يا شبابنا …من قدوتكم؟ أ.د.بدران مسعود بن لحسن

يحتاج الناس عادة إلى نماذج بشرية يتخذونها قدوة في حياتهم، ولاسيَّما في مرحلة الشباب حيث تكون القدوة أهم سبيل لتشكيل الشخصية. كما يحتاج الشباب ومن هم في سن المراهقة إلى شخصيات واقعية، إما من واقع الحياة أو من التاريخ، يتخذونها ملهما لهم، ويقلدونها في تصرفاتها وأفكارها، وطريقة حياتها، ذلك أن الإنسان في هذه السن لم يرتق بعد إلى مستوى التجريد النظري الذي يستطيع من خلاله أن يستقل بشخصيته.
فالشاب الذي بدأت قواه الإدراكية في التطور، وأخذت قواه النفسية في النمو، يحتاج إلى نموذج عملي مشخص يتمثله، ويبني عليه شخصيته، ويقلده في تصرفاته، ويتبعه في أفكاره. ولهذا كانت مرحلة الشباب والمراهقة، هي المرحلة الخطيرة في حياة الإنسان، حيث يتشكل فيها وعيه المستقبلي الذي يهيمن على حياته في مرحلة النضج واكتمال النمو.
ضرورة القدوة
وفي هذا السياق فإن مسألة القدوة تثار بشكل ملح، وتأخذ أهمية كبرى لما لها من دور توجيهي لقدرات الشباب وأفكارهم وأحلامهم.
ولقد تفطن لذلك الغربيون، فعملوا على صناعة شخصيات اجتماعية وثقافية وفكرية وفنية وسياسية ورياضية ودينية ذات صيت عالمي، وسمعة واسعة الانتشار، وبريق أخاذ، وحضور مستمر في صناعة الحدث بمختلف أوجهه.
والمراهقون يحتاجون في بداية حياتهم إلى نموذج بشري يتخذونه قدوة لهم. فنرى بعضهم يقتدي بنجوم الرياضة أو الممثلين أو المغنين، يقلدونهم في حركاتهم ولباسهم وتسريحة شعرهم وطريقة كلامهم.
خطر العولمة
وفي مرحلة العولمة وزوال الحدود بكل أشكالها، مما كان يعتبر حدودا تحمي الداخل في وجه أي تسرب للآخر إلى حصوننا، فإن التدفق الإعلامي والمعلوماتي وانتشار الثقافة الغربية بفعل الهيمنة والقوة الحضارية الغربية، جعلنا في موقع المغلوب المتأثر بغالبه، المقلد له.
وبما أننا لا يمكن أن ننعزل عن غيرنا في هذا العالم الذي صار قرية صغيرة تتجاوب بعض جنباتها مع ما يحدث في جنباتها الأخرى، فإننا أمام خطر حقيقي يتهددنا في وجودنا الحضاري، وفي شبابنا الذين هم رصيدنا المستقبلي.
والخطر في أن ينشأ هذا الشباب على نماذج غير التي نريد، ويتخذ قدوات غير ما نصبو إليه من التميز الديني الحضاري. فشبابنا اليوم ينشأ مبهورا بالمشاهير الغربيين أو حتى المشاهير المحليين من أبناء جلدتنا الذين لا يختلفون عن الغربيين إلا في الاسم.
قدوات ممسوخة
فشبابنا اليوم ينشأ متأثرا بنماذج جذابة في ظاهرها من الرياضيين، والممثلين، والفنانين، وبعض الكتاب والمفكرين، والسياسيين، ودعاة حقوق الإنسان وحماية البيئة والحيوان وغيرها.
غير أن المطلع على خبايا حياة هذه النماذج التي انبهر بها شبابنا يجدها أبعد ما تكون عن النموذج الصالح، فمعظمهم غارق في الانحلال الخلقي، والمخدرات، والجنوح نحو الشذوذ، والخروج عن الفطرة.
بينما نحن أحوج ما نكون إلى نماذج قوية في شخصيتها، طاهرة في نفسها، طيبة في سريرتها، سليمة في عقيدتها، متكاملة في شخصيتها، سابقة في أصالتها، مستقيمة مع فطرتها، واقعية في تجربتها، صالحة لأن نقتدي بها.
وبخاصة ونحن نسعى إلى التميز عقديا وحضاريا، والتفاعل مع غيرنا من الأمم بأصالة وفعالية، من أجل أن نسجل حضورنا بين الأمم، وأن نستعيد مكانتنا الحضارية الإسلامية كما كانت عليه من قبل رائدة للحضارة البشرية وهادية لها إلى عبادة الله الواحد الأحد وعمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف.
الرسول قدوتنا
ولهذا فالسؤال الموجه إلى كل واحد منا: مربين وطلابا، ولاة أمور ورعية، حكاما ومحكومين، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، أن نسأل أنفسنا: ما النماذج الصالحة للاقتداء؟ ومن يصلح أو من تصلح أن نتخذه أو نتخذها قدوة لنا؟ ومن يمكن له أو لها أن يتبوأ مكانة المثال والنموذج المقتدى في نفوسنا جميعا وفي نفوس شبابنا خصوصا؟
ولا شك أنا بقليل من التأمل في الشخصية التي نتخذها وشبابنا قدوة هي شخصية محمد صلى الله عليه وسلم وشخصيات آله وزوجاته وأصحابه.
فقد كان النبي نموذجا في طفولته وشبابه وكهولته. كان نموذجا في الطموح، والعفة، والصبر، والأمانة، والصدق، والجد، والهزل. كان نموذجا في حياته الخاصة والعامة، وفي ثقافته، وتدينه، وسياسته، وعلاقاته الاجتماعية، ونشاطه التجاري. كان نموذجا في أسرته، وأولاده، وفقره، وغناه، وفرحه، وحزنه، وغضبه، ورضاه. كان نموذجا في حياته، ومماته، وعلمه، واجتهاده، وحربه، وسلمه.
ذلك هو النموذج الذي ينبغي أن نتخذه قدوة، ليس لأنه نبينا فقط، ونؤمن به ونصدقه ونتبع، ولكن لأنه كان فعلا نموذجا ناجحا بكل المقاييس، وبكل المعايير، ومن مختلف الأوجه، وعلى مختلف المستويات. فلا ينكر نموذجيته أحد، مسلما كان أو غير مسلم.
بل إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نموذجا عمليا وواقعيا بلغت نموذجيته أن شكل نماذج أخرى تشع قدوة ومثالية، نساء ورجالا وأطفالا، بنى بهم أمة وحضارة لم تُسبق في التاريخ.
ذلك هو فعلا النموذج الجدير بالاقتداء والتمثل والاتباع من قبل شبابنا، شباب أمة تطمح إلى استعادة دورها في الشهادة والريادة، ولتكون مرة أخرى “خير أمة أخرجت للناس”.