مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

فتنة الفِرق والافتراق (2) بدأت أوصافا وتعريفات ثم أصبحت أصنافا وجماعات

بينا في الجزء الأول من هذا البحث أن تسميات الفرق المحدثة التي ما كانت في عهد رسول الله -صلى لله عليه وسلم- أنها خطأ وقع في شبهاتها مُحْدِثوها، وسقط في متاهات زيفها أتباعُها والمتعصبون لها، بما في ذلك ما يسمى بالمذاهب الفقهية عند ما بلغ الاختلاف بين الأتباع حد العداوة والمفاصلة العلنية. وخَلُصْنَا إلى القول بأن بقاء التسميات الفرقية تكريس للتفرق والتخلف.وطرحنا السؤال: هل تسمية الفرق والتميز بها ضرورة دينية؟وأجبنا بـ: لا، وألف لا.
3 ـ نحن بنو آدم مؤمنون وانتماؤنا للإسلام وفقط:
ومن أراد التميز فبالتقوى والعمل الصالح الذي ينفع به الناس.قلت التميز ليس باختراع الفرق والأحزاب، وإنما بالعمل الذي يقوي الأمة الإسلامية. طيب أنت إنسان، أتنكر ذلك؟فإذا رأيت بعض بني الإنسان يفسدون في الأرض. وأردت أن تتبرأ من أفعالهم، فهل تخرج نفسك من بني الإنسان؟ لا، تبقى إنسانا، وتنتمي إلى الإنسانية رغم ما في كثير من الناس من فساد. إذن فليس التميز بإحداث المصطلحات، والألقاب، والمذاهب، والأحزاب، وإنما بتقوى الله تعالى. وابق كما سماك الله، وابق كما سماك الله يا من يهديك الله ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ ألم ترض بما سماك الله؟﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾أتعترض على اسم جامع اختاره الله لك؟ وأمر به الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ لو سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي جماعة هو؟ ومع أي تنظيم، بل ورد السؤال، وكان الجواب الكافي لما هو مبين في الكتاب، والرد الشافي لأولي الألباب، يا من تقولون بأنكم تعملون بالقرآن والسنة. فبماذا أَمَر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ بماذا أُمِرَ خَاتَمُ النبيين؟ الجواب في القرآن الكريم:﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (النمل:91) أُمِر أن يكون من المسلمين، لا من أي فرقة من الفرقيين على مختلف أسمائهم.
كثير من المسلمين تسول لهم أنفسهم بأن يقولوا، بل قالوا: نحن جماعة من المسلمين أقلقنا بعضُ إخواننا وخالفونا الرأي هل نخترع لأنفسنا عنوانا ننتمي إليه؟ وقالوا: حتى في الفقه أقلقنا إخواننا خالفونا في المسح على الجوارب، والاستراحة للقيام، والقنوت، والسدل، والصلاة بين السواري، والسواك بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام. فهل نخترع مذهبا فقهيا ننتمي إليه؟ وأكثر من هذا بعض إخواننا خالفونا في أمر الحاكم، متى نطيعه ومتى نعارضه، ومتى نقوم بالمسيرات؟ ومتى نتجمهر لغلق الطرقات؟ فهل ننشئ حزبا جديدا وننتمي إليه؟ إنها أمراض فكرية طغت على كثير من العقول البشرية.
هل النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأمته ألفوا المذاهب وتسموا بها؟ أو قال لهم أحدثوا الفرق والأحزاب واصرخوا بشعاراتها على بعضكم. أم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: [ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ] (مسلم.كتاب الحج).
قال محاوري: ما معنى هذا؟ قلت: معناه أن مصطلحات الانتماءات الفرقية والمذهبية المحدثة تعتبر من الأخطاء التي أحدث فتنا بين المسلمين، والتي يجب تركها، فقد كانت سببا من بين الأسباب التي فرقت المسلمين، وبسبب انقسام المسلمين إلى فرق ومذاهب وطوائف وأحزاب كثر الانحراف والفساد والخراب، فاتقوا الله يا أولي الألباب.
4 ـ مراتب الدعوة الإسلامية في منهج القرآن:
إن الدعوة إلى الإسلام، والتي كان عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مرتبة ترتيبا إيمانيا لا تقبل المخالفة بأسماء انتمائية محدثة جديدة، ولا بأحزاب سياسية، قال الله تعالى:﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة:55،56).
المرتبة الأولى: الإيمان كما هو مبين في القرآن، والسنة.
المرتبة الثانية: الإيمان بأن الرسالة السماوية الخالدة هي القرآن والعمل بما فيها واجب على كل بني آدم.
المرتبة الثالثة: عبادة لله وحده لا شريك له كما شرعها الله تعالى، لا زيادة ولا نقصان.
المرتبة الرابعة: الولاية بين جميع المؤمنين أنهم أمة واحدة.
المرتبة الخامسة: الإمام المتبع بحق هو النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل بالأحاديث التي أجمع العلماء الربانيون على صحتها.
المرتبة السادسة: أن أحكام الشريعة الإسلامية في الإيمان، والحلال والحرام، والعبادة، والأخلاق، ثابتة وهي كافية لأن يتفق عليها كل المسلمين في العالم.
إن الذين فرقوا الأمة الإسلامية إلى شعوب، ثم فرقوا الشعوب إلى أحزاب، فهم من حيث لا يشعرون قد فرقوا التدين إلى مذاهب، وفرقوا التَّسَيُّس إلى أحزاب. فضاع أملُ الأمة ومستقْبَلُها بين تيارات المذهبيين ومشاكسات الحزبيين. وهجروا دعوة الله تعالى:﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ إذن أنت مسلم وكفى. وانتسابك للإسلام يكفيك ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾(الأنعام:159).
5 ـ وأخطر الفتن أيضا حرب الفرق والمذاهب بين العلماء الدعاة:
بعض دعاة هذا العصر يتنازعون ويصارع بعضهم بعضا من أجل أسماء سموها، ثم اختلفوا في حقيقتها، ثم تقاطعوا وتدابروا بسببها.إنها الأسماء التميزية:( سنية، وشيعية، وسلفية، وأشعرية، وصوفية، وإخوانية، وماتريدية، ووهابية، ومعتزلة،. وأسماء مذهبية كثيرة).! لا حول ولا قوة إلا بالله، أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ألم تقرؤوا قول الله تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ (التوبة:71). وقوله تعالى:﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(الأنبياء:92) وقال –عز وجل-:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران:103).
في شهر ذي القعدة 1437هـ أقيم مؤتمر علمي عالمي، بمدينة قروزني، بالشيشان حضره علماء كثيرون، وكان من جملة أهداف المؤتمر الإسلامي العالمي هذا، (كما قالوا) البحث عن حقيقة التصوف وخصائصه، ومن هم أهل السنة والجماعة، ومَنْ هُمْ الذين نسميهم الصوفية، ومن هم الذين نسميهم أهل السنة والجماعة؟ (فهكذا قالوا وتساءلوا) والذين لم يحضروا المؤتمر انتقدوهم بشدة، وعاتبوا من حضره من العلماء بعتاب حقيد، وقامت حرب كلامية بين بعض العلماء تدل على أخطر سوء تفاهم بينهم، بل إن من يسمعهم يحكم بأن الحقد يحركهم، وحب الزعامة يدفعهم. وراح بعض من لم يحضر يشدد في اللوم والتهم. قال بعض المحللين من هؤلاء، ومن هؤلاء: هناك الصوفية الحقة، والصوفية الجهادية، والصوفية الإرجائية، والصوفية الطرقية، والصوفية الزهدية. وقال آخرون: هناك السنية الوهابية، والسنية القرآنية، والسنية السلفية، والسنية الاجتهادية.و..و..
ألم يكن من الحق والصواب أن نقول: ها هو الإسلام والعمل بالقرآن والحديث وما أجمعت عليه الأمة، وهو المنهج الجامع، والانتماء للإسلام وكفى.؟
ألم يكفكم يا مسلمين ما سماكم به رب العالمين؟ ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾ألم يعجبكم الاسم الذي سماك الله تعالى به؟ لماذا تسمي نفسك صوفي أو شيعي، أو سلفي، أو إخواني، ثم تبحث عبثا عن خصائص وهمية، وتبريرات أهوائية؟ لماذا تتعب نفسك وتتعب الناس معك؟ طبعا يمكن أن تقول: مسلم شيعي، والآخر يقول: مسلم صوفي، والأخر يقول:مسلم ويضيف ما يشاء من العناوين المخترعة، ويصير الإسلام طبقات، وأصنافا، وأنواعا لا حصر لها. بل قال بعض المحللين على حد قولهم: الإسلام السياسي، والإسلام الأصولي، والإسلام المعتدل؟! وفرقوا بين مصطلح المسلمين، والإسلاميين، وبين الدعاة السياسيين، والدعاة المسالمين، والعلماء الموالين، والعلماء المعارضين. ولا حول ولا قوة إلا بالله رب العالمين.
روى الإمام الداعية محمد سعيد رمضان البوطي -رحمه الله-، قال:”زار سوريا مستشرق فرنسي، سنة 1967م. وذكر الإسلام بخير، وأعلن أنه معجب بما يدعو إليه الله تعالى في القرآن، ومدح الدور الذي قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- في إخراج العرب من الجاهلية إلى الحضارة الراقية. فقيل لهم: ولِمَ لاَ تُسلم ما دمت تُقِرُّ بالعدالة والإنسانية في الإسلام؟ قال: أدخل الإسلام مع من؟ قيل له: ماذا تقصد بقولك مع من؟ قال: مع أي فرقة من هذه الفرق المنتشرة في العالم الإسلامي عندكم؟” ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى