(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)
في أعقاب يوم تكويني لأعضاء شعبتنا، طرحت إحدى النساء سؤالا محيرا بالفعل، قالت فيه مخاطبة الشيخ صاحب المداخلة: يا شيخ كيف للمرأة أن تدخل الجنة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نظرت في النار فرأيت أكثر سكانها من النساء)، فروت الحديث التالي:
((عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (بِكُفْرِهِنَّ) قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟! قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ” رواه البخاري 1052 )).
ثم واصلت قائلة: كيف لنا أن نطمع في الجنة وقد وُصدت أبوابها في وجوه الكثيرات لأنهن من أهل النار كما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
رد الشيخ بما فتح الله عليه، غير أن ملامح البنت كانت توحي بعدم الرضا على ما سمعت، فاشتدت حيرتي، ولم أقتنع أنا بدوري بكلام الشيخ، لأن قريني –ربما- كان يدفعني إلى ذلك دفعا ويقول: (فعلا دعك من هذا فلست بامرأة يا هذا، والأمر لا يعنيك…)
بقيت الحيرة تؤرقني وتكاد تهد رأسي وما حوى، وكلما اقتربت من حاسوبي أريد الكتابة في الموضوع، يشغلني عنه ألف شاغل ومشغل، حتى كدت أجزم أن سحرا قد عطلني عن ذلك…
وتذكرت ذلك بينما كنت أقرأ قوله تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (التوبة الآية:71).
فتراءت لي ملامح النصر الأكيد على قريني اللعين، ورحت أبحث عما هو أكبر، ورجعت بي الذاكرة إلى خواتيم سورة آل عمران أقرأ فيها قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾[آل عمران الآية: 195].
ثم ما لبثت أن تهاطلت على ذاكرتي آيات كثيرة وعديدة تدور جميعها في السياق ذاته…وطالبتني الحقيقة أن لا أرحل حتى أشفي غليلي من تلك النصوص التي تُستشف من خلالها حقيقة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبب هذا الكلام…فرحت أقرأ قوله تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(النحل الآية:97).
فلاح لي نور قوي تلاشت أمامه كل حجب الغباء الذي كان يحول بيني وبين فهم الأمر، وتجلت أمام بصيرتي حقيقة عدله سبحانه وتعالى، تلك الحقيقة التي تغيب عنا نحن البشر، حين توشحها غيوم العناد والتمرد على الحق، فتعمى أبصارنا بعد البصائر، وتحيد عن الصراط السوي، وتخلق لها خيالات تعيقها عن الفهم الصحيح لمعاني المفردات والنصوص…
حينها رحت أقرأ نص الحديث الذي ذكرته تلك المرأة، وأحاول تجلي معانيه من خلال كتابات بعض الشيوخ والدارسين، فبقيت أقرأ وأستزيد من كلام هؤلاء وأولئك، عسى أن أوفق في فهم القضية، التي سرعان ما تلاشت من أمامي حجب كانت تلفها، فقلت في نفسي: (ألا يكفيك ما ورد في آي الذكر الحكيم من نصوص قطعية الثبوت والدلالة، لتبحث في كلام البشر من الذين يخوضون في قضايا لا يفهمونها؟!
فكيف لنا أن نؤمن بأن المسلمة المؤمنة الفاضلة التي اقترن اسمها بأخيها المسلم المؤمن في كلام رب العزة؛ غير معنية بدخول الجنة وربك العادل ذو الرحمة قد وعدها بذلك (الجنة) في الكثير من الآيات؟ إن مجرد التصديق بذلك سوف يخرجنا من دائرة الإيمان أو يجعل إيماننا ناقصا، لأننا إن فعلنا فقد شككنا في صدق وعد ربنا (وكان وعد ربك حقا).
ثم كيف لا تكون المؤمنة مع أخيها المؤمن في الجنة، وقد وعدها تعالى بذلك في قوله:﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(التوبة الآية: 72).
إن في الأمر سوء فهم –بلا شك- أو قل عدم فهم بالمرة. والدارس للحديث –مع عدم معرفتنا بدرجة صحته- قد يتبادر إلى فهمه أن الأمر يعني أولئك النساء اللائي يكفرن العشير، ويكثرن الشكاة مع البعد عن الدين، وترك الالتزام بأفعاله وعدم التحلي بأخلاقه وفضائله… فيبتعدن بذلك عن صفة الإيمان، ولربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع الوعظ لامرأة رأى منها ذلك تجاه زوجها فأراد أن يبعدها عن هاته الصفة… وقد تكون المناسبة أنه أراد دفع بعض النساء ممن علم عنهن ذلك إلى تزكية أنفسهن بطريقة أو بأخرى؛ (كما ورد في رواية أخرى، “فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ: (تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ) فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ. رواه مسلم 885.)”…
أفبعد هذا يصح لنا أن نردد الحديث على مسامع أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا خاصة أولئك اللواتي تصدين لعمل الدعوة إلى الله فأبلين فيها البلاء الحسن… فيسري في أنفسهن الشك، ويصبن بالقنوط من رحمة الله تعالى؟! ولقد يكون من الأفضل لو أننا عقبنا بكلام جميل يوحي إلى نفس المؤمنة بضرورة التصرف كتصرف هؤلاء الصحابيات اللاتي لما علمن بهذا عملن من الخير ما يكون بإذن الله سبباً في إبعادهن من أن يدخلن ضمن هؤلاء الأكثر كما أشار الحديث.
ثم إن الحديث ذكر أن أكثر النساء ولم يقل المؤمنات، ولم يقل كل النساء…بل خص أولئك اللاتي يكفرن العشير، أما القانتات الصالحات فهنّ ممّن لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون…
ثم لماذا لا نتذكر ما ورد في أحاديث كثيرة عن حسن وعد الله تعالى ونبيه الكريم للمؤمنات الصالحات، ومن ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ»…
انتبهي أختاه الفاضلة إلى ما يقال أو يكتب على صفحات بعض الكتب أو على المواقع الإلكترونية، فقد يذهب بك الفهم إلى أن الإسلام أخطأ في حقك، فتقعي بذلك في شَرَكِ الشِّرْك –والعياذ بالله- وتصابي بالإحباط بسبب أمور يجهلها من يتناولها أو يخوض فيها بغير علم. وتأكدي من أن إيمانك، وعملك الصالح هو وحده الكفيل بنيل الجزاء العادل من الله تعالى فإن من صفاته (العدل) وذلك ينفي ما فهمته من الحديث.
ثم إذا ما أردت أن تتناولي الحديث من جانب إيجابي، وتحسني الظن بالله؛ فلماذا لا تجعليه دافعا إلى العمل المتميز البناء، فتعملي على الاستزادة من صالح الأفعال والأقوال، وتدخلي بذلك في دائرة أولئك الذين قال فيهم الله تعالى:﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الأحزاب 35]
أسأل الله تعالى أن يجعلك –أيتها الفاضلة- من ورثة جنة النعيم.
لجنة الدعوة والإرشاد بشعبة عين ولمان