مؤتمر "فتح" – 1 – الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال
“رام اللـه” في الضفة الغربية على قدم و ساق لانعقاد مؤتمر “فتح” أولى المنظمات الفلسطينية، أسسها الراحل المرحوم “ياسر عرفات” عام 1965 بالتشاور والدعم المادي والسياسي والمعنوي من الراحل المرحوم “جمال عبد الناصر”، لا شك أن التسمية و إن هي مكونة من الحروف الثلاثة (ف ـ: فلسطين، ت: تحرير، ح: حركة) وبقراءة عكسية تصبح: فتح، وهي لا شك صيغت بقصد من المؤسسين لها لتكون مفردة ومصطلحا قرآنيا: “نصر من الله وفتح قريب”.
المؤكد أن الراحلين المرحومين الرئيسين “جمال عبد الناصر” و”ياسر عرفات” يعلمان جيدّا أن هذه الحركة لن تجد الطريق أمامها مفروشا بالبساط الوثير، أو بالأزهار والورود والرياحين، بل هما متيقنان جيدّا من أن المتربصين بها داخليا وخارجيا كثيرون، عربيا أولا ودوليا ثانيا؛ عربيا لا شك أن خطاب “عبد الناصر” الوحدوي قد جند ضده أنظمة عديدة وإن كانت لا تبدي غير الامتعاض منه، ولكنها تخفي وراء وجوه وجوهها وأعيانها ومسؤوليها عداوة لا حدود لها لأنها ببساطة تخشى من ذلك الخطاب الثوري أن يزلزل الأرض تحت أقدامها ويجعل من شعوبها مردة ينقضون عليها لإزالتها من فوق العروش و الرمي بها في قمامات التاريخ، ولم لا؟ فهذه الأنظمة تعرف شعوبها كيف تكونت ولماذا.
أول الامتحانات القاسية كانت حرب حزيران (جوان) 1967 التي انتهت بهزيمة نكراء للجيوش العربية وفي مقدمتها الجيش المصري والأردني والسوري، ولتكون نتيجة الأولية المباشرة احتلال كل من صحراء سيناء والضفة الغربية لنهر الأردن ومرتفعات الجولان السورية، هذا يعني انـحصار الجغرافيا وتقلص المساحة أمام العمل الفدائي الفلسطيني الذي أنشأته حركة “فتح”.
هذا الاحتلال لا تنتهي آثاره فيما سبق ذكره من الجانب الجغرافي، بل يتعداه إلى إعداد مخطط جهنمي يستهدف الحركة في علاقاتها مع شعوب وأنظمة الحكم في دول الطوق، يعني مصر وسوريا و الأردن.
في مصر المستهدفة الأولى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الصهاينة، حيث بلغت الكارثة فيها إلى زوال الجيش المصري وإعلان الرئيس “جمال عبد الناصر” تنحيه عن كل المسؤوليات السياسية في البلاد، ولولا تظافر مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية لانتهت مصر كدولة في مواجهة العدو من هذه العوامل:
– تمسك الشعب المصري بقائده
– تولي الجيش الجزائري بمبادرة سريعة من الرئيس الراحل “هواري بومدين”، رغم سوء العلاقة بينه وبين الرئيس “جمال عبد الناصر”، تولي هذا الجيش لمهام الجيش المصري في انتظار إعادة تكوين الجيش المصري.
في الأردن، تاريخيا، يعلم الصهاينة والدول الغربية الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة الشعب الفلسطيني في هذه المملكة 65 بالمائة وهذا يعني أن الحاضنة الطبيعية لحركة “فتح” و تنظيمها العسكري: (العاصفة) ستكون الأردن، وهي لها من الخصائص الجغرافية والطوبوغرافية ما يجعلها عمقا استراتيجيا للعمل الفدائي الفلسطيني، وكان لا بد من تدمير هذه الحاضنة الطبيعية بقيام جيش الكيان الصهيوني بهجوم واسع على كل الأراضي التي كانت تابعة للملكة الأردنية في الضفة الغربية والشرقية على السواء، فكانت معركة الكرامة عام 1968 التي أبلى فيها الفدائيون والجيش الأردني بلاء حسنا و قد انتهت باحتلال كل الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس التي كانت تابعة لإدارة الأوقاف الأردنية منذ عام 1948.
معركة الكرامة كانت بمثابة القاعدة والأساس لصراع بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني، طبعا بتخطيط و تدبير أمريكي صهيوني، فكان أيلول (سبتمبر) الأسود 1970 الذي أنهى بصفة نهائية تواجد الفدائيين الفلسطينيين بل و حركة التحرير في المملكة الأردنية الهاشمية، وكانت الأحداث التي عجلت بوفاة الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” بعد أن أقنع الحكومة اللبنانية باستضافة الفلسطينيين، تنظيما وعملا فدائيا.
في سوريا، عرف الرئيس الراحل “حافظ الأسد” التدابير والمخططات الإمبريالية الصهيونية ضد القضية الفلسطينية وضد كل الدول العربية المجاورة لفلسطين المتمسكة بخيار الكفاح المسلح وسيلة للتحرير، فلجأ إلى اتخاذ قرار سحب القوات السورية من الخطوط الأمامية للجولان المتحلة، والقرار تكتيكي طبعا الهدف منه تأجيل الصراع مع العدو إلى ما بعد اتضاح الرؤية في مصر ما بعد الراحل “جمال عبد الناصر”، لأنه يعرف أن لا قدرة لسوريا لاستئناف الحرب مع العدو لوحدها دون مصر والأردن.
هذه الخطوة كانت من الأسباب التي جعلت الرئيس “حافظ الأسد” يتقرب كثير من المسحيين الموارنة الرافضين للتواجد الفلسطيني في لبنان، وقد وصل الأمر به عندما اندلع الصراع بين المقاومة الفلسطينية و المقاومة الوطنية اللبنانية من جهة، والكتائب والموارنة من جهة أخرى إلى التدخل المباشر لتنفيذ مجزرة “تل الزعتر”.
في لبنان، قوى مسيحية كانت رافضة للاتفاق مع “عبد الناصر” لإيواء منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة، فبدأت المعارك بين المتصارعين في بداية السبعينيات واستمرت إلى بداية الثمانينيات بالتدخل المباشر للجيش الصهيوني لمساعدة الكتائب و كانت مجازر “صبرا و شاتيلا” التي قامت بها قوات الكتائب اللبنانية وانتهت المعارك بطرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982.
لقد تأسست “فتح” لتفتح فلسطين المحتلة أمام اللاجئين الذين طردوا منها، ورغم كل ما قيل ويقال، ورغم كل الأخطار التي أحاطتها منذ انطلاقها و لكنها مع ذلك استطاعت أن تفتح العالم من خلال الأمم المتحدة، كما فتحت آذان الرأي العام العالمي للاستماع إلى صوت شعبها الذي اغتصبت حقوقه، وأصبح بعد أن كان كما كان مصورا من طرف أرمادة الإعلام الغربي الٍرأسمالي الصهيوني مجرما إرهابيا، اتضحت صورته لدى هذا الرأي العام وأصبح يصور في كثير من وسائل الإعلام شعبا ضحية للاحتلال العنصري الصهيوني الذي لا شك سيأتي يوم يعامل فيه مثل ما عومل نظام الآبارتيد العنصري في جنوب إفريقيا وما ذلك على الله بعزيز.