“بوليفيا” دولة داخلية، توجد ضمن النطاق الغربي من أمريكا الجنوبية، تحدها البرازيل من الشمال والشرق، وبيرو وتشيلي من الغرب، وباراغواي والأرجنتين من الجنوب.
وتبلغ مساحتها (1.098.581) كيلو مترًا مربعًا، وهي خامس دولة من حيث المساحة على مستوى دول قارة أمريكا الجنوبية بعد البرازيل، والأرجنتين، وبيرو، وكولومبيا.
كما يبلغ عدد سكانها نحو (8.000.000 ) نسمة، 64% منهم من الهنود الحمر، والنسبة المتبقية من السكان من أجناس وأصول متعددة، منهم الأسبان والألمان والعرب واليابانيون والأفارقة واليهود. ديانتها الرسمية هي: المسيحية.
أهم المدن: مدينة “لاباز” من أهم مدن “بوليفيا” وهي العاصمة الإدارية الفعلية للبلاد، فيما تعد (سوكره) العاصمة الرسمية، إضافة إلى مدن (سانتاكروز، دولاسييرا، أورورو، وسوكوي، وبوتوسبي، وكوتشابامبا).
التضاريس الرائعة لـ”بوليفيا”
تنقسم تضاريسها إلى قسمين: يشمل المرتفعات، وهي قسم من جبال الأنديز، وتضم هضبة عالية مرتفعة، بها سلسلتان جبليتان هما (كوردليرا الغربية) و(كوردليرا الشرقية)، ويمتدان بطول البلاد، ويشغلان حوالي ثلث مساحتها تصل بعض قمم هذا القسم إلى (6000) متر، والقسم الثاني يتكون من الأرض المنخفضة، وتوجد في شرقها، ويشمل سطوح المنحدرات الشرقية نحو البرازيل، وحيث النطاق السهلي نحو حوض الأمازون، وبينها وبين بيرو في الغرب بحيرة “تيتيكانا” أكبر البحيرات العذبة بأمريكا الجنوبية.
كيف دخل الإسلام إلى أرض “بوليفيا” ؟
عرفت بوليفيا الإسلام منذ القرن الخامس الهجري..عندما هاجر إلى هناك عدد من الأفارقة. لذا فإن الإسلام هو أول دين سماوي عرف في هذه المنطقة من العالم..وقد أعجب سكان “بوليفيا” وهم من الهنود الحمر بأخلاق المسلمين وصدق معاملاتهم..فقّربوهم إليهم وقامت بينهم علاقات تزاوج ومصاهرة..حيث ظهر جيل جديد من المسلمين الذين حفظوا القرآن الكريم، وأدوا شعائر دينهم الحنيف في حرية وعلنية..جذبت الهنود الحمر لاعتناق الإسلام.
الاستعمار..التغريب..ذوبان الهوية
إنه التسلسل الطبيعي الذي واجهته معظم الأقليات المسلمة في كثير من دول أمريكا الجنوبية، حيث تشير كتب التاريخ إلى أن المورسكيين عانوا كثيرًا من الاضطهاد والتصفية العرقية على يد الأسبان، خاصة بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك، مما أجبر هؤلاء المورسكيين إلى الهروب إلى العالم الجديد إبان حقبة الكشوف الجغرافية، أو البقاء في الأندلس والتظاهر بالنصرانية، ولما احتلت أسبانيا بوليفيا في (945هـ – 1538م)، عادت ذكريات الإبادة إلى شعب المورسكيين، فأخفى كثير منهم إسلامه حرصًا على حياته، وخوفًا من جيش الاحتلال الإسباني، فكانوا يقيمون الصلاة في منازلهم، ويغتسلون ويمارسون شعائرهم بصورة سرية.
إلا أن هؤلاء المسلمين تأثروا كثيرًا بحملات التطهير العرقي ضدهم في العالم الجديد، ومنه بوليفيا بطبيعة الحال، وسيطرة الكنيسة ومحاكم التفتيش على تلك المجتمعات الجديدة، الأمر الذي أثر سلبًا على أعداد المسلمين في تلك البلاد، بل وأجبر بعض هؤلاء المسلمين على التنصر؛ اتقاءً للقهر أو القتل.
ثم تتابعت الأحداث بشكل يشبه تتابعها في معظم دول أمريكا الجنوبية وذلك باندثار الأجيال المسلمة الأولى وضمور مؤسسات الدعوة ومن ثم تغريب الأجيال المسلمة حتى أصبح الوجود الإسلامي مجرد شكل بلا مضمون جوهري .
الهجرة الثانية تعيد وجود الإسلام في “بوليفيا”
عندما بدأت هجرة المسلمين الثانية في الربع الثاني من القرن العشرين، وكان أقدم مهاجر مسلم هو “إسماعيل عقيلي” من أصل فلسطيني، هاجر إليها في سنة 1339هـ – 1920م –ثم زادت الهجرة الإسلامية إليها حتى وصل عدد المسلمين إلى حوالي 700 مسلم، تبعتهم عائلة عمرو المتمثلة في محمود عمرو، وعندما بدأ محمود يتحدث اللغة الإسبانية بدأ يناقش غير المسلمين ويدعوهم إلى الإسلام، وعندما تعرف إلى بعض المسلمين خاصة القادمين من آسيا، بدأ يجمعهم في العيدين، ثم بدأ يدعوهم لصلاة الجمعة والجماعة في بيته لمدة 11 سنة حتى تمكن من تسجيل أول مؤسسة إسلامية بوليفية وهي (المركز الإسلامي البوليفي) كمؤسسة إسلامية ثقافية دينية اجتماعية ورياضية في مدينة سانتاكروز، كان ذلك عام 1989م ووقع رئيس الجمهورية على الشخصية القانونية للمركز عام 1989م .
واقع المسلمين في “بوليفيا”
تشير الإحصائيات إلى أن عدد المسلمين في بوليفيا لا يتجاوز ألف مسلم، ويشكلون ما نسبته (0.01 %) من إجمالي عدد السكان، فيما يؤكد مسلمو بوليفيا أن عددهم الحقيقي أكبر بكثير من الرقم المعلن..!
– المؤسسات الدينية والمساجد:
يوجد بالدولة عدد من المنظمات والمؤسسات الإسلامية، أهمها المركز الإسلامي البوليفي الذي له عدد من الفروع في بعض مدن ومقاطعات “بوليفيا” منها:
– المركز الإسلامي البوليفي في (سانتا كروز).
– المركز الإسلامي البوليفي في (سوكره)، ويرأسه الإمام حسن طوافشة.
– المركز الإسلامي البوليفي في (كوتشابامبا)، ويرأسه الإمام داود أبو جدير.
– الجمعية الإسلامية في (سوكره)، كما أن المركز الإسلامي البوليفي أحد فروع المنظمة الإسلامية في أمريكا اللاتينية.
أهم التحديات التي يواجهها مسلمو “بوليفيا”
“عود على بدء” كلمة تلخص حال المسلمين حاليًا في بوليفيا، حيث هناك تشابه كبير بين بدايات دخول الإسلام إلى بوليفيا واضطهاد الدولة الإسبانية لمسلميها، وبين الوضع الحالي، حيث يعيش المسلمون تحديًا كبيرًا من أجل الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، خاصة مع وجود الكاثوليك الذين تصل نسبتهم إلى 95% من إجمالي عدد السكان البوليفيين، ورغم أنهم في تناقص مستمر، إلا أن نسبة المسيحيين البروتستانت الإنجيليين بدأت تتكاثر وتنمو بسرعة كبيرة داخل الحقل الديني المسيحي البوليفي، وهو ما يقلق الجالية المسلمة، نظرًا لما هو معروف عن البروتساتنت بعدائهم الشديد للإسلام والمسلمين، إضافة إلى علاقاتهم القوية مع اليهود الذي يصل عددهم إلى ما يزيد على (6000)، وهم أقوياء اقتصاديًا ويملكون أكبر محطة إعلامية، وهي: (ATB) القناة الخامسة، كما يمتلكون مجلة أسبوعية (كوساس)، والتي يحرص من خلالها اليهود والبروتستانت على تشويه صورة المسلمين، في محاولة منهم لصرف الشعب البوليفي عن الإسلام وعن التعاطف مع قضايا العرب والمسلمين.
– إضافة إلى عدم تمسك المسلمين أنفسهم بدينهم كما ينبغي، حيث يقلدون سكان البلاد التي يعيشون فيها بسبب المدارس المشتركة والحياة التي يعيشونها، فضلاً عن حالات الزواج المختلط بين الرجال والنساء المسلمات بغيرهم من ذوي الديانات الأخرى، الأمر الذي بات يشكل خطورة كبيرة على الهوية الثقافية والدينية للمسلمين في تلك الدولة.
– ويضاعف من مشاكل المسلمين في بوليفيا عدم وجود كتب إسلامية مترجمة من العربية والإنجليزية إلى الإسبانية، بالإضافة إلى عدم وجود دعاة يجيدون اللغة الإسبانية للتواصل مع مسلمي بوليفيا، وكلها عوامل تنعكس سلبًا في النهاية على هوية المسلمين، وتضعف تواصلهم مع محيطهم العربي والإسلامي، الأمر الذي ينعكس في النهاية على تمسك هؤلاء المسلمين بعقيدتهم، إضافة إلى ضعف إقبال المواطنين البوليفيين على الإسلام، وهو ما قد يفسر لنا قلة أعداد المسلمين البوليفيين، والذين لا يتجاوز عددهم 1000 مسلم.
أهم المقترحات لدعم المسلمين في “بوليفيا”
– في ظل تلك التحديات التي تهدد الهوية الثقافية لمسلمي “بوليفيا”، سيكون الاتحاد والترابط هو الخيار الأول والأهم لتكوين جبهة موحدة، قادرة على مواجهة اللوبي اليهودي المسيحي.
– كما أنه يجب على المسلمين في بوليفيا الاستفادة من نفوذ بعض الشخصيات البوليفية، وتعزيز العلاقات معها، إضافة إلى تعميق الصلة مع الصحف المحلية، ومديري التحرير؛ لتكوين جبهة رأي عام داخل وسائل الإعلام التي تتولى الدفاع عن قضايا المسلمين وقتما تقتضي الحاجة.
– محاولة الانخراط الإيجابي في الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية والعمالية والهيئات الحقوقية، وخاصة المتعاطفة مع قضايا العرب والمسلمين، بالإضافة إلى إنشاء جمعيات ومراكز إسلامية ومساجد ومصليات ونوادٍ رياضية وترفيهية، ومدارس عربية وإسلامية لتعليم أبناء الأقلية.
– وتحقيق ما سبق يقتضي التعاون والتكامل بين كافة الدول الإسلامية؛ لمساندة مسلمي بوليفيا، وتقديم الدعم المالي الكافي لإنشاء المراكز الإسلامية والمساجد، وإرسال الدعاة والمدرسين إلى بوليفيا دعمًا لاستمرارية وجود الأقلية المسلمة بدول أمريكا اللاتينية.
مفكرة الإسلام