مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

الشهادة على الناس في عصر تزاحم القيم – أ.د.بدران مسعود بن لحسن

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2015-10-16 19:42:40Z |  | ÿvüÿÿµüÿÿ}ýÿÿH»n,Æ
لعل من القضايا الملحّة التي تواجه المسلم، بشكل مباشر، قضية كيفية تحقيق ذاته، والحفاظ عليها. هذه الذات التي عمادها الإسلام، استمرار لخط النبوة الذي تواصل عبر سلسلة طويلة من أول الأنبياء عليهم السلام، إلى محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
منذ أن جاء الإسلام فتح الآفاق أمام المسلم، واختار له دور الشهادة، وحدد له الموقع الوسط، ليحقق أمانة الاستخلاف، ويعبد الله تعالى، ويُعبِّد الناس له عز وجل، ويحررهم من عبادة غير الله، من أنواع الآلهة المتعددة كالتقليد والهوى والأشخاص والأشياء، وكل الأوثان بأنواعها، والعقائد باختلافاتها، ليجتمع شمله، وتتوحد وجهته، ويقصد في سيره إلى ملاقاة الله عز وجل.
هذه الرسالة، هي رسالة الوسطية والشهادة، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} [ البقرة، 143]، رسالة محددة من عند الله عز وجل، وليس لنا أن نختار دورا أشرف من دور الشهادة.
تحديات عصر جديد:
وإذا تأملنا سيرة السلف الصالح، نجد أنهم أدوا دورهم، وحققوا الريادة، وشهدوا على الناس، بفعل حضورهم. غير أن مسلم اليوم يواجه المسألة من جديد، وفي عصر يختلف عن العصور السابقة، بما شهدته البشرية من تقدم، وتطور، ونضج، وبما شهدته وتشهده من إنجازات حضارية مذهلة في عالم المادة، والفكر، والمعرفة، والقيم، لها آثارها في المجال النفسي، والأخلاقي، كما شهدت تغيرات جذرية، وعواصف كبرى على التاريخ الإنساني.
في هذا العصر الذي «نما فيه واقع المجتمعات المعاصرة وتمدد خارج إطار المرجعية الإسلامية»، وفُرضت على المسلم تحديات متنوعة، «ولم يعد في وسع القياسات الفقهية الجزئية والتلفيقات الفكرية المرتجلة أن تحقق أمرا ذا بال»، وذلك للفارق النوعي بين مجتمعات الأمس ومجتمعات اليوم.
اختلاف نوعي:
فالاختلاف «النوعي بين المجتمعات المعاصرة المعقدة والمجتمعات القديمة البسيطة، يستلزم إصلاحا جذريا نوعيا شاملا» كما يقول الدكتور طارق رمضان.
ولعل هذه التحديات تدفعنا إلى معرفة طبيعتها، ومصادرها، وخصائص العصر الذي أنتجها، لإعطاء مبرر علمي للقيام بتحديد الدور الذي علينا القيام به وتحقيق الشهادة التي أناطتها الآية الكريمة بأمتنا.
كما تتطلب منا صياغات علمية وعملية، لرفع التحدي وتجاوز مرحلة الغثائية والوهن التي نحن فيها، وتقينا من هدر الإمكان، وتكرار الفشل، والارتكاس المتكرر، وصياغة مشروع حضاري يسهم في البناء الحضاري للأمة، وحل أزمتها؛ التي هي في عمقها أزمة حضارية شاملة، تقتضي عدم التجزئة؛ إن في الطرح أو التحليل أو العلاج.
كما تقتضي المرحلة التي نعيشها الارتقاء إلى مستوى الأحداث الإنسانية كما يقول مالك بن نبي، للإسهام في صنعها، وتوجيهها، وتقديم الحلول لها.
وهذا في الحقيقة يتطلب منا التفكير في طبيعة المجتمعات اليوم، في بنيتها، في العلاقات فيها، في أسسها، وفي العلاقات بين المجتمعات المختلفة، ماذا بقي فيها ثابتا؟ وماذا تغير فيها ولم يعد ينفع معه الفهم القديم؟ وعن القيم الحاكمة في زمننا هذا في مختلف المجتمعات، هل تتوافق أم تتصادم أم تتزاحم؟
الحاجة إلى حوار معرفي وأخلاقي:
وقد تم تنظيم مؤتمر علمي من قبل مركز التشريع الإسلامي والأخلاق في كلية قطر للدراسات الإسلامية في بداية هذا الشهر، تحت عنوان «تزاحم القيم في العالم المعاصر: إسهامات إسلامية»، وذلك لمعالجة مثل هذا الموضوع، الذي يسائل دورنا كأمة شهادة ووسطية وخيرية عن دورنا في عالم اليوم، وكيف نتحمل مسؤوليتنا في التواصل مع العالم، وتبليغه رسالتنا، والقيام بدورنا، خاصة أن عالم اليوم يكاد يكون مختلفا تماما عن الماضي، في بنيته وفي رؤاه وفي واقعه وفي تعقيداته وتشابكاته بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان، وصارت القيم فيه في تزاحم شديد.
وقد طرح المؤتمر، من بين ما طرح من قضايا، سؤالا مهما عالج فيه إشكالية منهجية مهمة تتعلق بكيفية التعامل في حالة «تعارض القيم»، كذلك عن كيفية «تحديد سلمها عند التعارض»، وكيف نوازن بين القيم المختلفة؟ وما المعايير التي بها وعلى أساسها نقدم أو نؤخر قيمة عن أخرى؟ ومن أمثلة ذلك قيمة العدل وقيمة السلم، وكيف نتعامل معهما؟ ليس في المستوى النظري فحسب، بل في الواقع، وواقعنا الإسلامي والعربي يشهد تصادما شديدا بين رؤى مختلفة في كيفية التعامل مع هاتين القيمتين عند تواردهما في المحل نفسه.
ولعل واقع الثورات العربية والثورات المضادة وسعي الشعوب إلى التحرر، وسعي الأنظمة المستبدة والقوى المتنفذة إلى إجهاض حريتها، واستغلال العالم الخارجي لظروفنا، والتلاعب بمصيرنا، مما يطرح على الفاعلين من علماء ومثقفين وسياسيين وقادة، أسئلة مهمة للبحث في تحديد منهجي لكيفية التعامل في حالة التعارض أو التصادم أو التنازع أو التزاحم بين هذه القيم، تحقيقا «للتفاعل الدائم بين المبدأ والمصلحة العملية»، وخروجا من حالة التراوح والتبطل والاهتلاك الداخلي بين قوى الأمة.
إننا في حاجة إلى حوار معرفي وأخلاقي حول هذه القضايا الملحة لتحقيق دورنا في الشهادة والخيرية والوسطية المخرجة من التفرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى