حسّوني مهنية ومريم عجرود وهنية بوستة وأخريات: خنساوات أوراسيات ضحّين بأزواجهن وخيرة أبنائهن لتحرير الجزائر
ربّين أبناءهن على الجهاد واستقبلن استشهادهم بالزغاريد
دوّن سجل الثورة التحريرية بمنطقة الأوراس، بطلات يمكن وصفهن بالخنساوات اللاتي ضحين بالنفس والنفيس لإنجاح الثورة، على غرار ابنة خنشلة مريم عجرود، التي ضحت بأربعة من خيرة أبنائها في سبيل الوطن، أما البطلة حسوني مهنية فقد استشهد زوجها و5 من أبنائها، أحدهم أثناء الحرب العالمية الثانية والآخرون خلال الثورة التحريرية.
يشهد الكثير في منطقة غسيرة بباتنة، بالبطولة لمنصورة زروال، وهي أرملة شهيد وأم لـ3 شهداء، حيث أعطت مثالا في الصبر ونكران الذات، بعدما دفعت أبناءها وزوجها لنيل الشهادة إلى أن لحقت بالرفيق الأعلى. كما أن الخنساء هنية بوستة لها 4 شهداء (3 أبناء وبنت واحدة)، فضلا عن ابنتها أم هاني بوستة (الشهيدة الحية) التي نجت بأعجوبة بعد أن ذبحت رفقة زوجها من طرف عساكر الاستدمار الفرنسي، والكلام ينطبق على عديد البطلات اللاتي فضلن التضحية في صمت لإنجاح الثورة وتحرير الجزائر.
حسّوني مهنية.. زوجها و5 أبناء فداء للجزائر
تحتفظ ذاكرة الثورة الجزائرية بخنساء أخرى رفضت الانكسار، ومنحت الجزائر أبطالا رزقوا الشهادة، ويتعلق الأمر بالمجاهدة حسوني مهنية (من مواليد 1904 بنواحي بسكرة)، حيث استشهد زوجها حسوني ابراهيم عام 1955 بلقصر أولاد أيوب عن عمر يناهز 54 سنة، قبل أن يلحق 5 من أبنائهما، ويتعلق الأمر بحسوني عمار (من مواليد 1935) بنواحي دروع بشتمة بين باتنة وبسكرة، وفي العام 1960 رزق حسوني ابراهيم الشهادة بجبل أحمر خدو وهو لم يبلغ 19 سنة من العمر، واستشهد البطل حسوني إبراهيم (من مواليد 1931)، حيث استشهد عام 1961 ببوكحيل (نواحي الجلفة)، علما أن هذا الأخير كان قبل الثورة ضمن مجموعة الخارجين عن القانون، ويعد من الرعيل الأول للثورة، وفي نفس العام استشهد حسوني عبد الله (من مواليد 1933) بنواحي لحبال، قرب منطقة مشونش بين باتنة وبسكرة، وكذا حسوني محمد (من مواليد 1942) الذي سقط في ميدان الشرف قبل عام عن نيل الاستقلال، وتذكر بعض الشهادات أن الاستدمار الفرنسي أراد رؤية انكسار المجاهدة حسوني مهنية البطلة الفذة، حين مشاهدة ابنها مقتولا ومنكلا به غير أنها هزمتهم بنكرانها لابنها وانتصرت الأمومة على العدو.
مريم عجرود.. استقبلت استشهاد أبنائها بالزغاريد
تعد المجاهدة مريم عجرود، في نظر سكان منطقة خنشلة، ملهمة لأبناء الجهاد ومستقبلة خبر استشهادهم بالزغاريد، حيث تعد من مواليد العام 1891 بمنطقة طويلة أعمارة ببلدية المحمل ولاية خنشلة، تزوجت من المرحوم لمبارك عجرود (وهو من أبناء عمومتها)، وذلك عام 1906، وأثمر زواجهما 9 أبناء وهم النوي وعبد القادر والحاج والسقني ومحمد وثلجة وعلي وشهلة وأصغرهم صالح، قبل أن يلفظ زوجها أنفاسه الأخيرة عام 1936، وتحملت السيدة مريم عجرود مسؤولية تربية أبنائها السبعة، لتفجع في أكبرهم (النوي) الذي توفي سنة 1942 في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، حين كان يؤدي الخدمة العسكرية مع الجيش الفرنسي، ونظرا لمواسم القحط والجفاف التي مرت بها المنطقة في تلك السنوات، واشتداد الفاقة والحاجة، انتقلت السيدة مريم عجرود إلى ضواحي مدينة هيليوبوليس بقالمة، واستقرت هناك من العام 1944 حتى العام 1951 تاريخ عودتها إلى مسقط رأسها، وكانت السيدة مريم عجرود مؤمنة بوجوب كفاح المستعمر، فشجّعت أبناءها الستة على الالتحاق بالثورة وخدمتها بالغالي والنفيس.
وخلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة توالت عليها أخبار استشهاد أربعة من أبنائها، وهم الشهيد عجرود الحاج (من مواليد العام 1920). من الرعيل الأول الملتحق بالثورة، حيث استشهد عام 1957 في معركة جمري بمنطقة طامزة، ثم الشهيد عجرود السقني (من مواليد العام 1924)، وكان من الملبين الأوائل لنداء الوطن، واستشهد عام 1956 بجبال منطقة حمام دباغ بولاية قالمة، وفي العام 1955 استشهد ابنها عجرود محمد (من مواليد العام 1927) في معركة الجرف الشهيدة، ثم الشهيد عجرود علي (من مواليد العام 1929)، واستشهد على يد القوات الاستعمارية عام 1956 بمنطقة حمام لكنيف.
وحسب ما روي عن السيدة مريم عجرود، فإنها رغم فجائعها لم تذرف الدموع على أبنائها الشهداء الأربعة، وكانت تطلق الزغاريد كلما جاءها خبر استشهاد أحدهم، واحتسبتهم عند الله من الشهداء، لتضرب مثالا خالدا لقوة الصبر والإيمان بقضاء الله وقدره. فكانت بذلك السيدة مريم عجرود (توفيت عام 1966) واحدة من أعظم خنساوات الأوراس والجزائر.
المصدر: جريدة الشروق