مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

الحب عن طريق العالم الافتراضي -للأستاذة آمنة خنفري

قال تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[المؤمنون:1/11].
modern-09cbf50b6a89a8179dc947deb3152ce6548def86bd709ca2dc4a43618b13d964-1
غيرت الثورة المعلوماتية والمعرفية موازين قوى في مجالات شتى منها الحياة السياسية والحربية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى النفسية. والإشكال الذي يعانيه عصر تدفق المعلومات هو مصداقية المعلومة وصحتها، فالإعلام كوسيلة ترويجية وإشهارية لسياسة ونظام معين قد يسلك مسلك الكذب والخداع والنفاق والزيف لبلوغ أهداف معينة، وكذا الحال بالنسبة للمعلومات المتفشية في الفيس بوك.
وصفحته شبيهة بالمنزل الافتراضي له باب ونوافذ وجدران، فالكلمة السرية هي المفتاح التي تفتح بها الباب للولوج إلى العالم الافتراضي، والنوافذ هم الأصدقاء الذين نطل من خلال اختياراتهم المعرفية على تصوراتهم واعتقاداتهم وتوجهاتهم وقد تكون اختيارات صادقة وقد تكون مزيفة. أما عن الجدران فهي مزينة بالمعارف والمعلومات والأنباء فهي بمثابة الكتاب المفتوح على الأصدقاء والعامة.
لكن قد نخترق في الفيس بوك، قد تخترق أفكارنا، قد تخترق عواطفنا وقد تخترق أحلامنا. والاختراق هنا هو اختراق افتراضي قد يتحول إلى اختراق واقعي يغير مسار واقعنا وحياتنا ومستقبلنا وهذا تبعا للشخصية المخترقة، فالشخصية المنغلقة على ذاتها في الواقع الاجتماعي والفاقدة للحب، تجد ذاتها وتثبت وجودها بانفتاحها على الآخرين في هذه المواقع التواصلية، وذلك بمد جسر التعارف، وتنسى هذه الشخصية المنطوية اجتماعيا أنها تنغلق على نفسها مرة أخرى وتنعزل على الواقع بإدمانها الكومبيوتري الذي يفضي إلى مضار ومساوئ على مستوى الحياة النفسية والذهنية والأسرية والاجتماعية.
والمنزلق الخطير الذي قد يسببه هذا التعارف هو أن تتحول المناقشات الفكرية على موقع الفيس بوك الذي يميط اللثام على التقارب الفكري والاهتمامات المشتركة والإعجاب إلى انجذاب عاطفي وهذا طبعا يتوقف على المستخدمين اللذين لديهما استعدادا عاطفيا لذلك وهذا قد يكون بداية الزنى إذا انطوت على نوايا خبيثة وقد حذر الله جلت مكانته من الوسائل المفضية إلى الاقتراب من الفاحشة{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}(الإسراء :32).
وفي قصة حب هيفاء وفريد وقصص كثيرة التي نسجت خيوطها الحريرية عبر الشبكة العنكبوتية، كشفت لنا الغطاء عن فن الايقاع بذوي النوايا الطيبة في شراك الدهاء والمكيدة، انطلاقا من ميل المرأة الفطري إلى الكلمة الرقيقة والمدح والثناء.
استغل فريد سذاجة هيفاء ليوقعها في مصيدة الحب والغرام والهيام، وذلك بالتخطيط المحكم مبتدئا بالإعجاب الصريح لشخصها وفكرها، فهو يدرك جيدا أن الغواني يغرهن الثناء، واستدرجها إلى الاختلاء المعنوي عبر الشات، ناسيا أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا
تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب
وعرض عليها الالتقاء عبر السكايب ليتعارفا أكثر، مع العلم أن فريد له علاقات إلكترونية غرامية عديدة ومتنوعة مع نساء كثيرات عبر العالم، بعد الالتقاء عبر السكايب وإعجابه بالصيد الثمين، اقترح عليها متوسلا هامسا متوددا اللقاء المباشر. لعل الحيلة تنطلي عليها فيجرها إلى الرذيلة باسم الحب والزواج.
نظـرة فابتسـامـة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
بعد اللقاء حدثت القطيعة والجفاء فما كان بالنسبة لفريد سوى سويعات قضاها في التسلية والمتعة المحرمة ضاربا بالقيم والأخلاق والدين عرض الحائط، ناسيا أنه كما يدين يدان وهذا مصداقا للحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال: “الذَّنْبُ لا يُنْسَى، وَالْبِرُّ لا يَبْلَى، وَالدَّيَّانُ لا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْتَ، فَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ “.
فحب المغامرة وعشق الاكتشاف وروح السخرية ولذة الانتقام وسوء النية وخبث السريرة صفات اتسم بها مذ عرف الكمبيوتر والنت فهو شيطان إنسي يبث سمومه حيثما حل، فالويل له من رب السماوات والأرض{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور: 19).
انتشرت قصص الحب عن طريق النت في الأوساط الغنية والفقيرة، العربية والغربية وفي شتى بقاع العالم. ولا ريب في ذلك فنحن نعيش في عصر العولمة والانفتاح على العالم أجمع بلا حدود ولا قيود، لكن العلاقات الإنسانية أرقى من أن تتحقق عبر أسلاك كهربائية.
فالخوف يظل قائما من سوء استعمال الانترنت خاصة في العلاقات الحميمية، فهناك الذئاب تترصد الدوائر وتتحين الفرص للانقضاض على فريستها بطرق شتى بالإغراء تارة وبالوعود المزيفة تارة أخرى، فالخوف يظل كامنا من الغد ومن تبعات هذه الشبكة التي غزتنا في عقر دارنا.
فلعل عالم السرعة وانقطاع العلاقات الإنسانية، التي أفرزتها الحضارة المادية قد ساهمت بشكل مباشر في تفشي هذه الظاهرة، فهي وسيلة سهلة لا تكلف تعبا ولا نصبا ولا سفرا ولا جهدا للتواصل وهذا مدعاة للتساؤل عن نهاية العلاقات الالكترونية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى