
***
الحلقة الثانية
– ومن أبرز مؤلفات الثعالبي كنز الرواة المجموع من درر المجاز ويواقيت المسموع( ).
وقد أورد الثعالبي مرويات الفكون في كنزه، ووصف العياشي (كنز الرواة) بأنه أعظم الكنوز وأثمنها وأوعاها( ).
– أبي سالم العياشي، لم يذكر ما قرأه وإن كان قد لخص لنا أهم ما اطلع عليه من مؤلفات منها (محدد السنان في نحو إخوان الدخان)، و (الديوان في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم) وذكر أنه قرأ عليه بعض كتاب الموطأ للإمام مالك، والصحيحين والسنن الأربعة (البخاري ومسلم) والنسائي والترمذي وابن ماجة وأبي داوود وطرفا من الأحكام الصغرى لعبد الحق الإشبيلي والشفاء للقاضي عياض، والشهاب القضاعي..كما أجازه الشيخ عبد الكريم الفكون وغيره من فطاحل علماء العصر( ).
– بركات بن باديس القسنطيني، ذكر أستاذه الفكون في تقييده (نزع الجلباب) كما ذكر له جواب عن لغز السيوطي في إحدى مسائل النحو( ).
– أبي عبد الله محمد البوزيدي، سأله عن بعض مسائل فقه فكان يقيد له أجوبتها( ).
– الشيخ مخلوف قرأ على الفكون النحو ثم ترك العلم وراح يشتغل بالتصوف العلمي.
– محمد الهاروني أصله من زاوية أولاد هارون، قدم قسنطينة عام 1022هـ.
– عاشور القسنطيني كان يحضر الإقراء على ألفية فربما يسأل المرات فكان الشيخ لا يرد له الجواب لبلادته، فكان دائما يستشكل المسائل نحوا وفقها وكلاما، يأتي الشيخ بها مرة ببطاقة ومرة بالكتاب نفسه، ومرة مشافهة، وقد رحل إلى تونس.( )
– أبو عمران موسى الفكيرين والد السابق، قرأ على التواتي وبعد وفاته انتقل هو وجمع من الطلبة للقراءة على الفكون فدرس عليه المرادي في النحو ثم انقطع عنه لخلاف بينهما.( )
– علي بن عثمان الشريف من قبيلة بني تيرون بزواودة، لازم الفكون وأجازه.( )
-أحمد بن ثلجون كان فطنا ليبيا أريبا ذا عقل وزي حسن، رجع رجوعا حسنا في شيبته، توفي بالطاعون عام 1031هـ.( )
– محمد البوقلمالي، كان ذا عقل جيد وفكر رصين، ثقة فيما يفهمه صالح الحال، كان ملازما للقراءة على الشيخ، توفي جراء الطاعون1031هـ المذكور( ).
– أحمد الميلي، ممن تعاطى خطة الشهادة قرأ على التواتي والفكون الجد ومحمد بن حسن .( )
موقفه من السياسة.
ما يمكن قوله هو أن الفكون كان يكره التقرب من الأمراء ومخالطة الأمراء، ومجالسة السلاطين، كما أنه لم يتعرض لكثير من الأحداث السياسية المهمة التي وقعت في عصره، والتي من أبرزها ثورة ابن الصخري عام 1637، كذا الصراع بين الإسلام والصليبية في هذه الفترة، لكن ما الذي جعل فكون يغض الطرف عن هذه الأحداث؟ هناك تفسيرات أما الأول فهو أن هذه الأحداث لم تكن موضوع (منشور الهداية) لأنه ألف للنصح العام، ومحاربة البدع، والانحطاط العقلي وهو ما يتلاءم مع ما كان عليه العالم من صراع شديد بين العثمانية (الإسلامية) والإسبانية المسيحية، فإن صح هذا التفسير يكون عمله هذا مكملا لعنصر القوة الخارجية.( )
أما التفسير الثاني فهو أن الفكون كان رجل دين وعلم يؤمن بعدم التدخل في الشؤون السياسية والمحافظة على مكانة رجل الدين والعلم أمام رجل الحكم والسياسة.( )
وعلينا أن نسجل أن الفكون رغم ابتعاده عن شؤون السياسة عموما وهو ما يتوافق مع تصوفه إلا أننا نلمس ذوق سياسي فكان يتحسس من السلطة التركية، ويصف قضاتهم بقضاة العجم، كما أننا نجده متعاطفا مع الثورة التي قام بها بحي الأوراس والذي تصدى للإفتاء بقسنطينة ودار سلطنتها بالجزائر ونتيجة الوشاية لدى الأمراء والقول عليه بخلع البيعة فر من قسنطينة إلى أوراس، واجتمع عليه الناس، ووقعت بينهم وبين عساكر الجزائر حروب كثيرة، وبقي كذلك إلى أن قتل-رحمه الله- بحالة غدر من بعض الفرق، فبيتوه فغدروا فكان من أمره ما قدر الله، وقال أنه يموت شهيدا( ).
موقفه من التصوف.
رغم نقد الفكون لمتصوفة عصره فإنه كان شخصيا من المتصوفين، وكان في الواقع شاذليا زروقيا. وهو لا يخفى ذلك أو ينكره بل يعلنه في غاية الصراحة. وكان يسير على مقتضى تعاليم الطريقة الشاذلية والطريقة الزروقية في أرائه وسلوكه. وقد تأثر بهذه التعاليم، كما سنرى من عدة مصادر( ).
المصدر الأول: إنه أخذ عن والده عن جده عن عمر الوزان، الذي قال عنه الفكون أنه دعوة من دعوات الشيخ أحمد زروق. وبين ذلك بأن الشيخ زروق كان يتردد على قسنطينة وكان والد الوزان يعمل جابيا للضرائب بباب المدينة. فكان يعفي الشيخ زروق من الدفع. وقد جاء الشيخ زروق ذات مرة فلم يجد ذلك الرجل فسأل عنه فقيل له إنه يقيم وليمة بمناسبة ميلاد ولد له، فذهب إليه زروق وحمل الولد (عمر الوزان) في كفه وأخذ يدور به في غرفة وهو يتمتم له بكلام صوفي وأدعية، مفادها أن عمر الوزان سيكون من أهل العلم والصلاح في قومه. لذا فالفكون من المنتسبين إلى مدرسة الوزان التي هي مدرسة الإمام أحمد زروق، وقد ورث هذا الانتماء عن والده عن جده( ).
المصدر الثاني: أنه قرأ على الشيخ يحي الأوراسي، كما عرفنا. وكان الأوراسي قد أخذ الطريقة الزروقية عن شيخه طاهر بن زيان الزواوي عن أحمد زروق عن عبد الرحمن الثعالبي. وكان زروق قد أقام مدة في كل من بجاية وقسنطينة وترك هناك تلاميذ ونشر تعاليمه الشاذلية المنقحة. وتخبرنا بعض الروايات أن الفكون قد لبس الخرقة الصوفية الزروقية-الشاذلية – على يد شيخه يحي الأوراسي عن طاهر بن زيان المذكور عن أحمد زروق الصغير عن والده عن محمد بن يوسف السنوسي( ).
االمصدر الثالث: أن الفكون درس قصيدة القدسية لعبد الرحمن الأخضري وهي قصيدة التي تذكر أحوال المتصوفين في القرن العاشر الهجري(16م) وتنحى عليهم اللجوء إلى الخرافة والشعوذة، وتدعو إلى التمسك بالعلم ونبذ البدعة والعمل بالكتاب والسنة، والجمع بين علمي الظاهر والباطن جمعا صحيحا واضحا. وكان الأخضري من تلاميذ الشيخ أحمد زروق. وكان الفكون قد أعجب إعجابا شديدا بالقدسية حتى أنه كاد يذكرها كاملة في كتابه (منشور الهداية)( ).
ونضيف أيضا أننا نجد أن الفكون ظل محافظا على خطه الأصيل الذي هو التصوف ويقرر في ” محدد السنان”: (أنه إذا تعارض رأي الصوفية مع رأي غيرهم، فإن الحق معهم لعدم اجتماع رأيهم على الخطأ)( ).
وفوق ذلك فقد حافظ الفكون على عدة أفكار صوفية منها، الإيمان بالمرائي والمنامات، فقد صدق رجلا قرأ أن اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة هو عبد الكريم، وأنه رأى في المنام جده الذي قال له: كان فعل ماضي فكان سبب تحوله لدراسة النحو، وكذلك إيمانه بوجود الأغواث والأقطاب وغيرها( ).
وأخيرا نقول أن للفكون حاسة روحية في التفسير الإشاري؛ وقد كان له منه النصيب الأوفر، حيث يبرز ذلك من خلال مؤلفاته، وهو سني في تصوفه -تصوف معتدل- فهو لا يذهب مذهب الحوليات أو وحدة الوجود.
مؤلفات الفكون
لقد ترك الفكون تركة علمية هائلة من الكتب والكتيبات التي يسميها تقاييد أو رسائل وقد ألفها جميعا -فيما يبدو- قبل توليه وظائف أبيه إلا أقلها كما سنعرف. وموضوعاته متنوعة فيها الاجتماعي مثل منشور الهداية ومحدد السنان، وفيها اللغوي والنحوي مثل فتح اللطيف وشرح شواهد أبي يعلى، ومنها الأدبي مثل ديوانه وقصائده الأخرى، ونحو ذلك. وهو من أكثر معاصريه تأليفا وأهمية وتنوعا، إذا استثنينا أحمد المقري. ونلاحظ أن بعض أعماله تقع في مجلد وبعضها لا يتجاوز الكراسة أو الاثنين. وهذه هي قائمة إنتاج الفكون( ):
_ (منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية)، ألفه بعد 1045 .
_ (محدد السنان في نحو إخوان الدخان)، انتهى منه سنة 1025.
_ (ديوان شعر) في المديح النبوي، انتهى منه سنة 1031.
_ (تقييد) ذكر فيه مرضه سنة 1025_1028، وأشار إليه في منشور الهداية قائلا عن المرض ” وتلونه وعدم مجيئه على صفة واحدة، هو الذي أوجب تقييده في غير هذا”_منشور الهداية، ص243.
_ (شافية الأمراض لمن التجـأ إلى الله بلا اعتراض) أو (العدة في عقب الفرج بعد الشدة)، نظم له ذكره في منشور الهداية، ص244، موضحا أنه غير الديوان المذكور، وهو توسل بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه والتابعين والفقهاء والأولياء.
_ (مجموعة خطب)، أشار إليها في منشور الهداية عند الحديث عن الخطبة التي كتبها لأحد معاصريه (وهو أحمد بن باديس) قائلا عنها وهي” مذكورة مع جملة الخطب التي ألفها في غير هذا”، ص253.
_ (سربال الردة في جعل السبعين لرواة الإقراء عدة)، وهو كراسة في واقعة وقعت له مع أحد معاصريه، وهو حميدة (أحمد) بن حسن الغربي، المتوفى سنة 1030 أشار إليه في منشور الهداية، ص55. وقال إن “سببها مذكور فيها، فمن أراده فلينظر منها” دون أن يوضحه.
_ (تقييد) في كرامات الشيخ عمر الوزان. أشار إليه في منشور الهداية، غير أنه لم يذكر أنه ألفه وإنما تمنى على الله أن يقوم بذلك.
_ (نظم الدرر على شرح المختصر)، ويقصد به الشرح الذي وضعه على مختصر الشيخ عبد الرحمن الأخضري (يسميه عبد الرحمن بن صغير). أشار إلى ذلك في صفحة 17و50من منشور الهداية. وكان عبد اللطيف المسبح هو الذي وضع الشرح الأول على مختصر الأخضري، ولكن الفكون لم يعجبه ذلك، وتولى هو ذلك بنفسه. وليس واضحا ما إذا كان الفكون لم يعجبه ذلك، وتولى هو ذلك بنفسه. وليس واضحا ما إذا كان الفكون قد قام بعمل شرح كله من عنده أو أنه أضاف فقط تعاليق على شرح المسبح.
_ (تقييد في مسألة حبس)، يقع في كراسة. وأشار إليه وإلى مناسبته في منشور الهداية، ص41.وقد أخبر عن مناسبة هذا التأليف أن الشيخ يحي بن محجوبة الذي كان من جيل جده ووالده عزم على فسخ حبس(وقف) تقربا لقسنطينة عندئذ، محمد بن فرحات. فألف الفكون تأليفه المذكور، ولكنه لم يخبرنا ما إذا كان قد أنتصر على ابن محجوبة فلم يفسخ الحبس أم لا.
1_ (سلاح الذليل في دفع الباغي المستطيل)، قصيدة أولها:
بأسمائك اللهم أبدي توسلا
فحقق رجائي يا إلهي تفضلا
أشار إليها في منشور الهداية، ص241. ونسخها منه تلميذه محمد وارث الهاروني المتيجي، واعتمد عليها في دفع ظلم عمه الذي اشتكى منه للفكون. كما استنسخها منه المغاربة “فهي شهيرة بينهم”.
(وهو يطلق كلمة الغرب والمغرب على إقليم الجزائر ووهران والمغرب الأقصى). وكان قد نظمها في الشيخ محمد بن نعمون.
_ شرح مخارج الحروف من الشاطبية (في القراءات؟) ذكره له العياشي في رحلته 2/206، وعيسى الثعالبي، تلميذ الفكون، في (كنز الرواة).
_ (شرح على إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة) لا نؤكد أنه ألفه، ولكنه وعد به صاحبه أحمد المقري في رسالة بعثها إليه سنة 1038 ومعروف أن (إضاءة الدجنة) من تأليف أحمد المقري وهي في علم الكلام.
_ (فتح اللطيف في شرح أرجوزة المكودي في التصريف).
ألفه سنة 1048 ذكره له العياشي في الرحلة 2/206، والثعالبي في (كنز الرواة)، وسماه فيه (البسط والتعريف).
_ (فتح المالك) أشار إليه عدة مرات في كتابه (فتح اللطيف) مما يدل على أنه ألفه قبل سنة 1048 والظاهر أن شرح على لامية ابن مالك في التصريف، وهو يذكر صاحب اللامية أحيانا باسم صاحب (التسهيل)، وهو يحيل قارئ (فتح اللطيف) عليه فيقول: عليك به، فقد ذكرت فيه كذا وكذا من المباحث.
_ (شرح على شواهد الشريف بن يعلى علي الجرومية)، التزم فيه عقب كل شاهد ذكر حديث مناسب للشاهد معنى وإعرابا، وقد أشار إلى وجود هذا الكتاب كل من العياشي والثعالبي في المصدر المذكور آنفا. ولم يشر إليه الفكون نفسه فيما لدينا من كتبه وآخرها (فتح اللطيف) الذي ألفه سنة 1048 فيكون من المرجح أن شرحه على (شواهد الشريف بن يعلى) قد ألف بعد هذا التاريخ.
_ (فتح الهادي في شرح جمل المجرودي) ولم يذكره الفكون في كتبه التي ألفها.
هذه أسماء ما وقفنا عليه من مؤلفات ذكرها بنفسه أو نسبها إليه تلاميذه كالعياشي والثعالبي. وقد يكون له غير ذلك.
وختاما الحديث عن علم من أعلام الجزائر عموما، وعلى قسنطينة خصوصا، ناهيك عن المكانة العلمية الراقية التي كان يتمتع بها سواء من خلال مجالسته للعلماء والمشايخ، أو من خلال آثاره العلمية التي تجلت في تلاميذه ومؤلفاته، التي شاعت وذاعت في أقطار العالم الإسلامي، كما عرفت سعة علم الفكون من خلال تنوع إنتاجه الفكري وشموليته لمختلف الفنون كالفقه واللغة والأدب وتصوف وغيرها.
كما أنه تأثر بالظروف المحيطة به وخاصة حركة التصوف، التي غلبت على مؤلفاته مسحة صوفية تجلت في كثرة نقله واستئناسه ببعض لطائف التي قال بها أهل الإشارة دون أن ينساق وراءها.
وأخيرا لا ندعي أننا أتينا بما لا تأتي به الأوائل، وإنما حاولنا الإلمام وإماطة اللثام في دراستنا هذه المتواضعة عن تعريف بشخصية من شخصياتنا المرموقة، فإن أصبنا فمن توفيق الله، وإن كانت الأخرى فمن أنفسنا والشيطان.