التدين المغشوش اعتداء على الدين باسم الدين
في المنتدى الذي نظمته جريدة الحوار الجزائرية يوم السبت الماضي، الذي خصصته لمشكلة الفرق والطوائف وأثرها على المجتمعات، شارك الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مع نخبة من المثقفين والأئمة وممثلي القطاع الديني الرسمي، ألقى الدكتور الدكتور قسوم كلمة شرح فيها الأسباب والانحرافات وما ترتب عنها من خلاخل واهتزازات في المجتمع، منها أن غياب هيئات إسلامية عالمية أوقعنا في فخ الفرق والطوائف وتشتيت العقيدة، فلو كانت مثل هذه المراكز لكان من السهل خفض حدة الصراع بين السنة والشيعة ولاندثرت باقي الفرق الأخرى، ولاستطعنا حل جميع المشاكل التي عجز عنها الساسة والعسكريون، معتبرا أن ما يحدث اليوم من صراعات دينية وتسلل لأفكار خطيرة نتيجة الفراغ الذي عشناه ولا نزال، نحن مطالبون اليوم، وأكثر من أي وقت مضى بتحصين أنفسنا، والجميع يتحمل مسؤولية ما يبث من أفكار من البيت إلى المدرسة وإلى المسجد الذي بات يعتمد على خطب قديمة لا تلبي رغبة الشباب، ولو أن كل مؤسسة اضطلعت بمهتمها على أكمل صورة لغابت هذه الفرق النشاز.
ولخّص الدكتور عبد الرزاق قسوم أسباب ظهور الفرق والطوائف وانتشارها في الجزائر في غياب الوعي الثقافي الديني، مؤكدا أن المجتمع الجزائري يعاني تأزما في العقيدة، وهذا التأزم أخذ أشكالا وألوانا مختلفة تعززه الهشاشة الثقافية، التي مكنت لهذه الفرق من التسلل داخل عقول شبابنا، كما اعتبر أن مجتمعنا يعاني من أزمة تديّن، والكثير من الشباب عن جهل يقع في فخ التدين المغشوش أو المنقوص، الذي هو عدوان على الدين باسم الدين، إضافة إلى أن التقليد الأعمى للآخر، وخاصة الغرب، جرف شبابنا نحو تيارات تلبي رغباته وتستجيب لمطالبه، ثم إن الوعي الثقافي هو صمام الأمان في هذه الفترة، خاصة وأن التيارات تلعب على العامل الاقتصادي والاجتماعي للشباب، ونحن نعيش الآن تناقضات سياسية مختلفة في الأمة الإسلامية، جاءت من عدم التمكين للمواطن المثقف الواعي من قول كلمته، فالخواء الثقافي ينجر عنه خواء ديني قد يعصف بعقيدة أي مجتمع مهما كانت قوته.
انتقد الدكتور عبد الرزاق قسوم غياب وزراة التربية الوطنية وتهربها من القيام بدورها المتمثل في الحفاظ على الثوابت الدينية، وكذا تنصلها من مهامها، وأعطى أمثلة عديدة تدل على ذلك، آخرها تغيير تسمية كتاب التربية الإسلامية بالتربية الدينية، مع أن التسمية الأولى كانت اشمل، واعتبر الدكتور قسوم أن الفراغ الذي تركته المؤسسات التربوية والجامعية وبعض مراكز التكوين ساهم في انتشار الفرق والطوائف التي باتت تعبث بعقيدة الجزائري، متسائلا عن الجدوى من تغييب دور هذه المؤسسات التي كانت إلى وقت قريب سدا منيعا في وجه تغريب المجتمع الجزائري والعبث بهويته، مطالبا بتمكين هذه الهيئات ذات الطابع العلمي الثقافي من لعب دورها في تحصين المجتمع الجزائري حتى لا نقع في فخ الجهل والخرافات والشعوذة، والأخطر من ذلك فخ الفرق والطوائف الدينية التي تهدد عقيدتنا وانتماءنا للسنة وللمذهب المالكي خاصة على مستوى الفروع الفقهية.
وفي رده على سؤال محاربة التشيع الموهوم وكونه خدمة للتيار السلفي، قال الدكتور عبد الرزاق قسوم إن التشيع والسلفية –الغلاة- يخدمان بعضهما البعض، وإن بضدها تتميز الأشياء، فالسلفية عندما يبالغون يدفعون الناس إلى التشيع، والعكس صحيح، مؤكدا أن الحكمة والحل في الوسطية المعتدلة التي ينادي بها الإسلام.
واعتبر الأستاذ قسوم ان تبنى المنهج المدخلي الذي يدعو إلى مناهضة شباب السنة تهديد للوحدة الوطنية، مطالبا الدولة الجزائرية بحماية المرجعية الدينية دون إقصاء ما دمنا نحن مالكية وسنة لماذا لا نحافظ على مالكيتنا؟
شارك في هذه الندوة من القطاع الديني الرسمي، الدكتور بوزيد بومدين، مدير الثقافة بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وبزاز خميسي المفتش العام لوزارة الشؤون الدينية والوقاف، ونقابة الأئمة الشيخ جلول حجيمي، إضافة إلى الشيخ جمال غوا رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة، والشيخ علي عية إمام المسجد الكبير، اما من الأكاديميين الأستاذين يوسف حنطابلي، محمد بغداد.
اتفق المشاركون في هذا منتدى الذي ناقش موضوع “ظهور الفرق والطوائف في الجزائر وخطره على الوحدة الوطنية”، من جوانب كثيرة، على ضرورة التحرك العاجل لمجابهة الانتشار غير المعلن للكثير من التوجهات الدينية السلبية، والتحرك المريب لطوائف وفرق دينية تدعو لتقسيم المجتمع، وتكفير الآخر، والتي باتت مصدر قلق للجزائريين، خاصة مع ظهور “الأحمدية” و”الشيعة” وغيرهما، وانتشار خبر القبض على أفراد منهما.
وأرجع المتدخلون أسباب ذلك إلى نقص الوعي الثقافي والديني لدى الشباب الجزائري، مطالبين بعودة البيت والمدرسة والمسجد للقيام بأدوارها المنوطة بها، كما إدانة ابتعاد هذه المؤسسات عن القيام بدورها الكامل في تأهيل الشباب الذي أصبح عرضة لتيارات وفرق دينية، احتوته واستعملته في الترويج لمعتقداتها وانتشارها.
لا سيما وان الوضع السياسي والثقافي العام واهتزاز الوضع الإقتضادي، إضافة إلى الفراغ الروحي الذي يعاني منه المجتمع، كل ذلك يساعد الشباب على احتضان جميع الفرق الوافدة لا سيما التي تحمل الوعود الخادعة، والإغراءات المادية التي تضرب على الوتر الحساس في حياة الشباب الذي يعاني البطالة والحاجة إلى المخلص من المآسي التي يعاني منها.