تكاثرت السهام علينا..! بقلم الدكتور عبدالرزاق قسوم
تكاثرت السهام على المصلحين، وحاملي لواء الثوابت الوطنية في هذه الديار من المنسلبين، والنافخين في كير “الفرنكوفيلية” الطافئ، جهلاً، وحقداً، وعمالة منهم.
فمنهم من يصنفنا في خانة المحافظين البعثيين، جهلاً منهم بالواقع الإديولوجي، وما دروا أن “البعث الذي لا يؤمن بالبعث” على حد تعبير صديقنا الدكتور أحمد بن نعمان، قد قُضي عليه يوم دجنت فحوله، وأعدمت خيوله.
ومنهم مَن يصفنا، بأننا كنا ضد نداء أول نوفمبر 1954م، وصمتنا خلال العشرية السوداء، فلم نندد بالإرهاب، كبرت كلمات تخرج من أقلامهم، ومن أفواههم، إن يقولون إلا كذبا.
ومنهم من ينعتنا، بمن يقطعون الأيدي، ويرجمون الزانيات، وكل ذلك تأليبا لدعاة حقوق الإنسان علينا، وجهلنا في الدرك الأسفل من المواطنين.
ويحهم! أكل هذا لمجرد أننا أطلقنا نداء إشارات وتنبيهات، لتوعية المواطنين والمواطنات، من شر قد استفحل، ولا أقول هو آت.
أإن طالبنا، بحماية أبنائنا مما يراد لهم، من إصلاحات غامضة، تتم في طي الكتمان والتستر، نُجابَه بكل هذه الحملة الشيطانية الجائرة، التي لا يسندها دليل، ولا يدعمها تعليل؟
ولئن طالبنا بصيانة، دعائم هويتنا من الغزو الفكري والثقافي المنصب على عقولنا وعلى ألسنتنا، وعلى سلوكنا، تسلط علينا رؤوس الأفاعي وأذنابها؟
أمن الذنب، أن نؤمن بمبادئ وطننا، ودعائم ثقافتنا، وأحكام ديننا، فنعمل على الالتزام بها، وجعلها واقعاً في حياة أمتنا؟
فيا قومنا! يا أبناء حملة الأفكار الأجنبية عن هذا الوطن، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألاَّ نؤمن إلا بدين هذا الوطن، ولا نسلّم إلا لمن يخلص في خدمة أهدافه، ولا نطيع إلا من أطاع الله ورسوله، وبذلك نكون قد وفينا العهد للشهداء، والعلماء، والحكماء من شعبنا..!
وأسقط –عن عمد- بعض اللقطاء، وأبناء الزنى، من الكلاب النابحة، والقطط الضالة، من سفهائنا، فلن نقيم لهم وزنا، لأنهم من الذين ينطبق عليهم قول الشاعر العربي المعاصر:
ليس لهم في لغة من اللغات وصفُ
ملائم لشكلهم، ووصفهم، سوى “اتْفُو”
وقول الشاعر العربي القديم:
إذا نطق السفيه فلا تجبه
وخير من إجابته السكوت
إن قلمنا أشرف من أن ينـزل إلى مستوى السفاهة، والسفاهة كاسمها. ولكننا نتوجه إلى حملة الأقلام التي لا تزال تنطق جهلاً، في عصر العلم الزاهر، وتنفث حقداً في عهد الحق الظاهر، وتبجح عمالة وخيانة في زمن البناء الطاهر. فلا يعذر الجاهل لجهله في هذا العصر، ولا يقبل التعصب والحقد في عالم ازدهار الفكر.
فعندما تُتهم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بمعاداتها لنداء نوفمبر، يسخر من مثل هذا الحكم حتى الأطفال الرضع، فضلاً عن الشيوخ الركع.
فقد سبقت جمعية العلماء، نداء أول نوفمبر، بوضع الأسس الصحيحة له، عندما أقامت ميثاقها على الثلاثية المقدسة “الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا”. وهل كان ابن باديس معاديا لنداء نوفمبر، عندما أعلن في عام 1937 أي قبل عقدين من اندلاع الثورة، بأن:
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجاً له رام المحال من الطلب
أو عندما صاح ابن باديس في الشباب:
يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب
خذ للحياة سلاحها وخض الخطوب ولا تهب
واقلع جذور الخائنين فمنهم كل العطب
واهزز نفوس الجامدين فربما حيي الخشب
وأذق نفوس الظالمين السم يمزج بالرهب
أليس هذا هو روح نوفمبر، الذي تجسد في نداء 1954؟
وفي نداء الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، في الثاني من نوفمبر، من صوت العرب، “أن ليس لكم أيها الجزائريون من خيار سوى النصر أو القبر”. أيكون هذا من رئيس جمعية العلماء، معاداة لنداء نوفمبر؟
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟
أما عن فرية الزعم بأن جمعية العلماء قد سكتت عن الإرهاب، فإنها لمصيبة الجهل والحقد مرة أخرى.
إننا نحيل العقلاء والباحثين من الوطنيين الذين ليست لهم غشاوة على أعينهم، أو على قلوبهم أو على عقولهم، أن يعودوا إلى جريدة البصائر في العشرية الحمراء، وهي لسان حال جمعية العلماء، ليروا ما كان يكتب، وما كان يدبج بشأن الواقع الوطني، ولعل آخر ما يمكن أن نذكر به كتاب رئيسها الحالي بعنوان: “نزيف قلم جزائري”.
إن حقائق جمعية العلماء قديماً وحديثاً، ساطعة كالشمس في رابعة النهار، وليس الذنب ذنبنا، إذا غطت عيون البعض غشاوة الجهل، والحقد، أو العمالة، والخيانة، فذلك قصور ذاتي، لا نملك فيه إلا أن ندعو لأصحابه بالشفاء منه، فقد حصحص الحق، وبان الصبح التاريخي لكل ذي عينين.
وويل لمن لم يعانقه شوق الحياة، كما قال أبو القاسم الشابي.
وعلى حد تعبير أبي الطيب المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي، بأني كامل
أما سهامهم فهي أوسمة ونياشين في صدورنا، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.