موقع "الشفرة الاجتماعية" في جهود العلماء: (بحث في تأصيلها ونماذج في استيعابها)
إعداد الأستاذ:
عبيكشي عبد القادر سعيد
جامعة جيجل /abikchisaid@gmail.com
مقدمة
يقول الشيخ البشير الإبراهيمي (طيب الله ثراه): “من أراد أن يخدم هذه الأمة، فليقرأها كما يقرأ الكتاب، وليدرسها كما يدرس الحقائق العلمية، فإذا استقام له ذلك، استقام عمله، وآمن الخطأ فيه، وضمن النجاح والتمام له، فإن تصدى لأي عمل يمس الأمة من غير درس لاتجاهها، ولا معرفة بدرجة استعداداها، كان حظه الفشل” .
في هذا القول إجمال للفهم الشمولي المتكامل للشفرة الاجتماعية الخاصة بكل بيئة إسلامية كانت أو غير إسلامية، وتوضيح أنه لا يليق الابتداء في أي عمل اجتماعي من دون فهم لهذه الشفرة وأركانها، ولا يليق الاقتصار على جزئية منها دون أخرى، لأنها كل متكامل في البناء والأثر.
هنا نطرح السؤال المدخلي: ما المقصود بالشفرة الاجتماعية؟ وما أثرها في تحقيق الصلة بين الفهم الصحيح للشريعة والممارسة الميدانية السليمة؟ وهل يمكن أن نجد لهذه المفهوم حضورا في السيرة النبوية العطرة وكيف أصّل له الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم)؟ وما أثر التحييد لهذه الشفرة في الدعوة والبناء داخل الأمة؟
وللإجابة على هذه التساؤلات نضع الهندسة المنهجية للموضوع من خلال المحاور التالية:
1. مدخل مفاهيمي: (الشفرة الاجتماعية، مركب التبليغ).
2. مقومات الشفرة وأثرها في حراك مؤسسات المجتمع ومشاريعه.
3. موقع الشفرة في المجتمع الجزائري: حضور أو تحييد؟
4. الخاتمة.
1. مدخل مفاهيمي: (الشفرة الاجتماعية، مركب التبليغ)
نقصد بالشفرة الاجتماعية “ذلك المركب من مجموعة التأثيرات البيئية المختلفة من (ثقافية وسياسية واقتصادية) بالإضافة إلى مجموع المعطيات التراثية والقيمية التي تسود أي مجتمع، زيادة على ذلك الالتزام بما يحكم المجتمع من عرف اجتماعي صحيح تعتمد عليه مؤسساته الاجتماعية باختلافاتها، حرصا على الجمع بين المعادلة الجمعية والفردية في الفهم والعناية والاستيعاب”.
فأهم أسس المعادلة الاجتماعية كما أوردنا هي:
• أنها مركب متداخل العناصر والأبنية الاجتماعية (ثقافية سياسية واقتصادية).
• أنها أيضا معطى قيمي لما يسود المجتمع من قيم بتعدد أوجهها (أخلاقية أو تعاملية).
• وأنها استيعاب للتقاليد والموروث الشعبي والحضاري الذي يعيش فيه وبه المجتمع.
• وهي أيضا إدراك لتأثير المؤسسات الاجتماعية، التي تتحكم في كثير من مفاصل المجتمع وأثر ذلك في حياة الفرد والمجتمع (صلة الفرد بأسرة، موقع السلطة التقليدية من كبير العرش وكبير الجماعة).
• في الأخير تجمع المعادلة الاجتماعية في توظيفها فهما للفرد في انتمائه للمجتمع، وللضمير الجمعي الذي يحكم روابط المجتمع في كثير من حراكه وسكناته.
أما بخصوص (مركب التبليغ) فهو مصطلح أورده الأستاذ (مالك بن نبي) حينما عبر عن الوظيفة الأبدية التي تتحكم في حياة المسلم وهي تبليغ هذا الدين والدعوة له، وفي هذا ارتباط بالمصطلح الشائع والمتداول وهي (الدعوة إلى الله)، إلا أن الأستاذ لم يترك المفهوم في حيزه الوعظي فقط بل ربطه بكل جهود التبليغ الوعظي والتغيير والتجديد وخدمة هذا الدين.
وبالتالي فارتباط الشفرة الاجتماعية بمركب التبليغ (الدعوة أو التجديد) هو الذي يدفع إلى البحث في أهمية هذه الشفرة وأثرها في تحقيق تبليغ سليم لهذا الإسلام.
2. مقومات الشفرة وأثرها في حراك مؤسسات المجتمع ومشاريعه:
منذ أمد بعيد اهتم الإسلام وكرس الوعي بضرورة فهم المعادلة/ الشفرة الاجتماعية للمجتمع، وحذر من الجهل بها أو تجاهلها، وهذا عندما اعتبر الأعراف المرعية غير المناقضة لمقاصد الشريعة وأحكامها الثابتة، مصدرا أو دليلا من الأدلة التشريعية، ذلك أن هذه الأعراف ما هي إلا نفسية المجتمع وروح التاريخ التي تتجلى في أشكال وبدائل ثقافية واجتماعية وسياسية متنوعة، بحسب ما نليه حاجات العصر والمرحلة وتحدياتها.
من هذا نجد أن الاهتمام الواسع والبالغ بفهم الشفرة الاجتماعية وتضمينها لكل حالات الممارسة الصحيحة للإسلام وتعاليمه، أمر فيه استيعاب للمقاصد الكلية للإسلام وإدراك متأني لتغيرات الحال ومتطلبات الفرد والمجتمع ووجوب فهمها وفق ما تؤطره الشريعة وتحفظه.
وبالعودة إلى التاريخ الإسلامي بكل مراحل تطوره نجد أن أغلب الحركات والأفكار والمشاريع الإصلاحية التي نجحت في أن تحقق أهدافها، عملت على الربط بين الحدين الأساسين للإصلاح والتجديد وهمما:
أولا: فهم مقاصد الشريعة وتعاليمها وأحكامها وهي كما عرفها الأستاذ (علال الفاسي رحمه الله) بقوله: (المراد بمقاصد الشريعة : الغاية منها الأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها)
ثانيا: الفهم السليم والصحيح لكليات وجزئيات الشفرة الاجتماعية، ويكون ذلك بمراعاة العوائد والأعراف المتعلقة بالأشخاص والمجتمعات عند النظر والاجتهاد، فهو أمر مهم ومطلب ضروري لابد منه لكل مجتهد ومفت.
وهذا ما يعني استيعاب للشريعة وأحكامها العقدية والفقهية وفهم للمعادلة بكل ما تحمل من قيم وتقاليد وآثار ورؤى اجتماعية تواطأ المجتمع على الأخذ بها.
ولنا في سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) نماذج صالحة لأن تكون تأصيلا لأهمية فهم واستيعاب الشفرة الاجتماعية، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أسس لمجتمع إسلامي معافى من أمراض اجتماعية كثرت في وقتنا، وذلك لأنه كان صاحب الرسالة الربانية التي أوضحت وبيت أحكاما وتشريعات لإصلاح المجتمع وتصويب رؤيته وأهدافه وأسباب وجوده، في نفس الوقت أدرك عليه الصلاة والسلام طبيعة الشفرة التي تحكم المجتمع القرشي آنذاك وحتى مجتمع المدينة، فلم يُحدث ما قد يؤثر في إسلام أصحابه خصوصا وأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام، والأمثلة في ذلك لا يمكن حصرها لأن السيرة النبوية كلها مبنية على هذين البعدين (شريعة وفهم للمعادلة الاجتماعية).
ومن ذلك الرغبة التي كانت لديه عليه الصلاة والسلام بإعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ولكنه أعطى أولوية الحفاظ على إسلام قومه الحديث وفي ذلك فهم لموقع الكعبة وقدسيته في نفوس أهله قومه وتأجيل أو استبعاد هذا الأمر لأنه قد يحدث الكثير من الخلل في نفوس أهل المنطقة.
دعوته لهجرة أصحابه إلى الحبشة فقد قال لهم إن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، فخبرته بتلك الأرض واطلاعه على حاكمها وطبيعة أهلها دفعته إلى أن يوجه أصحابه للهجرة لها وفي هذا إدراك واع لقضية المعادلة أو الشفرة الاجتماعية.
ضف إلى ذلك موقفه من منافقي المدينة الذين كانوا يعملون على تخريب البناء الإسلامي فيها، ولكن لإدراكه عليه الصلاة والسلام لخطورة الموقع الذي يحتلونه في المجتمع، فقد تجاوز عن أمر قتلهم حتى لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه، وفي هذا إدراك للبعد الاجتماعي والأمني الذي قد يحدثه مثل هذا التصرف في نفوس الذين يرون في هؤلاء المنافقين أهلا وأحبة لهم من المهاجرين والأنصار.
والأمثلة كثيرة ولا يمكن حصرها ولكننا نضع شذرات وصورا فقط للتوضيح، ولكن قد يقول قائل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وحي يوحى له، وهو ما يصعب من مهمة المصلحين الذين هم أناس فهموا واستوعبوا الشريعة ولكن لا وحي لهم، فنقول لهم إن في التاريخ ما يؤكد أن من المصلحين ورجال الدعوة والتجديد والبناء في التاريخ الإسلامي من أخذوا بمعالم السيرة النبوية في هذا الفهم للشفرة الاجتماعية بما يخدم مشاريعهم الإصلاحية في مجتمعات عديدة، وليس ببعيد عنا “الحركة الإصلاحية لجمعية العلماء المسلمين” التي أدركت الكثير من جزئيات وكليات الشفرة الاجتماعية للمجتمع الجزائري، وبناءا على هذا الفهم أسست وبنت مشروعها الحضاري الإصلاحي في الجزائر، فقد أدرك علماء الجمعية أولا أن الجزائر بها تنوع ثقافي وتراثي وموروث شعبي يختلف من منطقة إلى أخرى، فعمدت إلى أن تجعل من مكتبها أو من قيادييها من مختلف أنحاء الوطن فمن الشرق إلى الغرب إلى الجنوب إلى الوسط وإلى الشمال، ثانيا فيها المالكي وفيها الإباضي، وفيها العربي وفيها الأمازيغي، أي أن الجمعية أرادت من هذا التنوع في كادرها العلمائي أن تعطي لكل منطقة حقها من الفهم ومن ثم إيجاد المداخل السليمة واليسيرة في تبليغ دعوتها لها، وهو ما تحقق من خلال مشروعها الذي جاء تربويا وإصلاحيا (تربية وتصفية).
فإقامتها “لمدارس الجمعية الخاصة” وتوليتها من قبل أبناء المنطقة التي تُؤسس فيها كانت خطوة إستراتيجية في فهم العلاقة الواجبة توفرها في عملية التربية، وهي أن ابن المنطقة له قدرة على تمرير الكثير من مبادئ الجمعية ورؤيتها بما يتناسب والشفرة الاجتماعية التي تحكم المنطقة، وهذا ما دفعها إلى أن تقوم بإرسال بعثات من مختلف مناطق الوطن إلى جامعات ومعاهد خارج الوطن حتى تعطيهم فيما بعد مسؤولية تسيير وتعليم أبناء المنطقة، وفي تاريخ الجمعية الكثير من المواقف التي يمكن أن تؤسس للفهم السليم للعلاقة الإلزامية بين (فهم الشريعة وأحكامها واستيعاب الشفرة الاجتماعية وأبعادها).
وفي العالم الإسلامي على سعته نجد نماذج وافقت رؤية الشفرة الاجتماعية بصورة سليمة وعملية، فالحركة الإصلاحية الإسلامية الإيمانية في تركيا والتي عرفت بحركة “بديع الزمان النورسي” في الأناضول في أعالي تركيا، والتي انطلقت من مقومات للشفرة الاجتماعية التركية وهي المقوم الديني وأثره في حياة المجتمع التركي، وحتى لا نجحف حركات من التاريخ الإنساني فقد كانت لمجتمعات غير إسلامية إدراك ووعي لهذه الشفرة ونذكر المثال الشهير في هذا الباب وهو ( الهندي المهاماتا غاندي) الذي قامت حركته الإصلاحية على فهم عميق لطبيعة الصلة التي تربط الرجل الهندي بموروثه الحضاري والتاريخي والعقائدي (بغض النظر عن سلامته).
فهذا عرض يؤكد أن الفهم السليم والاستيعاب الصحيح للشفرة الاجتماعية وتوظيفها في تبليغ الإسلام أو في بناء مشاريع الإصلاح والتجديد والبناء، أمر هام لتحقيق الهدف، وكذلك فهي دعوة صريحة لفهم واقع الناس ومواجهته في الميدان، بفكر متحرك يشرف على الأحداث و يوجهها و لا يكتفي فقط برد ظلالها الباهتة، والحكم عليها من بعيد. لأنها غالبا ما تتهاوى هذه الأحكام أمام جهل وتحييد مقصود أو غير مقصود لهذه المعادلة ودورها الفاعل في تحقيق متكسبات للدعوة والتجديد والبناء، وهذا ما يجعل من الرؤية الإصلاحية الإيمانية البعيدة عن هذا الفهم، غير متوافقة لا زمانيا ولا مكانيا ولا مع تغير الأحوال والظروف، بل قد يكون ما هو صالح كتدبير و علاج في بيئة ما، هو نفسه يوجد العكس والاختلاف والنفرة منه في بيئة مغايرة.
ذلك أن أول لبنة في طريق التجديد والإصلاح والبناء هو أن يدرك المتصدر لمواقع القيادة والدعوة جيدا أن لكل فرد ولكل مجتمع، معادلته الاجتماعية الخاصة، التي تشكل من أوضاع وظروف نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية خاصة تملي عليه سلوكات ومواقف خاصة، يصعب فهمها واستساغتها والتأثير على كل من لم يتوغل في أعماقها، ولم يدرك دوافعها الخفية، البعيدة الغور في النفس الإنسانية والأوضاع الاجتماعية.
3. موقع المعادلة في المجتمع الجزائري: حضور أم تحييد؟
ذكرنا في ما سبق أن جمعية العلماء المسلمين كان لها فهم عميق وواسع بأبعاد ومكونات الشفرة الاجتماعية للمجتمع الجزائري، وهذا ما مكنها من القيام بحركة واسعة في المجتمع أثمرت على بروز نخبة قادت الكثير من مواقع الإصلاح القيادة في جزائر الاستقلال، كما أن قيادة الثورة التحريرية أدركت مقومات هذه الشفرة وتركيزها على أهم المقومات التي حققت النصر الإلهي للثورة وفي مقدمتها مقوم الدين، ومقوم الفحولة النفسية المقدامة التي يتميز بها الإنسان الجزائري.
وفي هذا تدليل على حضور هذا الفهم للشفرة في إستراتيجية التحرير الثوري والإصلاح الاجتماعي أخذت به قوى اجتماعية وتحررية في الجزائر إبان الاستدمار الفرنسي.
إلا أنه بالعودة إلى المرحلة التي نعيشها واللحظة التاريخية اليوم، نجد أن استثمار هذه الشفرة وتوجيه العمل الإصلاحي حتى يكون له الأثر والنجاح، يعرف تضاؤلا بل وتراجعا محسوسا، ولا نقصد بهذا بخس الجهود التي بذلت في مواقع ولحظات تاريخية هامة اهتمت بفهم هذه الشفرة واستثمارها بل وحتى تصويبها في جزئيات معينة، ولكن يأسف المتابع في هذا الأمر على أن هذه الجهود لم تجد الاستثمار الشمولي لها من كل مؤسسات المجتمع، وتبني رؤيتها في كثير من المواقع التي كان لها فهم بالغ وسليم لأبعاد هذه الشفرة الاجتماعية.
أعود وأقول أن الجزائر في اللحظة التاريخية الراهنة تعاني كثيرا من ضعف فهم وإدراك لهذه الشفرة من قبل شبابها ومن يدعون إصلاحا وتغييرا في أوضاع وحال البناء الاجتماعي لها، ويعود في الأساس إلى ما أصبحت تعاني منه آليات الاستثمار والاستخدام والفهم لهذه المعادلة في كل البرامج والخطط والمشاريع التي تهدف إلى تحقيق التغيير أو حتى التغير، ولا أصدق من هذا مثال “حال الفتية أو الفتوى” التي أصبحت بعيدة في بنائها وصياغتها ونشرها ما يمثل بعدا واضحا وصارخا في ضعف الفهم والإدراك لهذه الشفرة، ضف إلى ذلك غياب مؤسسات اجتماعية تهتم بقياس واختبار وفحص وفهم التغيرات الاجتماعية التي تسهل على قادة الرأي و السياسة والفكر والدعوة من الأخذ بهذه النتائج في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة وتحقيق استراتيجيات الإصلاح السليم.
