ترامب “إمام عادل”، أو “شيطان رجيم” ماذا بعد؟ محمد باباعمي
لنفترض جدلا أنَّ رئيس الولايات المتحدة الجديد “دونالد ترامب” كان “إماما عادلا”، محبًّا للخير وأهله، مبغضا للشر وأهله؛ ملتزما بالقيم الإنسانية، متلبسا بالأخلاق الحسنة، عطوفا بالضعفاء، شديدا على الظالمين… وأنَّ جميع الصفات التي يتصورها العقل، والتي يمكن أن يتحلَّى بها حاكم من الحكام عبر التاريخ كانت ماثلة فيه…
… لنفترض ذلك، ولنسلِّم به جدَلا؛ فماذا يمكن أن يتغير في واقعنا “نحن”؟، وفي عالمنا “نحن”؟، وفي بلادنا “نحن”؟
لا شيء على الإطلاق، ذلك أنَّ المؤثرات الخارجية، والأسباب غير الذاتية، وكل ما لا يأتي من “النفس”، ومن “ذات البين”، ومن “الضمير” مفرَدا وجمعًا… كلُّ ذلك ما هو إلاَّ مساعدٌ وكفى، وليس سببا مباشرا في الظاهرة الإنسانية؛ فالحاكم الجائر “فينا ومنا” سيبقى على جوره، والمواطن الذليل سيبيت على ذله، والمفسد لن يترك فساده لمجرَّد أن علا “ترامب” عرش الرئاسة في أمريكا، ومحترف الرشوة لن يطلِّق عادته ولو كان على رأس كلِّ بلد غربي “ألف ترامب”…
فهل صعود “ترامب” يحوِّل شيئا “في وفيك، وفينا جميعا”؛ إلاَّ ما كان من “كلام فجٍّ” له أول ولا آخر له، ومن “تحليل بارد” لا يقدم ولا يؤخر، ومن “مسٍّ عقلي” (بارانويا) يصل إلى حدِّ الجنون؛ ثم لا شيء يتغير بعد ذلك فوق الأرض، ولا شيء يتحسن تحت السماء؛ ما دامت النفوس على حالها من “السفَه”، ومن “الصبيانية”، ومن “عقدة سردال” التي تحمل صاحبها على حبِّ جلاَّده، ومن عدم التفريق بين “ما هو كائن” و”ما ينبغي أن يكون”…
ثم لنفترض جدلا أنَّ “ترامب” هو أكبر وأخطر وأعظم “فرعونٍ” في التاريخ؛ جميعُ صفات الشرِّ لها في نفسه جذور، وكلُّ مواصفات الحقد والضغينة لها في قلبه بذور؛ وأنه عازم على اجتثاث المسلمين (والأقليات الأخرى بالتبع) من أصلهم، وأنه ناوٍ أن يلقي بهم عرض البحر، وأن يلحق الأذى بفلسطين كما لم يفعل من سبقه…
لنفترض كلَّ ذلك، وأكثر من ذلك؛ فهل يتغير شيء “فينا”، وهل يتحول أمر من أمورنا، وهل نكون أحسن أم أسوء؟ أقوى أم أضعف؟ أكثر حضورا أم أشد خفوتا؟
لا شيء من ذلك سيكون، نعَم ستشهد بلادنا بعض الحروب، وستشتد الوطأة على بعض البلاد في جغرافيتنا؛ ولكن ستكون اليد لذلك الظلم منا “نحن”، وسيكون المال للفتنة منا “نحن”، وسيصفق الجمهور للمسرحية من جهتنا “نحن”… وستزيد وطأةُ بعضنا على بعضنا، وسنزيد لنار الفُرقة بيننا ضِراما، وسنحرق بأيدينا كلَّ عشٍّ في شجرنا، وكلَّ مهد في حينا، وكلَّ سبحة في مسجدنا…
لن يغير “ترامب” المعادلة، وقد يكون له أثر عليها؛ وإنما الحق “فينَا ومنَّا”، والصواب من “ذاتنا وفي ذاتنا”، والخير من “معدنا ومحتدنا”… فإن لم يكن فلا كان، وإن لم ينبت في سفوح قلوبنا فستغدو الغابة حطبا ورمادا، ولو بعد حين…
ليكن صعود “ترامب” أو “نزوله” مناسبة لمراجعة “ما بأنفسنا” حتى “نغير ما بها”؛ وليكن سببا للنظر في حقيقة أمرنا، وفي نوع معدِننا، وفي جمال سلوكنا أو حماقاتنا، وفي العلاقات فيما بيننا: في البيت، والحي، والمدرسة، والسوق، والبرلمان… وكلِّ المفاصل الحيوية للحياة…
ولنتعلم أن نقول للظالم إذا رشُدنا “نحن”: “اقض ما أنت قاض”…
وإنما الذي يقضي هو الواحد الأحد إذا أطعناه، وهو الفرد الصمد إذا استجبنا له، هو مالك الملك، ومالك كل شيء إذا كنا “نحن” عادلين في أقوالنا وأفعالنا، في عطائنا وحرماننا، في حكمنا وقضائنا…
لا يعنيني ما جاء به “ترامب”، ولا ما ذهب به؛ فإني والحمد لله على قدر من اليقين أن أعتقد أنَّ “الفعال لما يريد” هو الله وحده، وأنَّ “مالك الملك” هو الله وحده، وأنَّه هو وحده “يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء”، وهو وحده سبحانه “يعز من يشاء ويذل من يشاء…
هي إذن نقطة انعطاف، من سراب “ترامب” ومن على شاكلته إلى حقيقة العزيز الجبار، تعالى علوا كبيرا؛ فهلا اهتبلناها فرصة قد لا تعود؟.