مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيسمواقف الجمعية

مدرستنا: ماذا نُريد؟ وماذا يُرادُ لها- بقلم عبدالرزاق قسوم

alchikh_Abd_alrzak_fsoum_-nttalb_aljzaariin_bmkattAa_alkroudh_alastHlakia

تبًا لها، حرب الإشاعات هذه المتسرّبة حول الإصلاحات المدرسية التي تُعلَن وتُدار!.
وسُحقًا لها حملة تُبنَى على الغموض والضبابية هذه التي تُشعَل وتُثَار!.
ذلك هو واقع مدرستِنا، وهي تستّعد لفتح أبوابها، ونوافذها أمام الجيل الذّهبي ليستنشق بدل الأوكسجين التربوي النّقي، الهواء الملوّث بسمومِ الإشاعات، والاتهامات، والمغامرات، والقفز نحو مستقبل مجهول لجيلِنا المأمول.
فيَالله لناشئتنا التي تستقبل الدخول المدرسي الجديد على وقع التهديد والوعيد، والتلويح بالتصعيد، والعنف والتشدّيد، فهل بعد هذا كلّه من مزيد؟.
رحماكِ يا جزائر إنّني أشفِق عليك من قطاعٍ تربويٍ يعشقُ التعتيم، والتكتّم، والتقزيم، ومن نقابات تُعاني التشتّت والتقسيم، ومن أولياء شُغلهم الشّاغل التخلّص من أبنائهم حتى لو سقتهم المدرسة ماء الحميم، وغذتهم كالبهم بالبرسيم.
وتكتفي السّلطة العليا، أمام هذا المشهد المزرِي بالتلويح بالشّعارات دون تحمّل الحسم في اتخاذ القرارات، وتطبيق المطلوبِ من المسؤوليات.
إنّ سفينة المدرسة الجزائرية، تغرق، تغرق، على حدّ تعبير نزار قباني، لأنّها فقدَت الربّان الحكيم، والمنهج القويم، والمناخ السليم، والقائد العظيم. وهو ما ينبئُ عن مرض مزمن دفين، لم يجِد الطبيب القدير الذي يستأصل الدّاء ويقدّم الناجع من الدّواء.
أصبحت مدرستنا “كالأتوبيس” يصعد من خلفيتها، وينزلها من مقدّمتها دون أن تحدث فيهم أثرا، ودون أن يتركوا أيّة بصمة إلاّ بصمة الشّر والضّر.
فالعنف هو الطابع المميّز لمدرستنا الجزائرية اليوم، عنف بين الأطفال، وعنف بين الأطفال، ومدرسيهم، وعنف بين المدرّسين أنفسهم، وما ذلك إلاّ لغياب الوّازع الدّيني، والخُلقي، والتربوي، والوطني.
لماذا آل أمر مدرستنا إلى هذا المصير المشؤوم؟ لأنّ المنهاج التي تطبِّقُه مدرستنا خلاَ من التربية الإسلامية الصحيحة، وهي صِمام الأمان في عقول أطفالنا، وفقد القيمة الوطنية من ضمائر أطفالنا ومُدرِسينا، وهي الجامع المشترك بين العالِم والمتعلِم، والمدير والمُدَار. وانعدَم في مدرستنا مبدأ التأصيل والانتماء، وهو عنوان الهويّة لكلّ جزائري ولكلّ جزائرية.
ماذا يُرادُ لمدرستنا الجزائرية –إذن- في ظلّ هذه الأعراض القبيحة، التي تنخر جسمها؟ لقد أفرغوها من محتواها العربي الأمازيغي، الإسلامي، الجزائري الصحيح، فأصبح الطفل فيها ينطبق عليه كلّ وصف إلاّ وصف الجزائري الأصيل. رطانة بغير لغته، وسحنته، معاكسة لسحنته، ولباس فضفاض أو خفيف لا يتلاءم مع بدنته، وسلوك شاذ يناقض سلوك بيئته وأسرته.
هذا ما يُريده دعاة الإصلاحات المدرسية باسم التجديد والعصرنة، لمدرستنا الجزائرية، ونحن نقول بأنّ ما تعانيه مدرستنا هو قطيعتها مع الثوابت الوطنية، وتنكّرها للتاريخ الذي هو محيي الشّعوب والأمم.
إنّ مظاهر العنف التي تطبع المدرسة الجزائرية سببها فقدان المهدئ النفسي وهو الدّين، بفهم صحيح، وتطبيق فصيح. وإنّ الشذوذ في المظهر والمخبر، الذي يُشين سحنة شبابنا علتّه في التقليد البّليد، والكفر بالماضي التليد، والتراث المجيد، وهذا اللاانتماء الذي أصاب أبناءنا إنّما هو نابع من الإعاقة اللّغوية التي تجعل من أبنائنا مذبذبين بين ذلك لا هم جزائريون فيشكروا، ولا أجانب فينكروا أو يكفروا.
لذلك نريد لمدرستنا الجزائرية، ونحن حرّاس الثوابت في هذا الوطن أن تعود إلى أصلها، بتحديد دقيق، وإصلاح عميق، ينبع من واقعنا المضّاد للزلازل، إذا نطق تلميذها عرفناه بفصاحة قوله، وإذا تعامل ميّزناه بدماثة خلقه، وأدب فعله، ولن يأتي هذا إلاّ بالعودة إلى الذات، ذات الثوابت التي حدّدها حرّاس الثوابت، وهي الإسلام بفهمه الإنساني السّامي، وتطبيقه الإيماني النّامي.
إنّنا كحرّاس للثوابت لا نضيق بأيّ تجديد أو إصلاح مادام نابعًا من عقيدتنا، ولا يُعادي لغتنا أو وطنيتنا، ويسهر على وضعه وتطبيقه مهندسون متشبعون بهندستنا وأصالتنا، وشخصيتنا.
إنّنا بدافع الغيرة على مستقبل أجيالنا وضمانًا لاستقرار أمّتنا، نطالب بأن تنزع إصلاحات المدرسة من أيدي الساسة وإسنادها إلى الخبراء الوطنيين من جميع الاختصاصات، والإيديولوجيات بشرط واحد، هو صحّة الإيمان بثوابت الأمّة والغيرة على وحدة الوطن وإبراز معالم وجودِه.
نريد لمدرستنا أن تكون عربية اللّسان، وطنية الانتماء، إسلامية الرّوح، فتمثّل الحضن الدافئ، الذي ينشأ في مناخه الجيل الجديد، الذي يأخذ من واقعه قيم الثوابت، وينفتح على المحيط العالمي، فيأخذ منه كلّ جديد مفيد، لا يتناقض مع أصالته وهويّته.
إنّهم يريدون –بكلّ أسف- لمدرستنا أن تظلّ سفينة تتقاذفها الأمواج، وتلعب بها الرّياح، فلا نجد لها مرفأ ترسو عليه، ونريدها أن تكون مدرسة آمنة مطمئنة، تأخذ من كلّ علم ناجع بنصيب، ومن كلّ قيمة نافعة حظها، ولا عبرة إن كان هذا العلم الناجع في اليابان أو في الصين، فالعبرة بالفائدة والنتيجة.
حذار، إذن فإنّ العبث بمستقبل الجيل الذّهبي للأمّة، هو عبث بمستقبل الأمّة كلّها، وإذا لم نعِ هذه الحقيقة فتلك هي اللّعنة التي ستلحقنا، ولعلّها اللّعنة التي تُلازِم مدرستنا اليوم في واقِعها المتردّي، ونعوذ بالله من السّلب بعد العطاء.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى