هذا المركب العجيب- الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال الاحتلال..
سكان قطاع غزة المحاصر ينظمون احتجاجا أمام قصر الأمم المتحدة بمناسبة مرور تسع وتسعين (99) سنة عن صدور “وعد بلفور” المشؤوم ويطالبون هذه الهيئة التي أسست الدولة المحتلة الغاصبة للأرض وما تحتها وما فوقها حمايتهم وإنهاء احتلال أرضهم.
بالموازاة عقدت الجامعة العربية اجتماعا في مقرها بالقاهرة، قاهرة المعز لبحث مشاكل المياه العربية، طبعا أتيحت الفرصة لممثل السلطة الفلسطينية لطرح قضية المياه التي استولت عليها كلّها الدولة الصهيونية، ثم الأموال سواء تلك الآتية من المانحين أو من الجباية التي تجبيها الإدارة الصهيونية من المواطنين الفلسطينيين حيث تقوم بعملية ابتزاز قذرة ضد السلطة الفلسطينية.
هذا الاحتلال هو الوجه والواجهة لمركب بيولوجي وفيزيولوجي وكيميائي وثقافي وفكري وعقائدي لقوة جبارة بدأت عملها في المنطقة منذ القرون الوسطى وتواصل عملها هذا خلال مراحل متتابعة ومتواصلة من التاريخ إلى أن أتيحت الفرصة ببداية انهيار الخلافة العثمانية، فانقضت انقضاض الصاعقة على أصغر بقعة وأعزها وأغلاها عند كل المسلمين فاحتلتها وبنت فيها عشا لوحش التنين الصهيوني الذي كان ينتظر هذه الفرصة السانحة ليقوم بدوره بما كان يحلم به منذ سقوط غرناطة واكتشاف القارة الجديدة في القرن الخامس عشر.
إنه المركب العجيب للرأسمالية الصليبية الصهيونية التي بدأت باحتلال قارة بأكملها بعد إبادة سكانها إبادة جماعية ثم تقاسمت فيما بينها أجزاء من القارات الأربعة الأخرى، يعني بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا، هذا يعني مجموع الدول والممالك المسيحية الأوروبية التي جيشت للحروب الصليبية ضد المسلمين، وبعد هزيمتها المنكرة في فلسطين أعادت الكرة بعد أن أعدت العدة اللازمة ليكون ما كان.
واضعو الوصفة ومخلطوها وعاجنوها صنعها هم من وضعوا وصفة عكسية للوطن العربي والعالم الإسلامي؛ إذ أنهم قاموا بتحليل المركب العربي الإسلامي إلى عوامله الأولية وفككوه أجزاء مجزأة لتسهيل عملية السيطرة عليه خلال أكثر من قرن ونصف من الزمن.
بقدر ما كانت التركيبة الكيميائية التي صنعوها معقدة باحتوائها على عناصر متناقضة ومتنافرة بدليل الحروب التي وقعت بينها إلاّ أن عنصرًا واحدًا استطاعوا استخراجه من هذه الكيمياء المصنعة هو عنصر الدين لما يحيطه من عناصر أخرى نفسية وفكرية وثقافية كانت الإكسير الذي بعث الحياة في الجسم الجديد المخترع، فالعملية هي وضع وصفة للتركيب لتكون وسيلة لوضع وصفة التفكيك للآخر.
البداية كانت بتحريك فئة من المتحمسين العرب للتحرر من الدولة العثمانية التي كانت في آخر أيامها لتأسيس القومية العربية المناهضة للقومية التركية التي بدورها تحركت لتأسيس حركة “تركيا الفتاة” التي استطاع بسرعة قلب نظام الحكم وتأسيس الجمهورية التركية العلمانية المتنصلة من كل ما يربطها بالعرب من دين ولغة إلى درجة تغيير الحروف العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية.
ضابطان بريطانيان هما “لورانس العرب” و ” واللنبي” استطاعا أن يخترقا جدران القصور وخيام الشعر ويصبحا أصدقاء لبعض الملوك والأمراء، فلعبا بهما بدهاء خارق إلى أن حققا ما كلّفا به من مهمات في المنطقة.
أهم المهمات كانت في تنفيذ مضمون اتفاقية “سايكس بيكو” بشبه الجزيرة العربية على النحو الذي هي فيه الآن، ورسم فلسطين في شكل خنجر بين شرق وغرب الوطن العربي وإحلال شراذم اليهود فيه ظلما وعدوانا شعبا بديلا لشعب فلسطين.
المركب هو نفسه الذي قام ويقوم هذه الأيام بمواصلة عملية التحليل والتفكيك في المنطقة، والمادة الأولية المسهلة له استخلصها من الواقع الجغرافي البشري والحيثيات الثقافية والمذهبية والدينية السائدة فيه، إضافة إلى التخلف الاقتصادي المكرس من قبل هذه القوة المسيطرة على المنطقة.
أخطر ما يخيف في هذا الواقع هو ابتلاع نخب بلدان المنطقة لأفكار وإيديولوجيات تتناقض كل التناقض مع الأسس والمبادئ التي بنيت عليها ثقافتها المنبثقة من آخر الديانات السماوية التي يعلم كل ذي عقل وعلم أنها السبيل الأقوم والطريق الأسلم لنجدة البشرية مما هي فيه وما هو مقبلة عليه من أخطار التفسخ والانحلال الأخلاقي وتهديد الأمن والسلم العالميين بسبب الكيان الهجين الذي زرع في المنطقة خدمة لجشع وأطماع النظام الرأسمالي العالمي.
فلسطين أصبحت لوحدها بين أشقائها عدا بلد واحد هو الجزائر الذي يبعد عنها بحوالي ستة آلاف كيلومتر، ومع ذلك نرى بداية الترويج لمشروبات “بيبسي كولا” في محلاتها تنبئ بخطر ابتلاع أهلها لسموم الصهيونية الصليبية، وإلى أن يستفيق كل ذي نخوة ووعي فيها على الشعب الفلسطيني نفسه أن يبدأ بحملة محاربة البضائع المنتجة في دولة الكيان الصهيوني وعلى رأسها مشروبات “بيبسي كولا” التي يعرف العام والخاص أن الحروف المكونة لاسمها هي الحروف الأولى للترجمة الآتية : منتج مخصص لدعم شعب إسرائيل.