الـــقــضــية الفلسطيــنــيــة
الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال
الذكرى السابعة و الأربعون لإحراق المسجد الأقصى
اليوم 21 أوت تكون قد مرت بالضبط سبعة و أربعون سنة على إحراق المسجد الأقصى المبارك.
قبل أسبوع من هذا اليوم المشؤوم تناقلت أهم الصحف العربية نبأ قيام أهم المنظمات اليهودية في فلسطين المحتلة باتخاذ قرار هدم المسجد لبناء هيكل سليمان المزعوم فوق أنقاضه، القرار طبعا تبعته مجموعة من الإجراءات و الترتيبات أهمها نقل كثير من المعدات و الآليات المطلوبة و اللازمة لعملية التدمير و وضعها في محيط المسجد في انتظار إشارة البدئ.
لم يعد الآن للعرب و المسلمين من جدار و شجرة و لا دريئة للتواري خلفها، إنهم يعرفون جيدّا أن الصهاينة إذا قالوا فعلوا، و إذا فعلوا لا يبالون بأحد، بقي للعرب و المسلمين أضعف الإيمان بدعوة كل من الجامعة العربية و منظمة التعاون الإسلامي لعقد اجتماع مشترك لرفع الصوت على أن هاتين المنظمتين في الحقيقة عبارة عن ظاهرة صوتية ليس أكثر، و مع ذلك لا شك أن الأمة رغم اقتناعها بعدم جدوى قرارات هاتين المنظمتين، فهي تتمنى و لو من باب رفع الحرج و نفخ العرنين في السماء أن تقوم بتكوين وفد مشترك يكلف بالاتصال بكل من مجلس الأمن الدولي و الأمين العام للأمم المتحدة للتوسل إلى الحكومة الإسرائيلية أن تؤجل العملية إلى وقت آخر، أملا في نشأة ظروف و أوضاع أخرى تفرض على الصهاينة التراجع عن تنفيذ القرار.
و لماذا يهدم المسجد الآن ؟
لم يعرف عن اليهود في كل تاريخهم غير شدة الحرص في كل شيء بما في ذلك الحرص على الجدية، و خاصة حين يتعلق الأمر بجعل “الكذب صدقا” بكثرة التكرار، و هم على يقين بأن الأرض ملك الشعب الفلسطيني، و أن الهيكل خرافة تلمودية لا أساس لها من الصحة، و مع ذلك فهم ماضون في العملية لتحقيق إنجاز حلم الحركة الصهيونية منذ تأسيسها عام 1897.
إن عملية الحرق كانت بمثابة اختبار و جس نبض ثم تلتها عمليات الاقتحام التي بدأها “شارون”، و العملية ممنهجة بامتياز لترويض الفلسطينيين أولا و العرب و المسلمين ثانيا و المجتمع الدولي ثالثا و أخيرا.
و حين يختار الأوان للهدم فلأنه في نظرهم الأوان الأصلح من حيث الأوضاع المتوفرة حاليا في المنطقة، و انشغال العالم بما يجري في كل منطقة الشام و العراق و كل الوطن العربي و العالم الإسلامي، كما أن الدول العظمى، و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في حالة انتظار للتطورات الكثيرة في الداخل و الخارج، ابتداء من الانتخابات الرئاسية، مرورًا بما يجري في الاتحاد الأوروبي و انتهاء بالصراع مع روسيا الاتحادية حول أوكرانيا و منطقة القوقاز.
المؤكد أن القرار المبدئي قد اتخذ منذ تأسيس الحركة الصهيونية و لكنهم – اليهود الصهاينة – انتظروا كل هذه العقود حتى تتم العملية دون إثارة شعور كثير من البشر و من بينهم العرب و المسلمون الذين رفضوا فكرة الاحتلال أصلا، فهذا الشعور وضع له برنامج خاص لتبليده و تخديره حينما تتم العملية : و لذلك فقد قاموا بعد عمليات جس النبض، أولاها في عام 1969 حين قام أحد المستوطنين المتطرفين بإحراقه، ثم بعد فترة زمنية طويلة نسبيا مرت على الحرق، قام “آريل شارون” بمعية بعض وزراءه و بعض الحاخامات باقتحام المسجد كوسيلة لتمرين و ترويض الشعور الجمعي الفلسطيني و العربي و الإسلامي عل قبول الاقتحامات التي تتوالى تدريجيا في المستقبل، بموازاة هذا قامت جمعيات يهودية متطرفة باسم البحوث الأثرية بحفر أنفاق كثيرة تحت أساسات المسجد إلى درجة بداية ظهور تصدعات كثيرة في بعض جدرانه، و كذلك لتسهيل عملية التدمير بالتفجير من الأسس في الوقت المحدد لذلك.
في المرحلة الثالثة و الأخيرة، حاليا أصبحت عمليات الاقتحام و إقامة الطقوس التلمودية يوميا تقريبا.
كل الظروف ملائمة
لم تمر دولة الصهاينة منذ تأسيسها بظروف و أوضاع أحسن من الحالية، فالخوف الذي يلازم هذا الكيان يبدو أنه انحصر و ضاق إلى أقصى الحدود، و خاصة بعد الذي حدث في العراق و الشام و ما يحدث و ما أفرزته من تطورات لمواقف بعض الدول العربية الحقيقية حسب تعبير أحد الأكاديميين الصهاينة، حيث اعتبر أن العرب الحقيقيين هم عرب دول الخليج و على رأسها المملكة العربية السعودية، إضافة إلى تحول الموقف التركي الأخير لإعادة العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه قبل حادثة سفينة مرمرة، ثم تأكد الدولة العبرية من التزام إيران بالاتفاق النووي.
كل هذه العوامل يبدو أنها ساعدت الصهاينة على اتخاذ قرار الهدم في أقرب وقت ممكن، و كل ما ينتظرونه ربما هو ما ستسفر الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في نوفمبر القادم و اتضاح مدى التزام الإدارة الجديدة للبيت الأبيض بسياسة حماية دولة الصهاينة بكل الوسائل.