الـــقــضــية الفلسطيــنــيــة: اليونسكو.. أول صوت- الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال
هو صوت الحق إذن: أول صوت يرفع في وجه الصهاينة المحتلين لفلسطين بعد ثمانية وستين عاما مضت عن ذلك القرار المشئوم الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة…القرار الذي يعرف الجميع بما في ذلك أولئك المصوتين عليه داخل قاعة الجلسات، ولكنهم صوتوا إما خوفا أو طمعا.. لقد صوتوا بمعزل عن ضمائرهم، فكان ما كان من غرس بذرة الشر الأولى في المنطقة العربية التي أرادتها القوى الإمبريالية الكبرى منطقة لتجريب أسلحتها التي تصنعها على مدار السنوات وتنفيسا لبركان الحرب الكونية الثالثة المخيفة للجميع.
لا يهم، المهم أن الأمم المتحدة التي كانت في السنوات الأولى التي تلت الحرب العالمية الثانية كانت محدودة من حيث عدد المنخرطين لأن بلدانا كثيرة لم تكن مستقلة، وكذلك التركيبة الهرمية والهيكلية الحالية لم تكن قد اكتملت بعد بمنظمة “اليونسكو” مثلا لم تؤسس وإن أسست ولكنها لم يصل حجمها إلى ما هو عليه ولا عدد الأعضاء أيضا، فمنظمة “اليونسكو” بالنظر إلى تركيبتها ومحتوى نشاطاتها بالضرورة هي وعاء للفكر والثقافة والعلوم، يعني أن الذي أملوا في البداية على أولئك الدبلوماسيين الأوائل التصويت على قرار إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بتلك الصيغة الظالمة لم يكونوا يدركون أن التنظيمات الفرعية التي لابد أن تكون داخل الأمم المتحدة ستكون من بينها منظمة التربية والثقافة والعلوم التي سترفع صوتها ذات يوم ضد العدو الصهيوني وتقول له إن ما تقوم به في فلسطين وفي القدس وفي المسجد الأقصى جريمة في حق التراث الإنساني.
إنه صوت الحق الذي هو صوت العقل وصوت الضمير الذي هو تركيب منطقي لمجموع القيم الأخلاقية السامية النبيلة التي توارثتها الإنسانية منذ وضع الإنسان قدمه على أولى عتبات الحضارة.
لقد غاب عن عقول السياسيين الإمبرياليين، أو ربما تجاهلوا ما يمكن أن يصدر ذات يوم عن منطقة ساهموا في تأسيسها كفرع للأمم المتحدة من قرارات حتى وإن كانت في بدايتها ضعيفة التأثير في الرأي العام العالمي الذي تسيطر عليه الآلة الإعلامية العملاقة التي تتحكم فيها بقوة أذرع الصهيونية العالمية المرتبطة ارتباطا عضويا بالإمبريالية العالمية التي نراها في هذه الأيام مكشرة على أنيابها في الوطن العربي، وبالضبط في المنطقة المحيطة بأرض فلسطين التاريخية، وقد وصلت إلى حدّ عقد اجتماعات تحضيرية لما يمكن أن يستجد في سوريا على ضوء وقوف الاتحاد الروسي في وجهها مدافعا عن وحدة سوريا وإفشال الصيغة الجديدة لاتفاقية “سايكس بيكو” وإعادة تقسيم المنطقة وفق هوى الصهيونية والإمبريالية.
الغريب ألا يعلق ولا يلاحظ المتتبعون لما يجري من تناغم واضح بين ممارسات العدو الصهيوني في فلسطين وممارسات التحالف الغربي والدول العربية السائرة في فلكه، وألا ترتفع أصوات من إعلاميي المنطقة لكشف المؤامرة الدنيئة التي حيكت ضد شعوب المنطقة عامة والشعب الفلسطيني خاصة، ربما لأن الإعلاميين العرب انجرفوا بفعل العولمة وارتاحوا داخل القنوات الفضائية الكثيرة التي وفرت لهم ما تشتهي أنفسهم من الأجور والشهرة فانساقوا رغبًا ورهبًا وتجاهلوا ما يرون يوميا، وإذا كان هناك صوت حرّ حاول أن يرتفع فلا يجد مجال له وسط الكثرة من الناعقين والناعبين من الطامحين والطامعين.
صوت الحق علا في منظمة التربية والثقافة والعلوم وحكومة الكيان الصهيوني غضبت غضبا شديدا ولكنها لم تفعل شيئا واكتفت بمقاطعة المنظمة؛ مثلما فعلت ذات يوم كافلتها وراعيتها ومرضعتها الولايات المتحدة الأمريكية التي قاطعت هذه المنظمة لمدة ست سنوات ثم عادت وواصلت ودفعت اشتراكاتها لكن دولة إسرائيل ليست دولة أمريكا التي بدأت فعلا تضيق ذرعا بممارسات الحكومة الصهيونية، بقي أن ننتظر، هل تتدخل الولايات المتحدة في الجمعية العامة القادمة للأمم المتحدة لنجدة إسرائيل أم تتركها وشأنها ما دامت تواصل ضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية في ممارساتها في الأراضي المحتلة وبالضبط في مدينة القدس وفي المسجد الأقصى.
كل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية التي انفردت لمدة عشرين سنة برعاية المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وانتهت إلى التأكد بأن الحكومة الإسرائيلية لا تراعي إطلاقا مشاعر المسئولين الأمريكيين وهم يفضحون يوميا من طرف دولة الكيان الصهيوني ويسيئون لسمعة وهيبة الدولة الأكبر في العالم إلى درجة فقدانها لمصداقيتها واحترام حلفائها في المنطقة بسبب التعنت الصهيوني وإفشالهم لكل مخططات السلام المطروحة.
البداية من طرف منظمة التربية والثقافة والعلوم والمسار سيتواصل إلى منظمات فرعية أخرى، ونهاية المطاف سيكون في منح العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية من طرف الأمم المتحدة في القادم من الأيام.