مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

قراءة في كتاب السنة أولى ابتدائي الجيل الثاني أولا: التدريس والنماذج التربوية

الدكتور: عمار قاسمي
444
صنفت علوم التربية تصنيفا أوليا إلى ثلاثة أقسام
1-علم التدريس (الديداكتيك)، وهو نوعان عام وخاص.
2-علم البيداغوجيا
3-علوم التربية مثل: التربية الخاصة والعامة والتطبيقية…إلخ.
وهذه العلوم متعاضدة متداخلة فيما بينها؛ إذا نُظر إليها في جانبها النظري النموذجي سميت علوما، وإذا انتقلت إلى التطبيق الميداني أصبحت فنونا، لأن كل أستاذ وكل مؤسسة تجتهد في استخدام آليات وطرق معينة في التطبيق، تتدخل فيها عدة عوامل؛ كالجدية والإبداع… والتوجهات الفكرية والعقدية… إلج، لهذا نلمس هناك تفاوتا بين كفاءات الأساتذة والمؤسسات التربوية في الممارسة والتسيير.
وبما أن التدريس هو محور العملية التربوية، فإنه يجب أن لا يقتصر على التلقين ومساعدة الطلاب على تحصيل العلوم والفنون فقط، بل أنه يتعدى إلى تربية شخصيتهم في جميع جوانبها، ويعمل على تكوينهم عقديا ونفسيا وأخلاقيا واجتماعيا وجسميا…إلخ، لتيسير اندماجهم في المجتمع.
ولا يمكن أن يخامرنا شك بأن تراثنا –القديم والحديث- زاخر بنظريات عديدة في التربية والتدريس، تغافلت وزارة التربية والتعليم عنها تماما، في بناء منظوماتنا التربوية، ولجأت إلى النماذج والنظريات التي صاغها علماء التدريس في الشرق والغرب دون فحص أصولها العقدية وامتداداتها المعرفية وأطرها المنهجية، بل لجأت مباشرة إلى تطبيقها على أبنائنا، لتظهر النتائج فيما بعد.
فأصبح الشعب الجزائري حقل تجارب لهذه النماذج المستوردة؛ فقد استعارت الوزارة نموذج.. ثم نموذج التدريس بالأهداف (السلوكي) … ثم ثم… وأخيرا نموذج التدريس بالكفاءات (البنائي)..
ودون سابق إنذار يتلقى المدرس تكوينا سريعا لتطبيق هذا النموذج، دون فهمه لا من المكون (المفتش) ولا من المتكون (الأستاذ) ولا من التلميذ، وتجري الدورات التكوينية والندوات التربوية بسرعة وبشكل عشوائي، وعلى درجة من الغموض، والجزافية والحرفية، نظرا لغياب مراكز تجميع خبرة الأساتذة والمخابر التربوية.
لهذا لا يكفي الرفض أو القَبُول أو التشكيك في النوايا، بل يجب أن تقام هناك دراسات علمية إيبستيمولوجية لهذه النماذج، فمن المفترض أن يكون في كل مؤسسة تربوية عمارة خاصة بالأساتذة مزودة بمكاتب يتم فيها تجميع الخبرة التربوية لأساتذة كل مادة وملاحظاتهم حول سلوك التلاميذ والبرامج وكل ما يتعلق بالمادة التربوية، يستفيد منها الأساتذة الجدد وتعتبر قاعدة لتكوينهم، كما تستفيد منها الوزارة، من خلال إنشاء مخابر تربوية على مستوى كل ولاية، يتم فيها تجميع كل الخبرات وكل الملاحظات والاقتراحات (لكل المؤسسات) سواء كانت إدارية أو بيداغوجية، أو تعليمية أو تربوية، ومن هذه الدراسة المخبرية، تجد الهيأة الوطنية للتربية والتعليم المادة الأساسية لبناء النظريات والنماذج التربوية، وفي المخابر أيضا يمكن للوزارة الوصية أن تعين فرق بحث مختصة لتجريد النماذج سواء من التراث أو من الكتب المدرسية، وهذه النماذج في النهاية تصفى وتختبر ويتم تطبيقها، ولا يمكن الشك في فشلها أو عدم توقع ما ينتج عنها من سلوك، لأن أهم سؤال في المنظومة التربوية هو: ما هو أنموذج الإنسان الذي نصنعه حتى يكون عضوا فاعلا وفعالا في المجتمع؟
فالقراءة –إذن- ثلاثية الأبعاد؛ قراءة في التراث لاستخراج النظريات والنماذج التدريسية التي اعتمدها أسلافنا مثلا (المدرسة الباديسية) للإفادة منها والكشف عن أبعادها وكيف استطاع أسلافنا أن يكوّنوا الطلاب عقديا ومعرفيا وأخلاقيا وعلميا.
ثم قراءة النماذج الحديثة من أجل تأصيلها بمختلف الآليات التراثية، وفي نفس الوقت الإفادة منها بما فيها من مستجدات في علوم التدريس والتربية.
ثم الاستفادة الميدانية من خبرة المعلمين والأساتذة، فلا يعقل أن يمضي أستاذ 30 سنة من عمره ثم يخرج إلى التقاعد دون أن يترك خبرته للأجيال الجديدة من الأساتذة. وهنا يتدخل دور الدولة الذي يتمثل في توفير المخابر عبر الولايات –أو على الأقل جهوية- وتوفير الجو الملائم لأهل الاختصاص حتى يعتكفوا على دراسة هذه النماذج والخروج بنموذج مثالي يجمع بين التراث وما وصلت إليه علوم التربية من مستجدات هذا من جهة.
ومن جهة أخرى توفير الجو الملائم للمدرس (المعلم والأستاذ) حتى يكرس كل مجهوده لتحضير الدروس، وبرمجة النشاط التعليمي، والتخطيط وصياغة الأهداف والوضعيات المشكلة، واختيار ما يناسبها من طرق وأساليب للتقييم والتقويم.
كما يتطلب الأمر توفر المدارس على العديد من الشروط المادية والأجواء المعنوية الملائمة، وأن تكون الأطر التعليمية قد هيئت علميا ومهنيا بما فيه الكفاية حتى تساير تلك المستجدات وتحافظ على عناصر الهوية.
فالمسألة ليست في قبول النماذج أو رفضها أو التشكيك، بل المسألة تكمن في الدراسة العلمية المزدوجة لإنتاج نماذج تنبع من إسلامنا وتاريخنا ووطننا وحضارتنا، بدلا من استيراد نماذج لا نعرف إلى أين تقود العباد والبلاد.
إذن يحق لنا أن نتساءل: أين يكمن الإصلاح في المناهج المعروضة؟ هل فعلا تمت دراسة المجتمع الجزائري في بيئته وتاريخه وجوه الذي ألفه، وخرجت هذه المناهج من رحم هذا المجتمع ومن هويته ومن تاريخه؟
إذا كان الذكاء يتبع دائما حال النفس، فإذا ما فقدت النفس فطرتها فقد الذكاء عمقه، أين البعد الروحي في مناهجنا؟ أين هزة القلب التي تحيي الشعور بالأمة الواحدة والشعور بالوطن والشعور بالأسرة والشعور بالنفس؟
هل استطاعت المناهج أن تحقق يقظة قلبية؟ وتحدد الواجب بعد هذه اليقظة؟
ما هي الأسباب الحقيقية لاختلال حركة التقدم النفسي والأخلاقي عند تلاميذنا؟
لماذا أصبح المنهاج ليس عامل من عوامل النشاط بل عامل من عوامل الشلل؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يجب أن نقف عند العوامل الكبرى التي تنبني عليها العملية التربوية وهي: المفاهيم، الصور، الأمثلة، المناهج، القدوة،… إلخ
ثانيا: المفاهيم التربوية وأسباب العبث بها
المفهوم كائن حي يولد ويتغذى وينمو ويتطور ويثمر فيؤتي أكله كل حين بإذن ربه إذا كان طيبا، ويسبب البلبلة اللغوية والفكرية والعقدية إذا كان خبيثا، المفهوم الطيب أصله ثابت وفرعه في السماء لأنه يستمد جذوره من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، أما المفهوم الخبيث فقد اجتث من فوق الأرض ما له من قرار، لأنه يستمد جذوره من الديانات المحرفة، وبما أن الحياة لا تحلل الظواهر وإنما تركبها، فإن المفهوم إذا خضع لشروط حياة منسجمة ينمو منسجما في بيئته، فينتج إنسانا منسجما ومجتمعا منسجما وأمة منسجمة، أما إذا دخلت عليه عناصر لا تنسجم وشروط حياته ينمو المفهوم معتوها ملفقا، فينتج إنسانا ملفقا ومجتمعا ملفقا وأمة ملفقة معتوهة لا تعرف مبدأها ولا منتهاها.
المفهوم الطيب يبني؛ فيتدرج من بناء الشعور بالنفس إلى الشعور بالأسرة ثم الشعور بالوطن، حتى يصل إلى الهزة القلبية التي تحقق الشعور بالأمة الواحدة، أما المفهوم الخبيث فيهدم ويتدرج من هدم الشعور بالأمة الواحدة إلى هدم الشعور بالوطن ثم هدم الشعور بالأسرة إلى أن يصل إلى هدم الشعور بالنفس أو ينتقل العكس فيهدم الفطرة السليمة لتنهدم باقي الدوائر تباعا، فكما تحصل عملية اغتيال جسدية للأطفال بين الفينة والأخرى، فإن هناك عملية اغتيال أخرى أشد فتكا وضراوة هي اغتيال الجانب الروحي والفكري، حين تتم استعارة مفاهيم ومناهج ونماذج تربوية، دون فحص أصولها المعرفية والعقدية وأطرها المنهجية وامتداداتها الواقعية؛ فعدم تأصيل المعارف والمناهج المستعارة يستلزم التشتت المعرفي وهذا يؤدي إلى اضطراب القيم الأخلاقية فيحصل الكف عن تعديل شروط الحياة فيكف عن التفكير في التعديل فيقع في التقليد.
أما تأصيل المعارف والمناهج المستعارة فيستلزم التكامل المعرفي الذي يؤدي به إلى تكامل القيم الأخلاقية فيعدل شروط الحياة ويبدع وسائل التعديل فيمتد الإبداع إلى شتى الميادين، وهذا هو الإصلاح.
والمعهد الوطني لتكوين مستخدمي التربية وتحسين مستواهم، لم يحترز في استعارة نماذج بناء المفاهيم من المنظومات التربوية الغربية والشرقية، ولم يكلف نفسه عناء التأصيل، فوقع في الخلط بين الأسباب المضمونية الداخلية (المنطق الداخلي) والأسباب المضمونية الخارجية، وجعله ينتج منهاجا إما يختزل فيبسط إلى درجة تنمية ذهان السهولة، أو يعقد إلى درجة تنمية ذهان الاستحالة، فيؤدي إلى انعدام الرابط المنطقي الجدلي بين الفكر ونتيجته المادية فيقود إلى إنتاج إنسان عاجز عن التفكير والعمل، إما ينتج فكرة لا تتحقق وإما يقوم بعمل لا يتصل بأي جهد فكري، فإذا كانت سياسة الاستدمار قد نجحت في عزل الحكام عن شعوبهم، فإن الجيل الثاني يسعى لأن يعزل التلميذ عن معلمه من خلال استبداله بأبيه، ثم عزله عن أبيه من خلال استبداله بصديقه، ثم عزله عن الكل ليتحرر من كل شيء فتسهل عملية استغلاله بواسطة الوسائل الرقمية.
ثالثا: صورة من العبث بالمفاهيم
4

الكتاب المدرسي سواء الجيل الأول أو الجيل الثاني لا يخلوا من هذه الآليات في التعامل مع المفاهيم، فكتاب السنة الأولى ابتدائي الجيل الثاني مثلا، استخدم آلية استبدال المفاهيم الطيبة بالخبيثة، من خلال التطفيف في المفاهيم الطيبة والزيادة في المفاهيم الخبيثة ثم الخلط بينهما منذ الصفحات الأولى، فنجده يعرض في غلاف الكتاب صورة طفل سيُسمِّيه –فيما بعد- أحمد في يده الكتاب المدرسي ويشير بيده اليمنى بالتحية التي يعرفها العامة (باي)، إلى جانب طفلة سيسميها الكتاب خديجة وهي ستظهر على أنها أخته، بجانبها الأدوات المدرسية، وخلفهما صور لمباني تعكس ثلاثية الكتاب؛ اللغة العربية التي يعبر عنها مبنى يبدو أنه مدرسة بجانبها أشجار جبلية، والتربية الإسلامية عبر عنها بمبنى بمثابة مسجد بجانبه نخلة، والتربية المدنية التي ربطوها بمبنى يبدو أنه قصر العدالة، والكتاب ملون بالأخضر البندقي تعلوه أربع سحابات وسط ثمانية نجوم.
سيبدو الأمر عاديا جدا للوهلة الأولى خاصة أن الكتاب بألوان زاهية، وأحمد وخديجة يبتسمان ابتسامة عريضة، ووجنتيهما موردتان من شدة الفرح، لكن الحقيقة أن الكتاب كله مشروع لهدم عقيدة الأسوة (القدوة) الحسنة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾(الأحزاب: 21) الذي هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، من خلال قلب جميع المفاهيم التي تصب في هذه العقيدة والعبث بها.
وسنلاحظ تباعا –في دراسة صفحات الكتاب صفحة، صفحة- كيف يتم تسليط آليات دقيقة للقيام بهذه العملية الأساسية (هدم عقيدة القدوة الحسنة)، فغلاف الكتاب يفاضل بين علوم ثلاث؛ (اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية المدنية) ويربط كل علم بمؤسسة وكأنه يريد أن يفصل بين العلوم، كما فصل مونتيسكيو بين المؤسسات الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، فقد كنا في الثمانينيات لدينا كتاب واحد يسمى كتاب القراءة امتثالا لأول آيات نزلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم تحث على القراءة.
وأحمد يحتضن الكتاب الجديد ويودع بتحية (باي)؛ لكن ماذا يودع؟ سيظهر من خلال الكتاب بأن أحمد سيودع دينه ونبيه ومعلمه وأهله وسيرمي بنفسه في عرض البحر لأنه يمارس السباحة، ليذهب إلى الضفة الأخرى حتى يلعب كرة القدم التي يهواها، أما خديجة التي لم تظهر في الكتاب ممارستها وهوايتها وبقيت مجهولة، قد تتشبث بالأدوات المدرسية التي تظهر في غلاف الكتاب، وتجتهد وتنجح لتصبح في المستقبل أحمد، لأنها طالما كررت بأنها ((أنا اسمي أحمد، عمري ستة سنوات، أمارس السباحة، وأهوى كرة القدم)، لكنها ستسبح في وطنها وحدها وتصارع الأمواج حتى يمر قطار العمر وهي لم تدرك من هي أذكر أم أنثى، لأنها ستصاب بسرطان المفاهيم الذي يعمي بصيرتها، ويجمد فكرها ويحصره في بوتقة يجعلها كالأنعام بل أظل سبيلا.

1-سرطنة المفاهيم من خلال آلية استبدال المفاهيم الطيبة بالخبيثة وهدم عقيدة القدوة الحسنة
5

في الصفحة 08 –أي صفحة بداية الدروس- يظهر أحمد مرة أخرى بنفس الإشارة الموجودة في غلاف الكتاب وهي هنا ((مرحبا بكم))، يحيط به مجموعة من الأطفال يبدو أنهم يعكسون التنوع الموجود في الجزائر، وربما يعكس تنوع الأقاليم السبعة في الكرة الأرضية فاحدهم أصفر، وآخر أشقر، وهذا أسود، وآخر ضرير…إلخ، وكل هذا وسط السحاب والنجوم، وكأنه ليس على الأرض.
والحقيقة أن هذه الصورة التي تبدو في الفضاء تخاطب العقل الباطن، وتضعه في مجموعة من المواقف أهمها:
الموقف الأول: التناقض؛ فأحمد يودع ويرحب في الوقت نفسه، لأن يده تشير بتحية الوداع (باي) التي تعني (أتركك في رعاية البابا)، والمكتوب “مرحبا بكم” فهو يرحب بكل الأجناس، وستظهر أهمية هذا التناقض وفاعليته حين يتعرف على الشابكة العنكبوتية.
الموقف الثاني: غياب تحية الإسلام وهي ((السلام عليكم))، وتعويضها بـ((مرحبا بكم))، والصورة تبين الترحيب بكافة الأجناس دون ضابط أو قيد أو شرط.
2

في الصفحة 09 ورد عنوان كبير ((أحمد يرحب بكم)) ثم عنوان فرعي ((ألاحظ وأعبر)) يظهر الأهل، مجتمعون في غبطة، على مائدة فوقها كعك ومزهرية صغيرة بها نبتة، يحملون كؤوسا فيها مشروب مجهول الهوية لأنه لا يوجد فوق المائدة ما يدل على نوعه.
والأهل يتكونون من الأم المعلمة تلبس فستانا قبائليا برتقاليا، والأب النجار قميصا أزرقا، وأحمد قميصا أزرقا وخديجة فستانا ورديا، يجلسون جميعا على أريكة حمراء، يتناولون الكعك ويشربون المشروب، وراءهم في الجهة اليسرى مزهرية كبيرة، وفي الوسط إطار به صورة غير واضحة، وفي الجهة اليمنى حقل معشوشب تطل منه رؤوس قردة، والصورة كلها وسط السحاب والنجوم، فهي الأخرى تخاطب العقل الباطن..
ماذا سيلاحظ الطفل؟ وماذا سيقول له المعلم؟
أولا: سيحصل اختلاف وخلط كبير حول مفهوم “الأهل”، فالقرآن الكريم يستخدم هذا المصطلح “أهل”، بينما سنجد البعض يستخدم “العائلة” الذي يرتبط بالفقر والفاقة، والبعض سيستخدم مصطلح “الأسرة” الذي يحمل دلالته التاريخية الغربية.
ثانيا: سيتعلم الشرب، شرب القهوة إذا قال له المعلم بأن ذلك المشروب قهوة، أو الشاي إذا قال له بأنه شاي، أو …إلخ لأن المشروب مجهول.
ثالثا: الألوان الأساسية في الصورة هي الأزرق والأحمر.
من ملاحظة صورة الأهل، ينتقل الكتاب بالتلميذ إلى مرحلة التعبير والبناء، ((أعبر وأبني)) “أنا اسمي احمد، عمري ست سنوات، أمارس السباحة وأهوى كرة القدم”، لكن ما علاقة هذا التعبير والبناء اللغوي بالصورة؟
أولا: تُعلم التلميذ الاختزال وعدم الرؤية وعدم الدقة، لأنه سيرى نفسه فقط إذا كان ذكرا، وإذا كانت أنثى سترى نفسها ذكرا، أما باقي المشهد فسيُغشى عليه، فلا يرى لا أبوه ولا أمه ولا القردة التي تطل من المنطقة المعشوشبة….
1
ثانيا: تعلمه الأنانية، يصبح التلميذ لا يرى إلا نفسه.
ثالثا: تهدم مفهوم “الأهل” في عقله الباطن.
رابعا: تجعله لا يشعر بالنعم.
في الصفحة 10 يبدأ التلميذ القراءة: في الحقيقة أن التلميذ لا يعرف قراءة الكلمات والألفاظ لأنه لم يبلغ درجة التجريد بعد، بل يقرأ الصور، فالمعلم سيكتب له الجملة: ((أنا اسمي أحمد)) بينما التلميذ سيقرأ بعقله الباطن صورة أحمد وهو يحمل الكرة، فيربط لا شعوريا بين الجملة التي يسمعها والصورة التي يراها، فتتحول الجملة إلى: ((أنا اسمي كرة)) في عقله الباطن.
3
فهناك حركة تاريخية تبدأ بالكرة، فتنفق الأموال وتحشد الحشود في سبيل هذه اللعبة، ويصبح ليس أحمد فقط هو الكرة وإنما التاريخ هو الكرة، والتفكير كرة، ويصبح الإنسان يدور في حلقة مفرغة مثل الكرة، وتصبح الكرة ضرورة تاريخية تمثل الهوية والوطنية وتمثل مدار معركة الوجود البشري بل تصبح هي الذات ذاتها.
هذا هو في الحقيقة الاكتشاف، سيكتشف التلميذ بأنه كرة، وأكثر من ذلك يكتشف أن “أهله” قد تفككوا واحدا، واحدا، فكل عنصر في مربع مغاير، ويثبت في الأخير ((بابا إلى جانب خديجة وماما إلى جانب أحمد)) حسب نظرية فرويد التي ستظهر في الصفحات الآتية.
والمهم هنا الوقوف عند موطن الداء، وهو الكشف عن كيفية استبدال المفاهيم الطيبة بالمفاهيم الأخرى، فأحمد الموجود في الكتاب المدرسي استبدل بأحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وخديجة الموجودة في الكتاب المدرسي استبدلت بخديجة أولى زوجات المصطفى، والأب النجار الموجود في الكتاب المدرسي سيذكره بالنبي عيسى عليه السلام الذي كان نجارا في أرض الجليل، والأم المعلمة سيكتشف التلميذ حين يكبر أنها صورة الفرنسية مادام ماري توسو صانعة تماثيل الشمع، وفي الصفحات الآتية للكتاب سيظهر بلال وسيعرفه احمد بجده وجدته…إلخ.
وحتى يتضح الأمر أكثر نرسم الجدول التالي، الذي يبين المفاهيم الأصيلة والمفاهيم التي سيرسخا الكتاب المدرسي -من خلال الصور أعلاه- في العقل الباطن للتلميذ :
أحمد الرسول صلى الله عليه وسلم أحمد الكتاب المدرسي
-أحمد صلى الله عليه وسلم يحمل كتابا واحدا لا ريب فيه هو القرآن الكريم.

-إلى جانبه زوجته خديجة التي آنسته وعضدت دعوته وكانت له معينا.

-المصطفى يلقي السلام وهي تحية الإسلام على من اتبع الهدى وخشي الرحمن بالغيب.
-المصطفى يمارس الدعوة إلى الله ويسعى إلى إخراج البشرية من الظلمات إلى النور.
-أمه توفيت وهو صغير وأرضعته حليمة السعدية.
– أحمد صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها كل يؤدي دوره المنوط به.

-…..إلخ
-أحمد الموجود في الكتاب يحمل الكتاب المدرسي الذي يفصل بين العلوم: اللغة العربية والتربية الإسلامية والتربية الدنية وفيما بعد التربية العلمية والتكنولوجية، والحقيقة أنها كلها علوم إسلامية
-إلى جانبه خديجة أخته التي ستكون غريمته في اقتسام الأدوات المدرسية واقتسام الأبوين…
-أحمد هنا في الصورة يرحب بجميع الأجناس والألوان دون أي ضابط.
-أحمد يمارس السباحة ويهوى كرة القدم.

-أمه معلمة تشبه ماري تيسو صانعة التماثيل الشمعية.
-في المدرسة سيكرر كل من الذكور والإناث: أنا اسمي أحمد عمري 6 سنوات أمارس السباحة واهوي كرة القدم فيصبح الإناث ذكورا، فيضطر الذكور ليتحولوا إلى إناث.
-…..إلخ

هذه صورة من العبث بالمفاهيم.

9

2- سرطنة المفاهيم من خلال التطفيف في مفهومي العبادة والإحسان
العنوان الرئيسي: ((أحب ديني)): أقترح أن يُستبدل لفظ “الدين” بلفظ “الإسلام” لأن لفظ الدين يحتاج إلى توضيح حتى يعرف التلميذ أن الدين عند الله الإسلام، وإلا أصبح لفظا مفتوحا يقبل دخول العقائد الأخرى مثل اليهودية والنصرانية، قال تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (الكافرون: 06).
العنوان الثاني: ((أطيع والديَّ))، أقترح أن يُستبدل لفظ “أُطِيع” بلفظ “أُحْسِنُ” للمبررات التالية: أولا: الجزء من الآية الواردة في نهاية النص وهي: وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا هي في الحقيقة مقتطعة من الآية رقم 24 من سورة الإسراء، والتي هي تكملة لموضوع بدأ في الآية رقم 25 وهو “العبادة” و”الإحسان”، قال تعالى: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (الإسراء: 23-24)، فالطاعة شيء والإحسان شيء آخر.
ثانيا: إذا كان الوالدين أحدهما أو كلاهما منحرف، أو غير مسلم، أو أنه يأمر ابنه بسلوك منحرف يخالف أوامر الدين الإسلامي ونواهيه، هل يطيعه الابن؟، بالطبع لا، ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))، لكن على الولد أن يحسن إلى والديه مهما كانت الظروف.
العنوان الثالث: ((ألا حظ وأعبر))، ماذا يلاحظ التلميذ وهو ابن الستة سنوات، في هذه الصورة:
1-الأب منفصل عن الأم.
2-الأب يحتضن البنت بحرارة داخل غرفة، والولد يقبل يد الأم وهي مغمضة العينين في مكان مفتوح.
قد يبدو الأمر عاديا وبسيطا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة ينطوي على الأمور التالية: أولا: يرسخ نظرية فرويد في تحليل اللاشعور، التي تنطلق من مسلمة “الليبيدو” الجنسية، وهي: “ميل الطفل إلى الأم، وميل البنت إلى الأب”، وتتكرر هذه الصورة في الصفحة 81.
ثانيا: ينزع صفة الأمومة والأبوة ويجعل التربية قسمة متساوية بين الأم والأب، يعني أن الأم إضافة إلى تربية الأبناء فهي تمنحهم العطف والحنان، لكن الصورة تجعل الأبوين يقتسمان الأبناء في التربية، أي أن الأب يأخذ جزءا والأم تأخذ جزءا آخر بالتساوي.
ثالثا: الأب يمنح البنت العطف والحنان، والابن يعترف بالجميل لأمه بتقبيل يدها، لأنها تعطيه المصروف اليومي، لكي يشتري الكرة وما يستلزم ذلك من ماء وعصير.. ولكي يذهب إلى المسبح الذي يهواه.
45
رابعا: الصورة تهدم التسلسل الهرمي للأسرة، وتساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
العنوان الرابع: ((أستنتج))، وردت النتيجة في أمرين: الأول: أطيع أبي وأمي لأنهما ربياني وتعبا من أجلي. والثاني: أتحدث مع والديَّ بأدب.
وهذه النتيجة تنطوي على ما يلي:
1-ما دام الأبوين تعبا من أجلي وربياني يجب أن أطيعهما مهما كان الأمر.
2-فإذا حدث أنهما لم يربيان ولم يتعبا من أجلي فلا طاعة لهما.
3-طاعة الأبناء للآباء مرتبطة بالتربية والنفقة فقط.
4-النتيجة الحقيقية من طاعة الأبناء للآباء هي الحديث بأدب.
العنوان الخامس: ((أَحفظ))، ختم المشهد بقوله تعالى: وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وهو جزء من الآية 24 من سورة الإسراء.
هذه النتيجة النهائية تنطوي على ما يلي:
1-فجأة كبر التلميذ وأصبح يدعو لأبويه بالرحمة لأنهما ربياه لما كان صغيرا، فإما أنهما كبرا وأصبحا شيخين، وإما أنهما توفيا( )، وهذا يتناقض مع الصورة.
2- عدم وجود علاقة بين النتيجة الأخيرة –التي هي المحفوظة- وبين الموضوع المحوري وهو طاعة الوالدين.
الخلاصة
مما سبق تتضح الأمور التالية:
1-تغييب المفهوم المظلة الذي هو مفهوم العبادة (التوحيد المفهوم المحوري).
2-تَغْييب المفهوم القرآني المحوري الثاني الذي يحدد علاقة الأبناء بالآباء وهو الإحسان، والذي يتضمن كل المفاهيم الفرعية، كأدب القول وأدب الفعل والدعاء بالرحمة، والطاعة فيما يرضي الله…
3- عدم بيان حدود الطاعة، وجعلها طاعة عمياء.
4-غموض مفهوم الطاعة، فالتلميذ يستنتج أن الطاعة هي: ((الحديث مع الوالدين بأدب)).
5-غياب التسلسل المنطقي في عرض المفاهيم وعلاقتها بالصورة.
6-الخلط بين مفهوم الطاعة ومفهوم الإحسان.
7-تجزئة مفهوم الإحسان وحصره في مفهوم الطاعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى