من الفكرة إلى المشروع أهمية الاستقرار السياسي في الإنتاج والرفاهية
بقلم رياض حاوي
الاستقرار السياسي هو الذي يجعل الإنتاجية ممكنة، ومربحة، ومربحة أفضل من أي طريق يكون في ظل كالفساد والرشوة والتعسف في استعمال السلطة. وإذا لم تتوفر هذه الشروط الثلاثة (ممكنة ومربحة وأفضل من أي الطرق في ظل الفساد) فإن الإنتاجية تصبح ببساطة غير مجدية.
والطريق الصحيح في تحقيق الاستقرار عادة ما يتعلق بسلوك الجهاز الحكومي والإداري، وفيه تظهر أهمية ضبط المنظومة القانونية، وتحسين مستوى جهاز العدالة للفصل في النزاعات، بناء على منظومات قانونية، وليس على المحسوبية والرشوة واستغلال النفوذ. وإلا أصبح العمل على تحقيق الاستقرار مجدي ومربح وأكثر منفعة من الإنتاجية نفسها وهذا ضرب للمشروع في أساسه.
والمنظومة القانونية من شأنها أن تجعل كل سلوك فاسد لا يمكن أن يكون بديلا عن الإنتاجية، وذلك عبر إلغاء كل الحوافز التي تجعل الإدارة والتعسف في استعمال السلطة هو مصدرا للثروة وليس العمل المنتج.
تلعب أيضا حرية المنافسة واستقرار قواعد اللعبة وثباتها بالنسبة لكل المتعاملين والأفراد الداخلين في العملية الإنتاجية، مما يجعل المنظومة الاقتصادية تنتج حوافزها داخليا، فكل من يملك فعالية وإنتاجية أكثر يحصل على منافع من المنظومة الاقتصادية أكثر، وهكذا يصبح هناك معنى للتعب والجهد والبذل والعطاء المستمر وسهر الليالي، لتحسين الخدمة والمنتج والاقتراب أكثر من المستهلك.
دون منافسة حرة ودون استقرار في قواعد السوق من الصعب أن يشعر الفرد بعائد الإنتاجيته، فمن يعمل ومن يتكاسل على حد سواء، وبذلك تنعدم الحوافز الداخلية التي تحث الأفراد على الاجتهاد لأنه ليس هناك عائد إيجابي يذكر من وراء الاجتهاد والسهر والتعب وتحسين الخدمة.
المنافسة الحرة هي التي تسمح بازدهار التطوير والابتكار واكتشاف الطرق الجديدة في مجال تقديم وإعادة إنتاجه بطرق مبتكرة بما يعود بالفائدة على المستهلك النهائي، والمنافسة الحرة هي التي تجعل الموارد البشرية تستعمل في أحسن الشروط.
قد يفقد مهندس عمله في شركة بسبب إفلاسها، ولكن عمله في هذه الشركة المفلسة غير مأسوف عليه؛ لأنه فقد عملا في مؤسسة غير فعالة، ويمكنه أن يجد عملا في مؤسسة جديدة أكثر فاعلية، وبالتالي يكون المجتمع قد استفاد بشكل جيد من كفاءاته الاجتماعية وموارده البشرية بطريقة أكثر فاعلية.
والتربية والتعليم والتكوين المهني والجامعي يعتبر من الاستثمارات العمومية الأساسية التي قامت بها كل الدول الناجحة لأن إنتاجية الأفراد مرتبطة بمهاراتهم العلمية والفنية خاصة إذا تم الربط بشكل جيد بين مخرجات النظام التعليمي وبين متطلبات الحياة الاقتصادية واحتياجاتها العملية من القوى العاملة.
ومن العناصر المشتركة بين التجارب أيضا عنصر الانفتاح التجاري، معظم هذه التجارب جعلت اقتصادها منفتحا على العالم الخارجي، ولو تأملنا قليلا في الانفتاح التجاري سنجده مرتبطا بعنصر المنافسة الحرة.
فالمؤسسات المحلية تكون أكثر عرضة لتحديات قادمة من مؤسسات وشركات عالمية، وهذا يدفعها إلى مزيد من تحسين أدائها وإنتاجيتها حتى تكون قادرة على المنافسة.
وبالعكس كل الدول التي فشلت في تحقيق معدلات نمو مرتفعة كان لها اقتصاد مغلق وتلعب الدولة دورا حمائيا لمؤسسات قليلة الفعالية لم تخضع للأجواء الصحية ولدورات المنافسة اللازمة التي تسمح لها بتحسين أدائها ومخرجاتها الاقتصادية. صحيح أن الانفتاح التجاري يفرض تحديات أكبر ولكن هذه التحديات بالضبط هي التي تجعل الحوافز أكثر فاعلية وبالتالي تؤدي إلى مضاعفة وتحسن في الإنتاجية ككل.
ويكفي أن نعرف أن أي مؤسسة محلية تتمكن من تصدير منتجاتها في السوق الدولي يشعر أفرادها بقيمة مضافة داخليا لأنهم استطاعوا أن يكسروا حاجز العولمة ويخترقوا حدود الشركات العالمية العملاقة ويقتطعوا جزءا من حصتهم السوقية، والمجتمع برمته سيفتخر بهذه الشركة والمشرفين عليها لأنهم استطاعوا أن ينافسوا الكبار على الصعيد العالمي.
ومنطقيا فإن تحسن الإنتاجية سيؤدي في كثير من الأحيان إلى الزيادة في الإنتاج، ومن ثم زيادة في المعروض وانخفاض في الأسعار مما يمكن الأفراد من اقتناء السلع بسعر أقل واقتناء سلع ربما لم يكونوا قادرين على اقتنائها في وقت سابق هاهم اليوم قادرون على ذلك في الوقت الذي يشاؤون وبالكمية التي يرغبون.
وهناك عامل مشترك آخر بين هذه التجارب الناجحة وهو تبني الطرق الناجحة من تجارب الأمم، بمعنى آخر التعلم من تجارب الدول الناجحة وإرسال البعثات الفنية للتعلم في دول أخرى ونقل الخبرات إلى المجتمعات المتحولة وتكييف هذه التجارب مع الحقائق المحلية والظروف التي يمر بها المجتمع ولِمَ لا؟ في مرحلة لاحقة يتم خلق وحدات البحث والتطوير حتى تكون هناك ريادة.
هذه العناصر والشروط ليست بسيطة ولا سهلة التحقق وتحتاج إلى مهارة وقيادة واعية، ولكنها تبدو هي العناصر التي نجدها تتكرر في مختلف التجارب التنموية التي حققت نجاحا كبيرا في الخمسين سنة الأخيرة، بغض النظر عن كل نقاش أيديولوجي وإقحامات ديماغوجية تترك الجوهر وتهتم بالمظهر.
صحيح ليس هناك ثقافة واحدة أكثر تكيفا مع متطلبات التنمية والتطور، وعادة تحصر في العلمانية الغربية وتفريعاتها، والدليل هنا في تجربة النمور الأسيوية. وصحيح أيضا أن هناك أكثر من سبيل وطريق واستراتيجية للتطور الاقتصادي، فالأمر لم يعد محصورا في التجربة الأوروبية كنتاج للثورة الصناعية وتجارب جنوب شرق آسيا قدمت لنا هذا الزخم التاريخي وتجارب حية جعلتنا نشاهد كيف انتقلت شعوب من الفقر والأمية والجهل والمعيشة الضنك إلى مجتمعات تنعم بالرفاه وبكل منتجات الحضارة المعاصرة وأسرع حتى من نظيرها الأوروبي الذي بدأ يتخلف عنها وهي تتصدر مواقع الريادة.
وإذا كان هناك درس أساسي نستخلصه هو أن خلطة النجاح لم تكن بالضبط نتيجة تبني خيار اقتصاد السوق والليبرالية المطلقة (المتوحشة) ولم يكن نوعا من المركزية والتخطيط الحكومي بل كان مزيجا منهما معا بدرجات متفاوتة، وتفاعل مستمر بين الحكومة والقطاع الخاص وشراكة دائمة من أجل الصالح العام.
ورأس كل ذلك هو الاستقرار السياسي ومنظوماته القانونية والأخلاقية.