مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

لغة العروبة والمعرّبين في ضمائر المفكرين

أيّة عقرب سامة لسعتنا؟ وأيّة يد، هامّة صفعتنا؟ وأيّة جرثومة، لأمّة- أفزعتنا، فأقضت مضجعنا، وكدّرت منبعنا، وحيّرت منتجعنا؟
طافت بفكري، هذه الأسئلة، وأنا أعيش حدثيْن ثقافيين، بارزين، في الأسبوع المنصرم، أمّا أحدهما، فهو البيان الصادر في صحيفة “لوموند” الفرنسية، والموقّع من كوكبة من المفكرين الجزائريين، لهم باع طويل في عالَمي الفكر والإيديولوجيا، من أمثال العالِم المتميز، والحامل لوسام العالِم الجزائري الأستاذ الدكتور أحمد جبار، والروائي العالمي، المتجذّر في التراث العربي الإسلامي، والحائز على جوائز كثيرة، إنه الأستاذ الدكتور واسيني الأعرج. إلى جانب فقيــهة الألسنيّة، والباحثة الأكاديمية، سليلة الثقافة الإبداعية الإبراهيمية، الدكتورة خولة طالب الإبراهيمي، وغيرهم.
أما الحدث الثقافي الثاني، فقد تمثل في الندوة الفكرية، التي عقدها “مركز دراسات الوحدة العربية”، بمدينة الحمامات السياحية بضاحية تونس الزيتونة والصادقية، حول موضوع: الإصلاح الديني. وقد أطّر هذه الندوة الهامة نخبة من مفكري الوطن العربي، من أمثال الكاتب المصري الكبير الأستاذ فهمي هويدي، والفيلسوف المغربي المعروف الدكتور عبد الإله بلقزيز، والباحث في اليسوعيات، اللبناني، الأستاذ الدكتور لويس صليبا، والأكاديمي العراقي آية الله العظمى أحمد الحسني، البغدادي، والمفكر الليبي المعروف الدكتور مصطفى التير، والقانوني العالمي الدكتور محمد سليم العوّا، إلى جانب المنظّر الإسلامي التونسي الشيخ راشد الغنوشي، والعالِم الاجتماعي الأكاديمي الجزائري، الدكتور زبير عروس، وغيرهم.
استوقفني في الحدَثين الفكريّين أكثر من علامات إعجاب وتعجب.
فبالنسبة للحدث الأول، تعجبت من البكاء أو التباكي على أطلال اللغة العربية، والأعجب من ذلك أن يتّخذ هذا البكاء فضاءً له، صحيفة لوموند الفرنسية، وما عهدنا هذه الصحيفة المشهورة، “حائط مبكى” ينشر العرب على أعمدته غسيلهم، ويرفعون عويلهم، ويفضحون فيه جيلهم.
والعجب الثاني، أن يُعاب على العربية ارتباطها بالدين، والحال أنّ من ناقل القول، التسليم بأنّ الإسلام هو الذي أعطى العربية إبداعها، وحفظ لها إشعاعها، وأكثرَ معجبيها وأتباعها، فهل يمكن المقارنة بين عربية أبي لهب، وعربية طارق بن زياد؟ وبين عربية قس بن ساعدة- وهو أفصح من خطب، وعربية محمد البشير الإبراهيمي – وهو أبلغ من كتب؟
فأن يعاب على العربية، ارتباطها بالجمود والشعوذة، والتدجيل باسم الدين، فهذا ما نتفق عليه جميعا، وأن يعاب عليها أن تتحول إلى لغة شطح، ونطح، وذبح، فهذا ما نبرّئ العربية منه، أما أن ننسبها إلى السلفية المنحرفة، تحت شعار “السلفية الجديدة”، فهذا ما نبرّئ العربية والسلفية منه.
فقد طال السلفية، – وهي في أساسها العودة إلى النبع الصافي- ما كدّر صفوها، وغيّر مجرى نبعها، عندما أصبحت السلفية مفهوما مظلوما، محوّلا عن مجراه، ومبتغاه. فأين يكمن الخلل وأين يكمن الحل؟
فيكمن من وجهة نظرنا، في إعادة تصحيح المفاهيم، وضبط منهجية التعليم، وإصلاح المدرسة الجزائرية في الصميم. وإن كان لابد من نشر الغسيل، فليكن على أعمدة إعلامنا الأثيل، واستلهاما من مخزوننا الأصيل. كنا نظن – وبعض الظن ليس بإثم أن يغوص مثقفونا، في معاناة العربية من بعض أبنائها، وجل أعدائها، لا أن ينزلوا عليها، وعلى مريديها، بالثلب، والسلب، وهي المثخنة بالجراح.
فلو كان سهما واحدا لاتّقيته
ولكنه سهم، وثانٍ، وثالث
وأما ما أثار إعجابي، في حدث ندوة الإصلاح الديني، بحمامات تونس الشقيقة، فهو هذا الانسجام الكامل بين الباحثين، على اختلاف معتقداتهم، وقناعاتهم، وانتماءاتهم، انسجام ميّزه أدب الاختلاف، وحسن الائتلاف، بحثا عن نقاط الارتكاز التي تتخذ قاعدة للإصلاح، ومنهجا سليما للعودة إلى الذات بأبعادها الحضارية، من أجل إقلاع حضاري صحيح. لم تضق الندوة – إذن- بالمفكر اليسوعي، ولا بالإسلامي الشيعي، كما لم تميز بين العربي اللائكي أو العلماني، ولا الإسلامي القرآني، لقد كانت الندوة – بحق- ترجمة لما يجب أن يكون عليه الإصلاح الديني الحقيقي عمليا، واستعادة السلفية الصحيحة لمعناها المفقود، وبناء المجتمع الإسلامي المنشود.
أسوق هذا كله، لأخلص من خلاله إلى أنّ المثقفين، الواعين بانتمائهم، والمتخلصين من عقدة ارتمائهم في أحضان أعدائهم، هم الموكول إليهم، عملية القيام بمنهجية التدقيق، والتحقيق، والتعميق، وتخليص المجتمع، من كل تزويق وتلفيق.
إنّ الربط بين العربية، كلغة حضارة، وثقافة، وبيان وعرفان، بقيم الدين القائم على فهم صحيح، وتطبيق صريح، وسلوك فصيح، هو الكفيل بالنهوض بالعربية، في أحلى صور إبداعها، وشعاعة إشعاعها، وبين الدين في نقاوة نبع صفائه، وقيم نبل أبنائه، وإنسانية صلاح حواريّيه وأوليائه.
ونعتقد، أنّ التطلّع المشروع للمعربين والإسلاميين، إنما يبدأ من الخلية الأولى للتربية والتعليم، وهي المدرسة بعد تأصيلها، وتأهيلها، وإسناد مهمتها لمن هو أهل لتمثيلها…
أما، كثرة التهويل، وإعلاء العويل، والاستنجاد بالطير الأبابيل، ونشر الأحابيل، فذلك شأنه شأن من ينفخ في رماد، الأقاويل والأباطيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى