها فرنسا في بداية احتلالها، والتعويض المادي عن ما استنزفته من ثروات مدة 130 سنة من الاستعمار، وتحصيل ديون الجزائر على فرنسا المقدرة بـ 20 مليون فرنك فرنسي أيام الداي حسين، واسترجاع ما نهبته من خزينة الدولة الجزائرية في ذلك العهد المقدرة بـ 50 مليون جنيه إسترليني ذهبا..!
إن اعتراف فرنسا بذنبها قادم اليوم أو غدا، وإن لم يأت فلن يضر الجزائر شيئا، ولكن على الوطنيين أن لا يغفلوا عن حق الأجيال القادمة في استرجاع ما نهبته فرنسا مدة احتلالها للجزائر، فالحقوق لا تسقط بالتقادم.