مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

جمعية العلماء.. في زمن العطاء..بقلم الدكتور عبدالرزاق قسوم

كل شيء في الجزائر بات، -في أيامنا هذه- معلقاً بين اليأس والرجاء، فالنّاس أعينهم معلقة بالسماء، يتوسلون بصلاة الاستسقاء، ويتبتلون إلى الله، بكل أنواع الدعاء، فقد يبس الزرع، وجف الضرع، واصفر من الشجر الأصل والفرع.
لقد أصاب الجميع قحط في الجيوب، وجفاف في القلوب، فعم الغلاء، وانتشر الوباء، واستوى -في المعاناة- الأغنياء والفقراء، وما ذلك إلا لنضوب خزائن الأموال، وشيوع الأزمات في سياسة الأقوال، وتفشي الرشوة في عالم الأعمال، والأشغال.
استنجدنا ببركات نوفمبر الجهاد والاستشهاد، فلم يجدنا أمام كثرة الفساد، وخطورة الكساد، ولجأنا إلى معرض الكتاب الزاخر بالمعارف والآداب، لعلّنا نطرد الملل والاكتئاب، فكان ذلك كله بمثابة الماء السراب.
غير أنّنا، في أتون كل هذه الأزمات والصعوبات التفتنا، إلى عالم الفكر والثقافة، علّنا نخرج من قُمة التفاهات والسخافة، فتراءت لنا أعمال جمعية العلماء، طافحة بالعطاء، والنماء، والسخاء، فبالرغم من الضبابية والتعتيم التي تحيط بنا، لم تكف جمعية العلماء، بجميع فروعها عن الكد والجد، وبذل المزيد من الجهاد والجهد.. ويكفي الراصد للحدث الثقافي الوطني، أن يلتفت شرقاً وغرباً، أو شمالاً وجنوباً، ليدرك، المد الثقافي الذي يطبع نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هذه الأيام.
فبالإضافة إلى إحياء ذكرى نوفمبر على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مكان، كان إحياء الذكرى الثالثة والأربعين لوفاة المفكر مالك بن نبي، حيث اشرأبت إليه الأعناق، وأحيط فكره بالمزيد من الإشعاع والإشراق.
وجاء ملتقى الولي المصلح الصالح في عين صالح، بأقصى الجنوب، ليجعل شمس المعرفة، والفكر، تشرق من الجنوب، بفضل كوكبة من العلماء المصلحين، من أمثال الدكتور عمار طالبي، والشيخ محمد مكركب، والدكتور بشير مصيطفى، والدكتور سعيد معول، والدكتور محمد إيدير مشنان، والدكتور تشيكو بوحسون، وكاتب هذه السطور، والمقرئ ذي الحنجرة الشحبة الشيخ قادة المعسكري، وغيرهم، لقد تحولت القبلة الثقافية الوطنية في أيام الفاتح، والثاني والثالث نوفمبر 2016، إلى عين صالح، حيث، اضطلع خلفاء العالم المصلح المغفور له بإذن الله، الشيخ محمد الزاوي، بمهمة الوفاء والعطاء، بما صبغوا على الملتقى الفكري السابع والعشرين مستوى تنظيمياً وثقافياً، وفكرياً، ذكرنا بملتقى الفكر الإسلامي، ذلك الوسام الذي علقه على جبين الجزائر العلماء الأصلاء، وقضى عليه الجهلاء الدخلاء.
وقبل ذلك كانت قبلة ثقافية أخرى في الجنوب هي مدينة القرارة، حيث عقدت ندوة ثقافية هامة بمناسبة ذكرى وفاة العلاّمة الشيخ شريفي عدون، وكان الموضوع هاماً، هو دور العلماء في تثبيت دعائم الهوية، وحضرته نخبة من أبرز المثقفين في طليعتهم الأستاذ محمد الهادي الحسني.
ثم تحولت القبلة شطر برج بوعريريج مدينة الشيخ المقراني، والإمام محمد البشير الإبراهيمي، فدعت شعبة جمعية العلماء بقيادة عالمها المتميز الشيخ التهامي ابن ساعد، إلى ندوة هامة في موضوع “البعد الديني في ثورة التحرير” من تنشيط كل من الأستاذين محمد الهادي الحسني، والمجاهد الأستاذ طارق بن شين، وكاتب هذه السطور، وقد عرفت الندوة إقبالاً كبير، ونقاشاً عالياً، ذكرنا بالملتقيات العلمية الناجحة.
ويتم الإعداد الآن لندوة دولية في سطيف، وأخرى في قسنطينة، وأخرى في وهران، وأخرى في مدينة الواد، والبقية تأتي، وكل ذلك دليل على الحراك الثقافي والفكري الذي تشهده جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في زمن العطاء الخصيب، بالرغم من ضعف ذات اليد، وشح العطاء الرسمي، وعدم وعي الأغنياء الجزائريين بضخامة الرسالة التي تضطلع بها جمعية العلماء، للقضاء على الجدب الفكري والنكسة التربوية، والجزر الثقافي..
فلجان الجمعية، كلجنة اللإغاثة لتقديم العون لإخواننا في فلسطين، ولجنة التربية لإصلاح ما أفسده “الدهر” ولجنة البحث النسوية، وغيرها من لجان جمعية العلماء، كلها تواصل نشاطها الدؤوب، غير آبهة بالعقبات والتحديات.
إننا نعيش -حقاً- زمن النماء والعطاء الذي تشهده جمعية العلماء، ويكفي أن يعود القارئ العزيز، إلى الصفحة الالكترونية للجمعية، وإلى موقع الجمعية، وإلى أسبوعيتها البصائر، وشهريتيها “التبيان” و”الشاب المسلم” بالفرنسية، في انتظار المجلة الأكاديمية المحكمة “المقدمة”، التي ستطهر قريباً إن شاء الله، ليدرك الزخم الفكري والإعلامي، والثقافي الذي تعيشه جمعية العلماء، وذلك بالرغم من مرحلة الجزر التي تعيشها الجزائر على الصعيد السياسي والاقتصادي، والاجتماعي، والتربوي، والأخلاقي.
إننا نستمد زخم عطائنا من آمال وطموحات شعبنا، ولن يثنينا عن عزمنا إن شاء الله، بعض الأصوات الناعقة، والكلاب النابحة، والقطط العاوية الضالة.. فتلك هي ضريبة النجاح..
رائدنا في كل ذلك، الشعار الذي كان يتغنى به إمامنا ابن باديس:
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل “فوق” ما فعلوا

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى