الـــقــضــية الفلسطيــنــيــة : محاكمة المملكة المتحدة -الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال

في الأيام الثلاثة الماضية على تصريح مقتضب للسيد “محمود عباس” رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لم تتناول أية وسيلة إعلام غربية هذا التصريح لا من قريب ولا من بعيد، بل يبدو أن ستارا حديديا أغلق عليه لكيلا يجر وراءه الكثير من القيل والقال الذي من شأنه تحريك الرأي العام العالمي حول الموضوع.
التصريح رغم قصره، لكنه مركز ودقيق في تناوله لأسباب طلب المحاكمة وخاصة وأن جريمة المملكة المتحدة ضد الشعب الفلسطيني جريمة مركبة تركيبا زمنيا دالا على سبق الإصرار والترصد. فبداية الجريمة كانت باتفاقية “سايكس بيكو” التي طلبت فيها بريطانيا من فرنسا في تقسيم بلاد الشام الجزء الجنوبي منها حيث تقع أرض فلسطين التاريخية.
ثم بعد سنة تقوم هذه الإمبراطورية الاستعمارية بإصدار “وعد بلفور” المتضمن منح أرض فلسطين وطنا قوميا ليهود العالم.
خلال الفترة ما بين 1917 و 1947 تاريخ إنضاج المشروع الاستعماري لوضعه على طاولة الأمم المتحدة للتصويت والمصادقة كانت المملكة المتحدة هي المحتلة باسم الانتداب والحماية لأرض فلسطين، لتقوم خلال هذه الأثناء بتسهيل عملية تهجير ليهود أوروبا وأمريكا إلى فلسطين، فكانت الحماية في الحقيقة لليهود المستوطنين ولممارساتهم الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني لدفعه إلى الهروب والهجرة خارج وطنه.
بعد ثماني سنوات عن إعلان تأسيس الدولة الصهيونية قامت المملكة بإعلان الحرب على مصر بعد تجنيدها لفرنسا وإسرائيل للقيام بهجوم على مصر عام 1956 لتكون بداية لحروب متتالية ضد الدول العربية المجاورة، آخرها ما حدث للعراق ثم لسوريا حاليا، لتكون هذه الحروب كلها في النهاية خدمة للدولة الصهيونية التي أسست فعلا لتكون أقوى دولة في المنطقة تحمي ظهر الإمبريالية الرأسمالية العالمية لضمان أمن الطرق التجارية في الماضي ونقل المحروقات وموارد الطاقة حاليا ومستقبلا ما بين أوروبا المستهلكة ومنطقة آسيا الغربية (بــحر قزوين) والخليج العربي وشمال إفريقيا.
تصريح “محمود عباس” فيه الكثير من الذكاء السياسي سواء من حيث الضرورة الدبلوماسية التي أعلنت عنها السلطة الوطنية ضد العدو الصهيوني، أو من حيث التحريك الإعلامي المطلوب فعلا في المرحلة ؛ و لهذا عومل التصريح بالتجاهل و عدم الاهتمام من طرف الإعلام العالمي الذي تقوده كبريات مؤسساته التي تديرها الحركة الصهيونية الرأسمالية العالمية.
إن توقيت إعلان المملكة المتحدة عن انسحابها من الاتحاد الأوروبي ليس عشوائيا كما يتصوره البعض، بل هو عمل مدروس جدّا وخاصة وهو يأتي في الوقت الذي قامت فيه فرنسا بالإعلان عن مسعاها لرعاية مؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين و الصهاينة و الذي رفضته حكومة تل أبيب جملة و تفصيلا حتى قبل بداية المسعى.
السيد “محمود عباس” إذا كان هدفه جس النبض فعليه الآن إعداد العدة لتأكيد ما صرح به، وإعداد الملف حول القضية ينبغي أن يتوازن ويتكامل مع الملف الذي يعد لمحاكمة الدولة الصهيونية في محكمة الجنايات الدولية وخاصة وأن بريطانيا لم تعلن بعد عن انسحابها من هذه المحكمة، وقضاءها هي يمكن استعماله ضدها في القضية الفلسطينية.
إن الأوضاع الحالية في المنطقة وما تفرزه على مر الأيام من بداية تأزم العلاقات بين الاتحاد الروسي والتحالف الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كل هذا يتطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية العمل المكثف والسريع والفعال في آن واحد لتحريك الجهاز الدبلوماسي الفلسطيني العامل في روسيا والصين والهند التي استطاعت الدولة الصهيونية استعادة العلاقات معها، كما أن الضرورة تقتضي من جامعة الدول العربية تقديم كل الدعم والمساندة لهذا الجهد، وخاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها بدأت تنسحب فعلا من المنطقة، وهذا ما جعل بريطانيا العظمى تتحرك لاستعادة مكانتها السابقة قبل أن تأخذها منها فرنسا.
كل هذا يجب أن يتم طبعا بعد استجابة السلطة الوطنية الفلسطينية لنداء زعيم حركة “الجهاد الإسلامي” الدكتور “رمضان عبد اللـه شلح” في الأسبوع الماضي، وهي نفس الطلبات التي تتبناها كل الفصائل الفلسطينية الكبرى و أغلبية الشعب الفلسطيني.
إنه من الضروري جدا الاستجابة بسرعة لهذا النداء وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بعد الإعلان عن التخلي النهائي عن “اتفاق أوسلو” والتنسيق الأمني مع دولة الكيان الصهيوني.