مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

النخبة الإصلاحية الجزائرية والوعي الوطني )1830- 1954) -أبو فيصل

نظمت شُعبة التاريخ بجامعة حمه لخضر بالوادي يوما دراسيا حول ” النخبة الإصلاحية الجزائرية وإسهاماتها في يقظة الوعي الجمعي الوطني 1830- 1954″، وذلك يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2016 بالمدرج أ. وكان الدكتور مولود عويمر الأستاذ بجامعة الجزائر 2، والمتخصص في تاريخ الفكر الإصلاحي المعاصر ضيف الشرف في هذا اللقاء العلمي.
لقد أقبل الطلاب والأساتذة بشكل كبير على قاعة المحاضرات لحضور فعاليات هذا النشاط العلمي. وهذا المشهد قلما نشاهده في المناسبات العلمية المختلفة. إن هذه الظاهرة الحسنة تحتاج إلى كل رعاية للحفاظ عليها، وتستحق كل تشجيع للمداومة عليها لكي نرتقي بالعمل الفكري والجهد العلمي إلى مستوى تحديات العصر.
انطلقت الجلسات العلمية بعد الانتهاء من مراسيم الافتتاح التي أشرف عليها رئيس قسم العلوم الإنسانية الدكتور محمد رشدي جرابة. وترأس الجلسة الأولى الدكتور علي غنابزية. قدم الأستاذ جمال زواري المحاضرة الأولى، وبيّن خلالها دور العلماء الرواد في تأسيس المشروع الإصلاحي الجماعي في الجزائر بين 1925و1931، والذي توّج بتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 5 ماي 1931.
وحدّد الدكتور موسى بن موسى مواضع التأثير لزيارتي الإمام محمد عبده (1903) والشيخ محمد الخضر حسين (1904) للجزائر على مسار الحركة الإصلاحية الجزائرية، بينما تكلم الأستاذ محمد حناي عن مطالب كتلة المحافظين في فترة (1881-1931)، والتي تراوحت بين الإصلاحات الدينية والاجتماعية في البلاد.
وتحدث الأستاذ محمد شرعي بن معيزة عن دور الإعلام الإصلاحي في يقظة المجتمع الجزائري ومسيرته نحو النهوض والتحرر. وفي السياق نفسه، واصل الأستاذ نور الدين ممي الحديث عن أهمية الصحافة في نشر الوعي الوطني من خلال عرض نماذج صحفية أخرى. أما الدكتور السعيد شلالقة فقد ركز في مداخلته على المكانة المحورية للهوية في برنامج الحركة الإصلاحية.
ترأس الجلسة الثانية الدكتور محمد سعيد عقيب، وقد استهلها الدكتور مولود عويمر الذي اختار لمحاضرته موضوع النخبة الإصلاحية وقضايا العصر، موضحا انخراط المصلحين الجزائريين في المشروع التنويري الذي ظهر منذ الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وبيّن جهودهم في سبيل تحقيق النهضة المنشودة في العالم الإسلامي.
وركز الدكتور علي غنابزية في مداخلته عن اهتمامات الحركة الإصلاحية على تعليم المرأة لمواجهة مخاطر الجهل والغزو الثقافي الفرنسي خلال فترة (1900-1956). أما الدكتور محمد ثامر عبد الرؤوف فقد عالج في محاضرته جانبا آخر من اهتمامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهو يتمثل في تربية الطفل الجزائري وتعليمه من أجل صناعة أبطال الغد.
لقد عاد كل من الأستاذ حسين الأسود والأستاذ بشير مقدود والأستاذ الهادي هارون مرة أخرى إلى مسألة تعليم المرأة ليؤكدوا أيضا حرص النخبة الإصلاحية الجزائرية على الاعتراف بهذا الحق الأساسي من حقوق المرأة، باعتبار تنويرها هو تحصين للمجتمع من كل مخاطر الاستلاب، وكذلك وسيلة لبناء الشخصية الوطنية المقاومة لكل أشكال الاحتلال.
أما الجلسة الأخيرة فقد ترأسها الدكتور رضوان شافو، وكان فيها للتاريخ المحلي نصيب وافر، إذ تحدث المحاضرون عن شخصيات سوفية معروفة وأخرى مغمورة. تكلم الدكتور عاشوري قمعون عن دور حمزة بوكوشة في توعية المهاجرين الجزائريين بمنطقة ليون بشرق فرنسا في عام 1938 في إطار نشاطات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي امتدت إلى المهجر. وتحدث الأستاذ رضا ميموني عن الشيخ محمد الطاهر التليلي ومواقفه الإصلاحية 1935-1954. وتطرق الأستاذ رزوق الطيب إلى النزعة الإصلاحية عند محمد الأمين العمودي من خلال جريدته “الدفاع”.
لقد اختار الأستاذ محمد الحاكم بن عون شخصية مغمورة كمجال لمداخلته، وهي الشيخ محمد الطاهر بن دومة الذي شارك في الحياة الإصلاحية في منطقة وادي ريغ. كذلك كشف الأستاذ محمد العيد قدع صفحات مجهولة في سجل الإصلاح بمنطقة وادي سوف، من خلال عرض جوانب من حياة الشيخ الحسين حمادي وتسليط الضوء على دوره في مجال التعليم. وأخيرا تحدث الأستاذ عمر لمقدم عن مسار الشاعر الشهيد الربيع بوشامة (وهو من بني يعلى)، وأشار إلى إسهاماته الإصلاحية عبر التراب الجزائري وفي فرنسا.
تلك هي خلاصة ما قدم في هذا اليوم الدراسي من محاضرات، وكانت مختصرة ومركزة حققت جزء كبيرا من الأهداف الواضحة التي سطرتها اللجنة العلمية. ولا شك أن موضوع النخبة الإصلاحية ورسالتها التنويرية والتحريرية خلال الفترة 1830- 1954 يحتاج إلى لقاءات متعددة لعرض رصيدها التاريخي، ودراسة تجاربها وتقييم ثمراتها سواء في انتصاراتها أو انتكاساتها، والاستفادة من حصادها المثمر في واقعنا الراهن وفي المستقبل.
هكذا، فإن أشغال هذا اليوم الدراسي اختتمت بعد قراءة الأستاذ عبد القادر عزام عوادي للتوصيات التي اقترحتها اللجنة المخصصة لهذا الغرض، وكانت من أهمها التوصيات التالية: ترسيم هذا اليوم الدراسي ليصبح ملتقى دوليا تحتضنه الجامعة في كل عام، تشجيع الطلبة والباحثين على دراسة تراث الحركة الإصلاحية الجزائرية، نشر أعمال اليوم الدراسي وتوزيعها على المؤسسات الجامعية والتربوية والثقافية لتعميم الفائدة…الخ.
وفي الفترة المسائية خصّ الدكتور مولود عويمر طلبة الدكتوراه والماستر (تخصص التاريخ) بجلسة علمية لمناقشة قضايا تاريخية ومسائل منهجية. وقد دامت هذه الجلسة أكثر من ساعتين، طرح خلالها الطلبة مجموعة من الأسئلة القيّمة، وأجاب عنها الأستاذ المحاضر بدقة وعمق، متمنيا في الأخير السداد في القول والنجاح في العمل لجميع الحاضرين.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الدكتور عويمر قام –في طريق عودته إلى الجزائر العاصمة- بزيارة قبر أستاذه المؤرخ الكبير الدكتور أبي القاسم سعد الله بمقبرة قمار رفقة الدكتور عمار غرايسة والأستاذ عوادي، وقرؤوا سورة الفاتحة على روحه الطاهرة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى