بين الثقافة والحضارة- بقلم منصف بوزفور

إذا كانت الثقافة تتضمّن أيضا الحضارة، فإننا لا نجد أحدا من الأنثروبولوجيين أو من علماء الاجتماع المعاصرين من يعتبر الحضارة مختلفة نوعيا عن الثقافة أو منفصلة عنها، كما لا نجد أنثروبولوجيا أو سيسيولوجيا يميّز بين شعب متحضّر وآخر غير متحضر، فجميع الحضارات، بما فيها الحضارات القديمة أو المعاصرة، ليست سوى مراحل خاصة في تطور الثقافة، تتباين في ثراء مضمونها وفي تعقد
تركيبها، ولكنها ليست مختلفة نوعيا عن ثقافات الشعوب التي يطلق عليها “الشعوب غير المتحضرة “.
فالثقافة عند عالم الاجتماع والانثروبولوجي موجودة في لندن ونيويورك وباريس، وفي تمنراست عند بدو الطوارق وعند قبائل أولاد علي بالصحراء المصرية.
إن ما يهمنا هو صلة الثقافة باللغة، وصلة الإنسان بكليهما معا.
ويظهر أن الإنسان قد ابتكر رموزه وكلماته، ومثلما تنتشر الكلمة آليا، تنتشر أيضا اللغة، ثم إن كتابة اللغة بابتكار رموز لأحرفها كان سببا في نشرها وتعليمها.
وطورت السوق الجديدة للمادة المطبوعة ديناميكيتاها بشكل مستقل ومثلما تطورت اللغة تطورت أيضا الثقافة. وموضوع الوظائف اللغوية في عصرنا الحديث لا يمكن تمحيصه بمعزل عن بعض الافتراضات وعلى رأسها فكرة الشعب، إنها عود على بدء إلى الثقافة وإلى ما يمكن أن تقدمه للغة.
وكان “رالف لنتون” يرى أن المجتمع والثقافة يعتمد كل منها على الآخر، اعتمادا متبادلا، بحيث لا يستطيع الواحد منهما أن يشكل كيانا كاملا دون الآخر.
فالثقافة هي التي تمكّن أعضاء المجتمع من العيش والعمل معا، كما لا يمكن لأي فرد أن يلمّ بالمجموع الكلي لمحتوى ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه، حتى في أبسط أشكال الثقافات، نجد أن المحتوى الثقافي أغنى من أن يستطيع عقل واحد بمفرده أن يستوعبه كاملا، ولكنه وفقا للنشاطات التخصصية، نجد أن كل شخص يلمّ عادة، بعدد من عناصر ثقافته، ولكن لن يطلب إليه التعبير عن جميع العناصر التي يعرفها.
لا ريب أن البداية صعبة..وهل نبدأ بالأنثروبولوجيا أو بالثقافة أو بالتاريخ؟