وبمعالجة موضوع الشفرة الاجتماعية وموقعها لدى علماء المنطقة كأنموذج عملي، فإن البحث في سيرهم وتصفح أثرهم ومساءلة طلابهم ومريديهم، نجد أن هؤلاء المشايخ والعلماء قد أدركوا عن تجربة وعلم ومعايشة للشفرة الاجتماعية لسكان المنطقة، أدركوها بمعنى أنهم تمكنوا من فهم المكون التراثي والذهني و الاجتماعي لكل أبناء المدينة، وقد نتج عن هذا الإدراك:
• القدرة على تفهم أحوال الناس وإفتائهم بما يتناسب و شرع الله وما يتواءم مع أحوالهم المعيشة في يومهم وفي حلهم وترحالهم.
• فهم الصيغة الأقرب إلى القبول سواء من ناحية لغوية أو مقاصدية، فالمثل أو التمثيل للحوادث من أجل تفسيرها وتفهيمها لسكان الجلفة، كانت وسيلة أبدع فيها المشايخ في كل الفترات وفي العديد من المسائل، حتى أصبحت ميزة يمتاز بها مشايخنا عليهم رحمة الله.
• فهم الشفرة الاجتماعية يعني إدراك خصوصية العرش و العائلة والنسب، وإدراك قواعد التربية والأمر والنهي والوصية ورأي الجماعة ومشورة الكبير وغيرها من حالات اجتماعية وثقافية تحكمت في المجتمع الجلفاوي، أدركها المشايخ فأحسنوا توظيفها خدمة لرسالة التبليغ للدين الحنيف، وتسهيل على الناس إما في السؤال أو حتى في الجواب، وهذا قيمة تضاف إلى آليات الشرح والفهم والاجتهاد والفتية في وسط المجتمع الجلفاوي.
• كان لكل هذا الفهم وهذا الفك الذكي لهذه الشيفرة الأداة الأنسب والأهم في إعطاء الناس مراتبهم، وإن كان للناس (خصوصا من جهل بمقاصد الأمور) آراء في ذلك، إلا أن المشايخ أعطوا للكبير موقعه وللصغير مكانته، وأوضحوا للمسؤول مهمته المجتمعية قبل الإدارية، ونبهوا المقصر إلى تقصيره وأثنوا على المجد والمجتهد في عمله، وأدركوا أيضا كيف يكون كل هذا من دون إضرار أو إسفاف أو كما يقال من دون إفراط ولا تفريط.
الخاتمة:
نصل في الأخير إلى أن أهمية فهم الشفرة أو المعادلة الاجتماعية واستثمارها في برامج الإصلاح والتخطيط واستراتيجيات البناء والدعوة يعد حجر الزاوية بل ومركزها الذي يدفع بهذه البرامج والخطط إلى نتائج ذات أهمية وذات اثر اجتماعي يحقق الغرض المطلوب منها، ويبقى أن أشير إلى نقطة ذات أهمية وهي”أن المعادلة الاجتماعية وفهمها له الأثر في الواقع السياسي كما له الأثر في الفهم الإسلامي الصحيح، وبالتالي فإدراك مفردات هذه المعادلة يحتاج إلى مراكز وإلى مشرفين يمكنهم أن يحققوا هذا الاستيعاب، مما يسهل عملية استثمارها، خصوصا وأنه أصبح متاحا لنا اليوم الكثير من العلوم التي تساعد في هذا الفهم (الأنثروبولوجيا، علم النفس، علم الاجتماع بكل تخصصاتهم)”
وكما افتتحنا بقول لعلم من أعلام الجزائر ، نختم بقول لأحد علماء المالكية وهو “الإمام القرافي” بقوله في ما يتصل بموضوعنا:”… إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك، لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِهِ عليه، وأفته به، دون عرف بلدك، والمُقرر في كُتبك، فهذا هو الحقُ الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلالٌ في الدين، وجهلٌ بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين “.