ولقد كرمنا بني آدم


الإنسان أرقى مخلوقات الله في هذه الأرض، فقد كرمه الله بما جعله أهل لتحمل المسؤولية عن نفسه ومجتمعه، وسائر الإنسانية: كرمه بنعمة العقل الذي يميز به الخير من الشر والهدي من الضلال، وكرمه بنعمة الإرادة التي تجعله مسؤولا عن كل ما يأتي وما يدع، ويتحمل نتيجة عمله أو تركه، وكرمه بالاستعدادات الهائلة التي يست طيع أن يبلغ بها في هذه الأرض الكمال المقدر له في الحياة، وكرمه بالقدرة على أن يغالب نوازع الشر ودوافع الإفساد، ويختار طريقه ويوجه حياته كيفما شاء، وكرمه بخلقته على تلك الهيئة وتلك الفطرة التي جمعت بين الروح والمادة، بين السماء والأرض، كرمه بتلك الحفاوة البالغة التي استقبله بها الوجود، بذلك التقدير العظيم الذي حظي به من الملائكة حتى سجدت له، وكرمه بإعلان هذا التكريم وهذا التقدير في كتابه السماوي الخالد:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70].
وواضح أن الحمل في البر والبحر لا يتم إلا بتسخير النواميس الكونية، وجعلها تتلاءم وطبيعة الحياة الإنسانية، وما أعد فيها من الاستعدادات، فكل ما في الوجود مسخر لهذا الكائن البشري المكرم.
أما الطيبات التي كرم الله بها الإنسان فإنها أكثر من أن تحصى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[النحل:18]، والإنسان غافل عن أكثر هذه النعم بالتعود عليها، ولا يدرك قيمتها ولا يعرف أهميتها إلا عندما يفقدها أو يحرم منها:
هذه الصحة، هذه القدرة، هذه الحواس المختلفة، هذه العافية، هذه السلامة، هذا العقل، وهذه الشمس، وهذا الماء، وهذا الهواء، وهذه المناظر، وهذه المطاعم، وهذه المشارب، وهذه الأرزاق، وهذا الكون الفسيح الأرجاء…
تلك مكانة الإنسان في نظر الإسلام وذلك تقديره وتكريمه له، فأين منه تلك الآراء الفلسفية وتلك النظريات المادية التي تعتبر الإنسان حشرة حقيرة لا وزن لها، وقردا تطور حتى تحول إلى هذه الصورة.
إن الإسلام قد رفع من قيمة الإنسان وجعله موضع الاعتزاز والتقدير…وتلك المكانة دعاه خالقه إلى تكريم نفسه، والترفع بها عن مواطن الدنية والرذيلة، ودعاه إلى تحرير عقله من رق التقليد والخرافات، ودعاه إلى الإيمان الصحيح، بتوجيه عقله إلى البرهان والدليل، وحثه على التأدب بأجمل الآداب، والشعور بالمسؤولية المنوطة بعاتقه، والتطلع إلى الكمال الممكن في هذا الوجود، حتى يحتفظ بمستواه الإنساني…الذي أكرمه الله به.

Exit mobile version