مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

هل دافع الدكتور مالك شبل عن الإسلام أم عن العلمانية ؟ (الجزء الثاني) عبد الحميد عبدوس

تطرقنا في الحلقة السابقة إلى أسباب اعتبار المفكر الجزائري الراحل الدكتور مالك شبل من الأسماء اللامعة في طليعة الباحثين الذين يطلق عليهم ” مفكرو إسلام التنوير” حيث شكلت وفاة الدكتور مالك شبل فرصة لبعض المثقفين والإعلاميين الجزائريين لاستعراض الحماس والتفخيم للمساهمة الفكرية لصاحب كتاب (الإسلام مشروحا من قبل مالك شبل) الصادر سنة 2007،حتى أن البعض اعتبره بمثابة المدافع الحقيقي عن الوجه الصحيح للإسلام،- وذهب وزير الثقافة عز الدين ميهوبي إلى القول بأن الوزارة الثقافة تفكر في إنشاء مؤسسة تحمل اسم الفقيد ونشر فكره وأطروحاته باعتباره مفكرا عالميا، مما يوحي بوجود تبني رسمي للدولة الجزائرية لفكر وأطروحات الدكتور مالك شبل حول الإسلام، واعتبرت صحيفة جزائرية انتقاد الباحث المغربي ادريس الكنبوري لفكر مالك شبل بكونه ” واحدا ممن ساهموا في تقديم الإسلام إلى الغرب بطريقة مشوهة “، كأنه حرب ثقافية مغربية ـ جزائرية أو اعتداء غير مقبول من كاتب مغربي على مفكر جزائري!
وحتى عميد مسجد باريس الدكتور دليل أبو بكر لم يتردد في القول بأن: ” الفكر الديني للراحل مالك شبل مقتبس من المفكرين المسلمين الجزائريين العصريين أمثال محمد أركون ومالك بن نبي وعبد الحميد بن باديس والعلماء المسلمين قد فتح الطريق للحوار والتبادل المثمر بين الثقافة الفرنسية التي كان يتقنها والطابع الإنساني لإسلام المغرب العربي الذي أراد التعريف به”.
واعتقد أن إعجاب الغرب بأطروحات الدكتور مالك شبل عن الإسلام راجع إلى تأكيده في مختلف مؤلفاته التي تقارب 40 كتابا أنه يمكن تحديث الإسلام أو جعله قادرا على الانسجام مع أفكار الحداثة الغربية، ويكفي لتحقيق ذلك أن “يتخفف” القرآن من بعض آيات الأحكام التي تشرع لحياة المسلمين، وذلك ما قاله صراحة في حوار له منشور بجريدة ( ليكسبرس) الفرنسية مع جون بول شارناي
حيث يقول مالك شبل: “أنا على قناعة بأنّ الإسلام يمكن أن يتوافق مع الحداثة إذا تخفّف. صحيح أنّ بعض الآيات تطرح إشكالا. انطلاقا من تلك التي تجلّ العقوبات الجسديّة و تلك التي تدعم المنزلة الدّونيّة للمرأة .فوفقا للشريعة ـ الشرع القرآني ـ فإنّ نصيب المرأة من الميراث أقلّ من الرّجل وهو أمر غير مسموح به اليوم، وعلى المسلمين التّخلّي أيضا عن تعدّد الزّوجات (وهو ما ذكره القرآن في سورة “النساء” الآية الثالثة) وأن يعلنوا صراحة بأنّ الجهاد الذي يخاض نيابة عن اللّه لم يعد واجبا في الإسلام و التأكيد على أن لا اليهود ولا المسيحيين هم الأعداء. إن هذا السؤال مهمّ لأنّه يدلّ المسلمين على إدراك إمكانيّة عبادة اللّه بطرق متعدّدة.”
ولكي يتم توافق الإسلام مع الحداثة يقترح مالك شبل تعطيل آيات الحدود والميراث وتعدد الزوجات والجهاد وعدم موالاة اليهود والنصارى ليصبح المسلمون أحراراً في أن يعبدوا الله بطرق لا تلتزم بالضرورة باتباع كتاب الله وسنة رسول الله وهدي السلف الصالح.
وعندما كانت المسلمات يتعرضن في فرنسا خصوصا والغرب عموما للتمييز والقهر بسبب تمسكهن بلباسهم الشرعي (الحجاب) أجرت مجلة “لوبوان” الفرنسية حوارا مع مالك شبل جاء فيه:
” لوبوان: أنتم أول من ذكر بأن القرآن لا يلح على ارتداء الحجاب. بماذا تجيبون النساء اللواتي يعتبرن أنفسهن منبوذات من طرف الجمهورية لكونهن محجبات؟
ـ مالك شبل: آيتان قرآنيتان تستحضران مسألة الحجاب وحتى هاتان الآيتان فإنهما ليستا واضحتين: بالتأكيد، فإن الرسول سئل من قبل النساء حول مسألة حجبهن، غير أن العديد من المفكرين المسلمين يؤولون الآية القرآنية موضوع السؤال على أنها تتوجه فقط إلى نساء الرسول. لكن بعض الرجال لكونهم حساسين جدا تجاه السفور المتعلق بنسائهم، فقد تم تعميم الحجاب ثم البرقع ترضية لمصالحهم الخاصة. فإذا تم غض النظر عن الغيرة الذكورية، فإن كل البراهين المذهبية التي تناضل من أجل الحجاب تسقط من تلقاء نفسها. يتعلق الرجل بالأوهام بحبس زوجته في لباس كارثي، بدلا من إعطائها معنى تمييز نقدي وتربية على الحرية. …”
ويقول مالك شبل: “علينا التأقلم مع قوانين الجمهورية، لئلا نكون خارج إجماع قيمها. علينا قبول المعاهدة التي تقترحها الجمهورية. أمّا التديّن وممارسة الشعائر، فهذا شأن الأفراد. أنا لا أتحدّث هنا عن إسلام علماني، بل عن إسلام حديث يخصّص حيّزًا لكلّ مسلم”.
وعن ظاهرة الختان يقول: “شرحت في كتابي الخير لماذا كنت ضد ختان الذكور، خصوصا أن عملية الختان عند العرب تتم في معظم الأحيان والطفل في حدود السنة الخامسة من عمره. وهذا العمل يشكل خطأ كبيرا في مفهوم علم النفس، لان الطفل في هذه المرحلة من العمر يعاني من عقدة (الصراع مع الأب).. الحال عند اليهود أرحم بعض الشيء حيث يتم ختان الأطفال في اليوم السابع بعد الولادة
في سنة 2013 صدر كتابه الذي حمل عنوان (تغيير الإسلام) اعتبر فيه أن القرآن كلام الله قد وصل إلينا بطريقتين، الأولى بواسطة الرسول( صلى الله عليه وسلم) وفيما بعد بواسطة كتاب الوحي، فهو بذلك قابل للنقاش وللتأويل، ويضيف مالك شبل أنه كانت في الماضي ومازالت إلى اليوم نقاط خلاف حول القرآن.
وهكذا يجعل كل شيء في الإسلام خاضعا للمراجعة والنقاش والتأويل بما في ذلك القرآن والسنة. ولعل هذا ما جعل رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس يقول عن الأفكار التي قدمها مالك شبل ” مشروعُه الفكريّ يدعونا إلى أن نجعل منه مشروعَنا أيضا”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى