عالم كندي أذهلته المعجزة القرآنية بقلم: د. إبراهيم نويري ــ كاتب وباحث جامعي
أراد عالم في الرياضيات ومبشّركندي، يُدعى غاريميلر (gary miller ) أن يقرأ القرآن بنيّة العثور على أخطاء تساعده في دعوته للنصرانية وتدعم المواقف والتأويلات التي دأب على نشرها بين أتباعه والمعجبين بأفكاره وتصوّراته وآرائه.
وقبل إقباله على قراءة القرآن للمرة الأولى كان يتصوّر أن يجد في القرآن كلاماً عن الصحراء وحياة البادية. لأنه ــ في زعمه ــ مجرد كتاب يحمل الصفة الدينية، ظهرَ في بيئة صحراوية بسيطة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا خلت!!
كما توقّع أن يجد فيه تركيزاً على الأحداث العصيبة التي مرّت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كوفاة زوجته خديجة، وكذلك وفاة بناته وأولاده وعمّه وأقرب أصفيائه..لكنه لم يجد شيئاً من ذلك..بل شده وذُهل عندما وجد في القرآن سورة كاملة اسمها (سورة مريم) فيها تشريف وتكريم لمريم البتول وإشادة بها وبابنها السيد المسيح عليه السلام، بأسلوب ليس له نظير لا في الكتب النصرانية ولا في غيرها من الكتب!!.. وبالمقابل لم يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة أو خديجة..إلخ .
أيضا لاحظ أن عيسى عليه الصلاة والسلام ذُكر في القرآن بالاسم خمسا وعشرين مرة..بينما لم يُذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم سوى خمس مرات [أربعة مواضع + اسم سورة محمد]..فزادت حيرته وتعمّق ذهولُه وانشداهُهُ!!.. راح ميلر يقرأ القرآن بتمعّن أكثر لعلّه يجد بعض المآخذ أو الثغرات التي تساعده في دعم أطروحاته الدينية النصرانية، لكنه صُعق وهو يقرأ قول الله تعالى:{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(النساء:82).
يقول ميلر معلّقاً على هذه الآية: ” لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة أن يؤلف كتاباً ثم يقول للناس هذا الكتاب خال من الأخطاء تماماً!! لكن القرآن على العكس من ذلك تماماً يقول لك لا توجد أخطاء، بل ويتحداك أيضا أن تجد أخطاءً. وأنت لا تجد الأخطاء فعلا مهما حاولتَ ذلك وبكلّ قواك العقلية”.
ومن الآيات التي توقف بإزائها الدكتور ميلر قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء:30) يقول ميلر: ” إن هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل سنة 1973م، وكان عن نظرية الانفجار الكبير المعروف في اللغة الانجليزية باسم” بيغ بونغ ” – (BIG BANG ). فالآية تنص على أن الكون الموجود بما فيه من سماوات وكواكب هو نتيجة انفجار ضخم حدث ذات لحظة. فالرّتق هو الشيء المتماسك أما الفتق فهو الشيء المتفكك، أي أن السماوات والأرض كانتا متماسكتين في كتلة واحدة.
يقول الدكتور ميلر: الآن نأتي إلى الشيء المذهل في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديداً إلى الادعاء بأن الشياطين هي التي تُعينه. فالله تعالى يقول:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}( الشعراء:210/212).
ويقول:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل:98)…أرأيتم هل هذه طريقة الشيطان في التأليف؟ هل الشيطان يؤلف كتابا ثم يقو : قبل أن تقرأ هذا الكتاب يجب عليك أن تتعوّذ مني!!!
لا شكّ في أن هذه الآيات الإعجازية في هذا الكتاب المعجز تتضمّن رداً مفحماً على كلّ من قال بهذه الشبهة المتهاوية.
أيضا من القصص التي أذهلت الدكتور ميلر قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي لهب..يقول ميلر: “إن أبا لهب كان يكره الإسلام كرهاً شديداً، وأنه كان يتتبع خطوات النبي أينما حلّ بهدف التقليل من قيمة ما يقوله، فكان إذا رأى الرسول يتكلم مع أناس غرباء فإنه ينتظر حتى يُنهي كلامه، ثم يذهب إليهم ويسألهم عن فحوى ما قاله لهم، ثم يقول لهم منذراً ومحذّراً: لو قال لكم عن شيء ما أنه أبيض فهو أسود ولو قال لكم نهار فهو ليل!! أي أنه كان يشكّك الناس في كلّ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبل عشر سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة اسمها (سورة المسد) وهذه السورة تُقرّر بقوة بأن أبا لهب سوف يذهب إلى النار. بمعنى أن أبا لهب سوف لن يدخل الإسلام! والسؤال: أما كان بمقدور أبي لهب ــ طيلة مدة عشر سنوات ــ أن يأتي أمام الناس، ويقول لهم: كما تعلمون فإن محمداً يقول بأنني لن أسلم وأنني سوف أدخل النار، ولكني أعلن أمامكم بأنني أدخل في الإسلام!!!
يقول الله تعالى في هذه السورة المكية:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ}(سورة المسد).
هل لو كان القرآن من عند غير الله، هل كان بمقدوره أن يجازف بهذا الإعلام المقدور في حقّ مصير أبي لهب؟ ألم يكن أبو لهب مولعاً بمخالفة محمد في كلّ شيء يقوله؟ فلماذا لم يقوَ إذن على مخالفته في إقرار مصيره المحتوم في الآخرة؟ لقد كان بإمكانه طيلة عشر سنوات أن يهدم الإسلام في دقيقة، لكنه لم يفعل ولم يفكر في ذلك أصلا!! وفي ذلك دلالة على أن هذا القرآن إنما هو من عند علام الغيوب، الذي يعلم بأن أبا لهب لن يسلم وأن مصيره إلى النار. كيف لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم بأن أبا لهب سوف يُثبّت بعمله ما جاء في التنزيل؟ وكيف تكون له الثقة في ذلك لمدة عشر سنوات كاملة؟ فهذا إعجاز غيبي معناه أن القرآن إنما هو من عند الله تعالى يقيناً.
أيضا من الآيات المبهرة التي لفتت انتباه ميلر بقوة حديث القرآن عن علاقة المسلمين باليهود والنصارى، فالقرآن يؤكد بأن اليهود هم أشد عداوة للذين آمنوا، وهذا مستمر فعلا، وكلّ المؤشرات والوقائع تثبتُ صحة هذا الإقرار.
يقول القرآن:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}( المائدة: 82).
يقول ميلر: ” إن هذا تحد عظيم حقاً، فبإمكان اليهود تغيير معاملتهم للمسلمين وإظهار المودة لهم، ولو تصنّعاً ولبضع سنين ــ من باب نقض الإسلام وتكذيب القرآن ــ ثمّ يقولون لهم: ها نحن نعاملكم معاملة طيبة، والقرآن يقول بأننا أشدّ الناس عداوة لكم ..إذن القرآن خطأ!!..ولكنهم لم يستطيعوا ذلك ولن يستطيعوا، فدلّ ذلك على أن هذا القرآن إنما هو من لدن علاّم الغيوب.
أيضا يؤكد الدكتور ميلر بأن القرآن ينطوي على ميزة فريدة لا توجد في أيّ كتاب آخر. ومن ذلك أن القرآن يعطيك معلومات معيّنة ــ بغضّ النظر عن مجالها أو نوعها ــ ثم يقول لك: إنك لم تكن تعلمها من قبل. كما نجد ذلك مثلا في قوله تعالى:{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}( آل عمران: 44) .
وقوله تعالى:{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}(هود: 49).
والمذهل في الأمر ـــ كما يقول ميلر ـــ هم أهل مكة في ذلك الوقت، الذين سمعوا هذه الآيات لأول مرة، فكانوا يسمعونها باستمرار ويسمعون التحدي الذي يشير بوضوح إلى أن هذه المعلومات إنما هي جديدة. لم يكن يعلمها لا رسول الله ولا قومه. وفعلاً لم يثبت مطلقا أن أحدهم قال: بل أنا أعرفها فهي ليست جديدة بالنسبة لي!! ولم يجرؤ أحدٌ منهم على معارضة الرسول بإرجاع تلك المعلومات إلى مصدر بعينه!! فثبت بأن تلك المعلومات المقرونة بالتحدي ليست من عقل بشر، وإنما هي من عند الله الذي يعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل.
ولمّا كان ميلر من علماء الرياضيات وممن يستهويهم التفكير المنطقي المتسلسل ـــ إلى جانب علمه بالكتاب المقدس ورواياته المختلفة ـــ وبعد إعماله العقل والقيام بالمقارنات اللّازمة بين مضامين النص القرآني وبين مضامين الأناجيل المشهورة، أعلن قناعته الكاملة بالمصدرية الإلهية للقرآن، وجزمه ببشرية نصوص الأناجيل المعروفة (متى ـ مرقس ـ يوحنا ـ لوقا)..فقد قرّر دون تردد أن يتحوّل من النصرانية إلى الإسلام، وأصبح من الداعين عن علم وبصيرة، إلى دين الله الخاتم.
حدث ذلك سنة 1978م. ومما يدلّ على وفاء الدكتور ميلر لأمانة الاقتناع بالحقيقة أنه اختار اسما جديداً له هو (عبد الأحد عمر). لكن الاسم الجديد هو مجرّد رمز أو تعبير عن حصول تغيّر جذري في حياة الإنسان. أما التعبير الأقوى والراسخ الذي يؤشر على حقيقة الاقتناع العقلي والقلبي، فيتمثل في المسار الجديد..وهو ما تأكد فعلا في حياة الدكتور ميلر. فقد سافر بعد إسلامه إلى المملكة العربية السعودية واشتغل أستاذاً للرياضيات في جامعة الظهران للبترول والمعادن. وألف عدّة كتب في الانتصار للعقيدة الإسلامية. أشهرها كتاب (القرآن المذهل) وكتاب (الفرق بين القرآن والكتاب المقدس) وكتاب (نظرة إسلامية لأساليب المبشرين). وهي موجودة في المكتبات باللغة الانجليزية، ومن غير المستبعد أن تكون تُرجمت إلى اللغة العربية وإلى بعض اللغات الأخرى. كما أسلم على يديه الكثير من الناس في أنحاء شتى من المعمورة. وقد دعاه عالم المناظرات الجنوب إفريقي الشهير المرحوم أحمد ديدات، إلى مركزه الدعوي في جنوب إفريقيا، للإفادة من خبرته العلمية في المناظرات العلمية والإقناع بمنطقية بناء العقيدة في الإسلام. ومن العبارات التي كان يرددها الدكتور ميلر في أحاديثه وكتاباته ومناظراته: ” لقد جذبني إلى هذا الدين وضوحُ العقيدة. ذلك الوضوح الذي لا أجده في عقيدة دين آخر”.