مخاطر العولمة- للأستاذة :آمنة خنفري
العولمة الشاملة كما يعرّفها رونالد روبرتسون هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم ، وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش. أمّا مالكوم واترز فيعرّف العولمة بأنها كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو بغير قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد.
أما العولمة كما يعرفها الدكتور إسماعيل صبري عبد الله هي : ” التدخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة ، أو الانتماء إلى وطن محدد ، أو دولة معينة ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية. ” ويعلق الدكتور محمد الجابري على ذلك بأن العولمة ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي ، بل هي أيضاً وبالدرجة الأولى أيدلوجياً تعكس إرادة الهيمنة على العالم”.
ويصنف د. السيد ياسين تعريفات العولمة إلى أربعة أصناف ويميل إلى أنها خليط من ذلك كله.
1 -اعتبار العولمة مرحلة تاريخية.
2- اعتبار العولمة مجموعة ظواهر اقتصادية.
3 -اعتبار العولمة هيمنة القيم الأمريكية.
4 -اعتبار العولمة ثورة تقنية اجتماعية.
استنادا إلى (اعتبار العولمة هيمنة القيم الأمريكية)،.كما جاء في تصنيف د.السيد ياسين، فهي العولمة الثقافية و التي هي أخطر أنواع العولمة بإلغائها للخصوصية الثقافية لأي شعب فهي تدخل مباشرة في صياغة الفكر والسلوك الإنساني بوسائل متعددة ، دقيقة وسريعة (القنوات الفضائية والإلكترونيات والحواسيب والانترنيت وغيرها)
لتحقيق هذه الهيمنة حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على السيطرة على المؤسسات الدولية ذات الاختصاص مثل: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وحاولت التوغّل في منظمات إقليمية أخرى ذات طابع تربوي وثقافي مثل: المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة،… وقد سعت كذلك إلى توجيه نشاطات هيئات دولية أخرى ذات طابع اقتصادي: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي… من أجل جعلها أدوات سيطرة، وذلك من خلال توجيه جهودها الخاصة إلى خدمة نمطٍ معيَّن من التمشّي المعرفي والثقافي والتربوي والتعليمي لبلدان أخرى في العالم.
1. وخطورة الهيمنة تتجلى من خلال المعطيات التالية للوسائل الإعلامية :
• 88% من معطيات الإنترنت باللغة الإنجليزية .
• 9% بالألمانية.
• 2% بالفرنسية .
• 1% لبقية لغات العالم ولكم أن نتصور نصيب اللغة العربية من هذا
الجزء الــ 1%.
2. إننا أمام عدد كبير من وكالات الأنباء العالمية الخاضعة لسياسات معينة تصوغ الأنباء و الأخبار تبعا لهويتها الثقافية و الايديولوجية متبعة في ذلك نظام الأوليات للاهتمامات ، فكم من حدث لا تأبه إليه فرض عليك ليل نهار في نشرات الأخبار والتعليقات والمقالات والمداولات وكم من خبر مهم يتعلق بأمتك لا يتطرقون إليه .
3. إننا أمام عدد هائل من أجهزة التلفاز و ما يبثه من معلومات موجهة ( أخبار منها الصحيحة ومنها الكاذبة) .
العولمة الثقافية تهدف إلى وضع شعوب العالم في قوالب فكرية موحدة تنبع أساساً من الفكر الثقافي الأمريكي، وتسهم في ذلك الأقمار الصناعية والانترنيت والصحافة والسينما والتلفزيون و المؤسسات الدولية و غيرها، وهي محاولة لسلخ الشعوب عن ثقافتها وموروثها الحضاري.
تواجه الأمة العربية والإسلامية تحديات دولية و إقليمية ومحلية تبعا للتغيرات التي تعرفها الساحة العالمية . لذا و الحالة هذه (إما ان تكون أولا تكون) فالركب الحضاري يستوجب شروط و قواعد وآليات لديمومته وحركيته و بقاءه في الريادة . ووطننا ليس بمَنأى عن هذا التغيير المفروض عليه قسرا .لذا عليه أن يواجه المستجدات بسلاح الإيمان والعلم و الحكمة و العمل الجاد و السرعة . و عليه أن يلتزم بالبحث المتواصل و النقد البناء و التحليل المستفيض والتقويم الدقيق والتقييم السليم التي هي وسائل علمية لتصحيح المفاهيم و الأفكار و تعديلها لصالح الأمة . وعليه أن يستغل الوسائل التكنولوجية والاعلامية لخدمة الثقافة الوطنية التي تتعرض للتهميش و التشويش و الاقصاء و الإفتراس و الحرب .
التربية بشكل عام تواجه تحديات كثيرة يجب مواجهتها سواء على المستوى العالمي أم المستوى العربي.
تعاني التربية العربية من اضطرابات الفلسفة التربوية نتيجة لعدم تحديد الفلسفة الاجتماعية تحديداً واضحاً مما أدى الى إضطراب في السياسة التربوية و اضطراب في والاستراتيجيات و التخطيط ، مما أدى الى عدم تحقيق الهدف الأساسي من التخطيط التربوي في ترجمة الخطط التربوية إلى مشروعات وبرامج خاصة.
انطلاقا من هذا القصور الذي تعانيه التربية و الإضطراب الناجم عن عدم تحديد الفلسفة الاجتماعية، و ان وجدت فهي دخيلة عن جسم الأمة مما يؤدي الى مرضها و انهيارها و ضعفها .فهذا الضعف و التردي يغري الفكر الأحادي للعولمة المهيمن اليوم والذي يستند الى منطق السوق باعتباره الأيديولوجية المتحكمة لينفذ بقوة لوضع خريطة عمل تحقق الهيمنة الشاملة.
“لذا فالعولمة منهاج تربوي اميركي الشكل والمضمون وفي ظل العولمة تعدد المصادر والادوات المعرفية وعلى المتعلم ان يهيئ عقله لتقبل هذه المعارف وتتألف المعرفة واساليبها في المستقبل من الابعاد التالية:
1- تكوين الانسان الكلي وهو ما تؤدي اليه العملية التعليمية من اظهار وايضاح قدرات واستعدادات المتعلم الجسمية والنفسية والاجتماعية والعقلية.
2- الشمولية في المعرفة: ويقصد بها معرفة المضامين والمفاهيم للمعارف الانسانية التي تتألف من التربية الروحية والاخلاقية واللغات والتربية الاجتماعية والتربية التقنية، ويتطلب الشمول المعرفي التركيز على قيمة كل نظام معرفي ومناهجه العلمية التي يتم وضعها من مقررات التعليم وضده المفاهيم والمناهج العلمية والمنطقية التي تتضمنها تلك المقررات هي التي تكون العقلية المعرفية والنضوج العلمي لمعالجة مسائل الكون والحياة.
3- تنمية التفكير والقدرات العقلية: ان المعرفة في ضوء العولمة والمعلوماتية تهدف الى نمو التفكير العلمي في كل اتجاهاته ومناهجه واثاره والتنمية هي مفتاح التعامل العلمي مع الحياة وذلك لما تزخر به الحضارة من منجزات علمية وتكنولوجية.
4- توظيف الاساليب ومصادر المعرفة: فالعملية التربوية لا تهدف في ظل العولمة الى حفظ المعلومات وتذكرها فقط ولكن العملية التعليمية تدور حول مهارات المعرفة العلمية في طرائق التدريس وايصال المعلومة وانفعاله بها وفهمه وتساؤلاته ويستطيع ان ينظم ويفسر ويوظف المعلومات العقلية كالتصنيف والتبويب والتأمل والنقد واكتساب روح المغامرة واحتمال التجربة والخطأ وحل المشكلات ويعتمد التوظيف الفعال لاتقانه في التعلم والتعليم عبر شبكات الانترنت على تأسيس صورة ذهنية علمية لمصادر المعرفة في محيط المدرسة والجامعة ودوائر البحوث العلمية.”
مقال (أثر العولمة في المجال التعليمي والتربوي/ فلاح القريشي)
العولمة تسعى الى صياغة ثقافة عالمية واحدة هي (ثقافة السوق) و التي تقودنا الى عولمة ليبرالية تستند إلى ثلاث قواعد :
– سلطة السوق.
– سلطة المؤسسة الانتاجية.
– سلطة رأس المال.
مع القاسم المشترك لهذه السلطات هو الربح وكمية المال المتحكم فيها وهذا التحكم يعتمد على القوة مع القانون.
مخاطر العولمة تتجلى من خلال ايديولوجيتها الليبيرالية التي تهمل الأبعاد الاجتماعية و الثقافية و تقضي على الخصوصية الثقافية لشعب من الشعوب .
وإزاء تحدى العولمة الثقافية لابد للتربية من خلال مؤسساتها المختلفة من القيام بمسئولياتها ببعض الواجبات الأساسية ومنها :
1. تدعيم الهوية الثقافية والوطنية دون إغلاق الأبواب أمام الثقافات الأخرى .
2. *السعى لاستخدام اللغة العربية السليمة والبسيطة فى وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرى وخاصة مع البرامج التى تتعامل مع الطفل والابتعاد ما أمكن عن اللهجات المحلية .
3. *إيجاد توازن بين رسائل المؤسسات التى تعنى بالجوانب الثقافية والتعليمية ورسائلها التى تعني بالترفيه والتسلية على ألا يتعارض المضمون الترفيهي مع القيم التى تستهدفها التنمية.
4. *دعم القيم الدينية والروحية انطلاقاً من دور الدين فى تاريخ العرب وتراثهم وحياتهم المعاصرة والتأكيد على نسق قيمي يستند إلى القيم العربية والإسلامية.
5. *إنشاء هيئة تربوية إعلامية تضم الكفاءات والمخلصين من التربويين والإعلاميين تساهم فى التخطيط لوضع برامج تربوية وتثقيفية بعيدة المدى تستهدف مواجهة أخطار العولمة الثقافية .
6. *تحليل ونقد الرسائل الإعلامية التى تبثها وسائل الإعلام وما تحمله من قيم قد لا تتفق والقيم الدينية والروحية العربية والإسلامية أو تتعارض مع سياسات التنمية والجهود الساعية لحماية الخصوصية الثقافية.
*الحفاظ على التراث الثقافى وإثرائه بالربط بين الموروث الثقافى والإبداعات المعاصرة