في حوار مطول مع الدكتور عبد العزيز فيلالي رئيس مؤسسة عبد الحميد بن باديس لدينا نحو 40 إصدار عن ابن باديس وجمعية العلماء ونرحب بالتعاون مع كل الهيئات العلمية والثقافية 2/1 حاوره: حسن خليفة
في إطار سلسلة الحوارات الكبرى التي تسعى البصائر لإنجازها مع كثير من الشخصيات الوطنية والإسلامية، كان لنا هذا الحوار المطول مع الأستاذ الدكتور عبد العزيز فيلالي الأكاديمي والباحث والمؤرخ، ورئيس مؤسسة عبد الحميد بن باديس التي ظهرت قبل مدة إلى الوجود، واستطاعت في ظرف وجيز تقديم الكثير من الانجازات العلمية والبحثية التي أماطت اللثام عن حياة ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأعلامها وجهودها وتاريخها الحافل الذي هو جزء أصيل من تاريخ بلادنا الزاخر بالأحداث والوقائع والأمجاد. تناول الحوار الكثير من القضايا ذات الصلة باهتمامات الدكتور فيلالي
• كانت البداية..سألنا الدكتور عبد العزيز فيلالي عن حياته ومساره العلمي والعَملي؟
الأستاذ عبد العزيز فيلالي باحث ومؤلف ومؤرخ جزائري، تابع دراساته في كل من الجزائر وليبيا ومصر وفرنسا، دخل إلى الجامعة أوائل السبعينيات، وتقلد وظائف عديدة،منها ترأسه للجامعة الإسلامية -الأمير عبد القادر- كما عُين عضوا في المجلس الأعلى للقضاء، وكان عضوا أيضا في المجلس العلمي للمركز الوطني للدراسات التاريخية في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، كما كان من قبلُ عضوا في البرلمان الجزائري. شارك في العديد من الملتقيات العلمية الوطنية والعربية والدولية، ونشر العديد من الكتب التاريخية: عن تاريخ المغرب الإسلامي، والأندلس، والجزائر، وكتبا عديدة عن رجل الإصلاح والنهضة العلامة ابن باديس. كما نشر العديد من المقالات العلمية والأبحاث في عدد من المطبوعات والمجلات العلمية الوطنية والعربية.
• آثرنا أن نبدأ الحوار العلمي مع الدكتور فيلالي بمعرفة ما يتصل بالجامعة والبحث العلمي .
وكان جوابه: بالنسبة لحالة البحث العلمي والتعليم العالي وضعيتهما فإنه باديء ذي بدء لا يمكن لأحد أن يُنكر أن الدولة منذ الاستقلال كرست جهودا كبيرة في بناء الهياكل التعليمية في جميع المراحل، ومنها التعليم العالي ،كما كوّنت الأساتذة لمخلتف المراحل أيضا. وبالرغم من البدايات الصعبة لنقص المؤطرين، والاعتماد على المتعاونين من مختلف أنحاء العالم (أوروبا وآسيا وإفريقيا) فقد أشعّ هذا التعليم في مجمله بالعلوم والمعارف على أبناء الوطن المتعطشين، واستطاعوا أن يجتازوا مرحلة النقص وتحقيق الاكتفاء الذاتي (إن صح التعبير هنا). وقد فتحت الجامعة أبوابها للدخول عبر المسابقات فضلا عن شهادة البكالوريا. كانت الشهادات العلمية الجزائرية معترفا بها في كل الجامعات العالمية، كما أن المنح كانت تعطى للعديد ممن يريدون استكمال دراساتهم العليا، في مختلف التخصصات، شرقا وغربا. وكثير من الإطارات الجزائرية صارت تشغل مناصب علمية وبحثية في الخارج، فنافسوا بذلك أبناء تلك البلدان،وهو دليل كاف على أن الإنسان الجزائري يرغب في العلم والمعرفة ويتفوّق فيهما.
• سألنا الدكتور فيلالي هذا جيد..ولكن ماذا عن مستوى هذا التعليم ؟
فأجاب: .. بعد 50 سنة من الاستقلال ومن التعليم يمكن القول إننا تحسسّنا أن التعليم الجامعي انخفض منسوبه النوعي بالنسبة للسنوات السابقة، رُغم زيادة الهياكل وتوفير الإطار الجزائري، حتى أصبح عدد الجامعات يفوق عدد الولايات، كما أن الزيادة كبيرة في عدد المعلمين والأساتذة والطلبة، ويتبعها طبعا الزيادة في الميزانيات المرصودة للتعليم عموما والتعليم العالي والبحث العلمي. ولكن مع ذلك يمكن الإقرار بالانخفاض، وهو يعود في تقديري إلى:
– الاكتظاظ الكبير في المدرجات والقاعات
– النظام الدراسي والبيداغوجي في الجامعة؛ بحيث إن الطالب غير مجبر على حضور الدروس الأكاديمية (المحاضرات)، كما أن الدروس التطبيقية في العلوم الإنسانية لا تؤدّى على الوجه المطلوب والصحيح.
ـ نظام “ال .أم .دي ” في ذاته لا يتوفر على الوسائل البيداغوجية والموضوعاتية التي توفّرها جامعات الغرب مثلا، والتي سنّت هذا النظام،ولكن جعلته يسير في سياق علمي وبيداغوجي مخصوص مشروط بشروط محددة.وهو ما لا يتوفر لدينا.
– أصبحت الجامعة الجزائرية تخرّج عشرات الآلاف من الإطارات، لكنها عاطلة؛ لأن الجامعة بعيدة عن المجال الاقتصادي،والاجتماعي، والثقافي..للمجتمع الجزائري، وهذا إشكال ضخم وأحد التحديات الكبرى أمام الجامعة عندنا.
• ماذا تريد أن تقول بالضبط في هذه النقطة..؟
أريد أن أقول بصراحة:إن الجامعة غير مدمجة وغير مندمجة في محيطها..ويتعين على القائمين عليها العمل الجاد على إدماجها في المحيط الاجتماعي -الاقتصادي – الثقافي، لتصبح قاطرة تقود المجتمع وتعمل على المساهمة بالأبحاث والدراسات والكوادر البشرية المؤهّلة في تنمية المجتمع. إن الملاحظ أن الجامعات صارت أكثر انغلاقا على نفسها، ليس لديها تنسيق فيما بينها وبين أساتذتها وخبرائها، وأيضا مع الجامعات الأجنبية..وبالتالي ثمة بطء في مسايرة العلم والمعرفة والتطور الذي يعرفه العالم. ولا بد من إيجاد حلول لهذه المشكلة وللمشكلات السابقة التي أشرنا إليها.
وإن كنت أتصور أن الحلول ممكنة وفي وقت غير طويل بالنظر إلى: المخابر الموجودة، الميزانية المخصصة للبحث العلمي، الكوادر البشرية المؤهلة بشكل أو بآخر..وربما تكون المشكلة في أسلوب التسيير وهذا أمر يحتاج إلى اهتمام خاص وتكليف الأكفاء بشكل دقيق، ووجود آليات متابعة ومحاسبة وهو أمر تعمل به الجامعات العريقة.
• أستاذ عبد العزيز..بصراحة كيف تنظر إلى البحث العلمي؛ خاصة في مجال العلوم الإنسانية؟
الحق أقول: الظاهر أن الأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية لا تزال تراوح مكانها، بالرغم من كثرة الباحثين والباحثات في الماستر، الماجستير، الدكتوراه .أغلب البحوث لا تنشر، وحتى في مجال اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للوطن، توجد تقريبا في كل جامعة كلية للغة والآداب، ولكن لا نجد مخابر ومراكز لتطوير هذه اللغة العريقة العظيمة وتكييفها مع المستجدات التكنولوجية والالكترونية والمصطلحات التي تساير العصر، ماعدا مخبر كلية الآداب واللغة في جامعة تيزي وزو الذي يُشرف عليه الدكتور صالح بلعيد المُعين حديثا كرئيس للمجلس الأعلى للغة العربية والذي عمل مشكورا مع مجموعة من الباحثين والباحثات على تكييف اللغة العربية مع المستجدات وبحث عن حلول لمشكلات كثيرة لها صلة باللغة العربية والحوسبة ،واللغة العربية والمصطلحات العلمية واللغة العربية والإدارة واللغة العربية وخطاب التداول العالمي. ويجدر بالذكر هنا أن اللغة العربية تمتلك أكثر من 6ملايين لفظة، ويتضاعف عددها إذا أضيفت لها معان ومترادفات، ولكنها لا تزال تراوح مكانها من حيث الاستخدام والتداول والاستعمال، وتكاد تقتصر على الكليات المتخصصة.
• وحتى لا يقتصر مبحث دراسة مشكلة الضعف على الجامعة سألنا الأستاذ فيلالي عن رأيه في المستوى العلمي في باقي الأطوار فأجاب:
فيما يتعلق بالتعليم العام من الابتدائي والثانوي مقاربتي أنه بالرغم من الجهود المبذولة فإنه يعاني من ضعف المستوى الدراسي لأسباب مختلفة منها: الاكتظاظ الذي سبقت الإشارة إليه، والنقص الفادح في المؤطرين المؤهلين، وطرائق التدريس والتعليم غير المتواءمة مع أسلوب الأداء العلمي ذي الجودة ، فضلا عن مشكلات أخرى متعددة .وربما يكون أحد أهم الأسباب -من وجهة نظري – انعدام هيئة علمية بيداغوجية للتربية والتعليم تهتم بالتطوير والتحسين والتجويد، كالمجلس الأعلى للتربية. وعليه فقد تُرك هذا القطاع الحيوي للإدارة العادية -الوزارة – وبالتالي كان القطاع أشبه بحقل للتجارب، كل وزير يأتي على رأس الوزارة يجرب ويطبق ما يراه مناسبا.وللأسف هذا الكلام ينطبق أيضا على التعليم العالي.
• انتقلنا في الحديث مع الدكتور عبد العزيز فيلالي إلى حقل آخر من حقول العمل العلمي والبحثي فسألناه عن المؤسسة التي يرأسها منذ بعض الوقت ونعني مؤسسة عبد الحميد بن باديس فأجابنا قائلا:
نشأت مؤسسة عبد الحميد بن باديس سنة 2000، وهي مؤسسة وطنية لها ما يزيد عن 20 فرعا في ولايات مختلفة من الوطن. وهي مؤسسة ثقافية وفكرية تهتم بفكر الإمام عبد الحميد بن باديس التربوي والإسلامي والوطني.ومنذ نشأتها وهي تنظم ملتقيات فكرية وطنية ودولية، وتنشر أعمال هذه الملتقيات، وتدير ندوات أيضا في إطار “نادي ابن باديس” كل شهر تقريبا، في مدينة قسنطينة أو في مدن مجاورة في ولايات أخرى.
• ماذا عن إصدارات هذه المؤسسة الثقافية حتى الآن؟
نشرت المؤسسة حتى الآن نحو 40إصدارا عن العلامة ابن باديس، والفكر الإصلاحي، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومجاله التربوي والعلمي، والتاريخ الوطني بصفة عامة. وهذه قائمة بأهم ما نُشر يمكن أن تنشره ليعرف الإخوة القرّاء جهود المؤسسة في مجال الإصدار والنشر .(يجد القارئ إلى جانب الحوار قائمة بالإصدارات ).
ويجدر أن أشير هنا ، يقول الدكتور فيلالي:أن هناك تعاونا وثيقا بين المؤسسة وبين عدد من الهيئات: كوزارة الشؤون الدينية، المجلس الأعلى للغة العربية، مديرية التربية والتعليم، وغيرها من المؤسسات التي تتقارب معها المؤسسة. وعلى الرغم من أن المؤسسة تعاني من عدم وجود مقر مناسب يليق بمقام العلامة ابن باديس رائد النهضة والإصلاح في الجزائر، وأيضا بالرغم من قلة الدعم فإن المؤسسة عازمة على المضي في طريق العمل الثقافي والفكري الجاد القويم ولديها برنامج طويل الأمد، نسأل الله أن يوفق لتحقيق الأهداف المرسومة ، مع الأمل في التعاون مع مختلف الهيئات والمؤسسات التي ترغب في تحقيق التنمية الفكرية والثقافية لوطننا، علما أن التنمية الثقافية هي الأساس لكل تنمية أخرى، لأن التنمية الثقافية تعنى بالإنسان أولا والإنسان أخيرا .
نستكمل باقي الحوار في الأسبوع القادم بحول الله .
إصدارات مؤسسة ابن باديس
باعتبار مؤسسة عبد الحميد بن باديس مؤسسة ثقافية فكرية في الأساس اتجه نشاطها إلى مجالين أساسيين: الندوات والملتقيات والمحاضرات، والإصدارات من الكتب والوثائق خاصة ما يتعلق منها بالتعريف بآثار الشيخ العلامة ابن باديس وأعلام الجمعية الآخرين ،قديما وحديثا، والتي تأتي في إطار سياسة جمع الآثار والتعريف بها وإتاحتها للأجيال لتنهل من فكره وعلمه، وتقتدي به في التربية والتعليم والصحافة والفكر والعمل الدائب الصائب من أجل الوطن والعربية والإسلام .
من الإصدارات التي نُشرت نذكر:
1- عبد الحميد بن باديس: مرحلة التحصيل والتكوين
2- عبد الحميد بن باديس: صور ووثائق
3- عبد الحميد بن باديس: وعيُه بالاستعمار والثقافة الغربية من خلال تقارير الاستخبارات الفرنسية
4- اعتداء اليهود على أهل قسنطينة سنة 1934
5- جرائم الجيش الفرنسي في مقاطعتي الجزائر وقسنطينة.
6- موقف يهود قسنطينة من ثورة الجزائر.
7- الفكر السياسي عند ابن باديس
8- الصحافة الإصلاحية بين المقومات الوطنية والواقع
9- إسهام شيوخ معهد عبد الحميد بن باديس وطلابه في الثورة التحريرية
10- الشيخ عبدالحميد بن باديس بين السلفية والتجديد
11- البيت الباديسي: مسيرة علم ودين وسياسة
12- عبد الحميد بن باديس وشهادة الإمام الإبراهيمي فيه .
13- الإمام عبد الحميد بن باديس وجهوده في تجديد العقيدة الإسلامية
14- عبدالحميد بن باديس بعيون العلماء والأدباء والشعراء
15- الشيخ محمد البشير الإبراهيمي العالم المفكر والأديب الوطني المنظّر (في ذكراه الثامنة والثلاثين )
16- رواد النهضة والتجديد في الجزائر
17- الفكر السياسي عند الإمام عبد الحميد بن باديس
18- نصوص تاريخية حول المغرب العربي منتخَبة (منتقاة) من كتابات الإمام بن باديس
19- الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الفكرية في الجزائر(مواضيع ومحاور للبحث والدراسة حول جوانب متعددة من حياته).
20- وثائق جديدة عن جوانب خفية في حياة ابن باديس الدراسية .
21- صحيفة المنتقد 1925 (مجلد).
22- ـأحمد حماني ودوره في الحركة الإصلاحية والوطنية.
23- أناشيد منوعة لأطفال المدارس (مستمدة من مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)
24- رحلة بهاء في مدينة العلم والعلماء (قصص للأطفال).
وغير هذا من المؤلفات والمصنّفات العلمية التي يصدر عن المؤسسة كل عام منها بين 5و7كتب تُثرى بها الحركة العلمية والثقافية في الجزائر.