مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

الاستهانة باللغة العربية هواية رسمية؟ عبد الحميد عبدوس

مرت حوالي 54 سنة على اعتماد أول دستور للجزائر المستقلة، الذي نص في مادته الخامسة على أن “اللغة العربية هي اللغة القومية والرسمية للدولة”.
وجاء في مقدمته ما يلي: “إن الإسلام واللغة العربية قد كانا ولا يزال كل منهما قوة فعالة في الصمود ضد المحاولة التي قام بها النظام الاستعماري لتجريد الجزائريين من شخصيتهم، فيتعين على الجزائر التأكيد بأن اللغة العربية هي اللغة القومية والرسمية لها، وأنها تستمد طاقتها الروحية الأساسية من دين الإسلام، بيد أن الجمهورية تضمن ممارسة الأديان لكل فرد واحترام آرائه ومعتقداته”.
ورغم أن هذا الدستور قد ألغي من طرف نظام الرئيس الراحل هواري بومدين الذي قاد انقلابا عسكريا ضد الرئيس الراحل أحمد بن بلة في 19 جوان 1965 وسماه “تصحيحا ثوريا” إلا أن الدستور الصادر في عهد الرئيس هواري بومدين في سنة 1976 نص هو كذلك في مادته الثالثة على أن “اللغة العربية هي اللغة الوطنية رسميا” وأضاف في المادة نفسها عبارة: “تعمل الدولة على تعميم استعمال اللغة الوطنية في المجال الرسمي”.
أما الدستور الصادر في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في سنة 1989 فقد نص هو أيضا في مادته الثالثة على أن “اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية”.
وفي عهد الرئيس الشاذلي بن جديد صدر قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي صادق عليه البرلمان الجزائري في ديسمبر 1990، ونشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية بتوقيع الرئيس الشاذلي بن جديد في 16 جانفي 1991، وجاء في الفصل الأول منه تحت عنوان أحكام عامة ثلاث مواد تنص المادة الثالثة منه على أن: “اللغة العربية مقوم من مقومات الشخصية الوطنية الراسخة، وثابت من ثوابت الأمة، يجسد العمل بها مظهرا من مظاهر السيادة، واستعمالها من النظام العام”.
أما المادة الثالثة فتنص على: “يجب على كل المؤسسات أن تعمل لترقية اللغة العربية، وحمايتها، والسهر على سلامتها، وحسن استعمالها، تمنع كتابة اللغة العربية بغير حروفها” هذا القانون الذي ينص صراحة على أن اللغة العربية هي مظهر من مظاهر السيادة وليست مجرد أداة اتصال ووسيط تواصل تم تجميده في 5 جويلية 1992، وهو اليوم الذي كان محددا لدخول القانون حيز التنفيذ بمناسبة احتفال الجزائر بالذكرى الثلاثين لاسترجاع استقلالها، وتم ذلك في عهد الرئيس الراحل علي كافي رئيس المجلس الأعلى للدولة وحكومة سيد أحمد غزالي، وظل هذا القانون مجمدا حتى رفع عنه التجميد الرئيس السابق اليمين زروال في 21 ديسمبر 1996 بعد معركة حامية الوطيس خاضها مجموعة من الوطنيين والمجاهدين في المجلس الوطني الانتقالي لإعادة بعث قانون استعمال اللغة الوطنية، ونص التعديل الدستوري الصادر في سنة 1996 في مادته الثالثة على أن: “اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية”.
ومن حسن الحظ فقد تم تدارك الخلل الهوياتي الذي شكل لعدة عقود مركز توترات ثقافية وحساسيات جهوية في التعديل الدستوري الصادر في سنة 2002 حيث أدرج الركن الثالث من أركان الهوية الوطنية بجعل اللغة الأمازيغية “لغة وطنية كذلك”.
وارتقى التعديل الدستوري لسنة 2016 باللغة الأمازيغية من لغة وطنية إلى لغة وطنية ورسمية مع استحداث مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية، فيما أبقى على اللغة العربية ” اللغة الرسمية للدولة”.
ورغم التنصيص على مكانة اللغة العربية في جميع دساتير الجمهورية الجزائرية إلا أنه يمكن القول إن وضع اللغة العربية تعرض لانتكاسة أكثر في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، فرغم الإنجازات السياسية والاقتصادية، والأمنية التي حققها لفائدة الجزائر إلا أن تهميشه للغة العربية، وتشجيعه لما سمي بكسر الطابوهات من خلال فتح المجال أمام رجال الدولة والرسميين للتحدث باللغة الفرنسية في وسائل الإعلام الرسمية المرئية والمسموعة، واستعمال اللغة الفرنسية في الملتقيات والمؤتمرات الدولية التي عقدت في الجزائر من طرف المسؤولين الجزائريين، وجعل بعض الوزراء ورجال الدولة يستعلمون اللغة الفرنسية في نشاطاتهم الرسمية والشعبية وكأنها هي اللغة الوطنية والرسمية للجزائر، كما أصبحوا يتساهلون، أو يتعمدون إلحاق إهانات متكررة باللغة العربية خلال سوء استخدامها وتكسير قواعدها وكأن ذلك يقربهم زلفى من أصحاب الحل والعقد ويفتح أمامهم أبواب الرقي الاجتماعي.
إن ظاهرة إهانة اللغة العربية أو تهميش دورها وإهمال تطبيق القوانين المخولة بترقيتها وحمايتها وتعميمها تتزامن بشكل غريب مع توسع قاعدة المتعلمين بها والقادرين على استعمالها بمهارة وكفاءة من شباب الجزائر ومن إطاراتها الجامعية، وهذه الظاهرة تشير إلى توسع الهوة بين القمة والقاعدة أو بين فئة النخبة الحاكمة والفئة الواسعة من طبقات المجتمع الجزائري.
فبعد حوالي 45 سنة من اعتماد أول دستور جزائري في 8 سبتمبر 1963 والذي نص على كون اللغة العربية لغة قومية ورسمية للدولة الجزائرية، وبعد حوالي 44 سنة من اعتماد منظمة الأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1973 اللغة العربية كلغة رسمية ولغة عمل في المنظمة الأممية، مازال المسؤولون في الدولة الجزائرية يستخدمون اللغة الفرنسية –لغة المستعمر- في مخاطبة معاونيهم ومواطنيهم وفي إدارة أعمالهم في صياغة الوثائق الرسمية والمعاهدات الدولية إلى الحد الذي جعل بعض شركاء الجزائر يرفضون التوقيع على نصوص اتفاقيات مصاغة باللغة الفرنسية ويطالبون كتاباتها باللغة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى