مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
الحدث

فضل عشر ذي الحجة والأعمال المستحبة فيها

7501

بقلم الشيخ الدكتور/يوسف جمعة سلامة – خطيـب المسـجد الأقصــى المبارك – وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق

الحمد لله ، له أسلمت ، وبه آمنت ، وعليه توكلت ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد؛
إن لربنا في دهرنا نفحات ، تأتينا نَفْحةٌ بعد نفحة ، تُذَكِّرنا كلما نسينا ، وَتُنَبِّهنا كلما غفلنا، فهي مواسم للخيرات والطاعات ، يتزود منها المسلمون بما يُعينهم على طاعة الله سبحانه وتعالى:{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}(1).
ومن هذه المواسم المباركة عشر ذي الحجة، وهي أيام مباركة شَهِدَ لها رسولنا – صلى الله عليه وسلم – بأنها أفضل أيام الدنيا، كما جاء الحديث: )أَفْضَلُ أَيَّامِ الْدُّنْيَا الْعَشْرِ) يَعْنِي عَشْرُ ذِي الحْجَّةِ(2)، وحثَّ – صلى الله عليه وسلم – على العمل الصالح فيها، بل إن الله سبحانه وتعالى قد أقسم بها لعظمتها، فقال سبحانه وتعالى:{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ }(3) وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً.
الأعمال الصـالحة في هذه الأيام
هذه الأيام التي نحياها هي أفضل أيام العام ، إنها أيام عشر ذي الحجة ، التي جاءت السنة النبوية مؤكدة فضلها ، وداعية إلى كثرة الأعمال الصالحة فيها، ومن هذه الأعمال:
التوبة الصادقة
إن التوبة كَرَمٌ إلهي ومنحة من الله لعباده، عرّفهم فيها كيفية الرجوع إليه إن بعدوا عنه، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب إذا عَصَوْه، كي يفروا إليه تائبين منيبين متطهرين.
فما أكرمه من إله، وما أرحمه بخلقه وعباده، يجابه الناس ربهم بالفسوق والعصيان ويخالفون دينه ويأتون ما نهى عنه، حتى إذا تابوا وأنابوا قبل الله توبتهم وغفر سيئاتهم وأحبهم ورفع درجاتهم، كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}( 4).
فليست التوبة قولاً باللسان وادِّعاء لا دليل عليه، ولكنها هجر الآثام وتطهير النفس من الأدران، واستشعار الألم والندم على ما كان، فإِنَّ مَنْ يُحِسُّ ألم الذنوب ووخز المعاصي لا يقدم عليها.
إن يد الله عز وجل مبسوطة بالعفو والمغفرة لا تنقبض في ليل ولا نهار ،تنشد مذنباً أثقلته المعاصي يرجو الأوبة بعد طول الغيبة ، ومسيئاً أسرف على نفسه يرجو رحمة ربه، وفاراً إلى مولاه يطلب حسن القبول ، فما أفضل التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وخاصة في هذه الأيام العشر المباركة.
أداء مناسك الحج والعمرة
من المعلوم أن أفئدة المؤمنين في جنبات الأرض كلها تهوي حنيناً إلى البيت الحرام وتذوب شوقاً لرؤيته ، حيث تُسكب العبرات وَتُقال العثرات وَتُغفر الزلات ، وَتُضاعف الحسنات وَتُمحى السيئات وتفيض البركات، حيث أَذَّن سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – في الناس بالحج صادعاً بأمر ربه ، فتجاوبت لندائه قلوب المؤمنين الصادقين قائلة 🙁 لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) ، وقد بَيَّن – صلى الله عليه وسلم – فضل الحج والعمرة، كما في قوله – صلى الله عليه وسلم- : ( مَن حَجَّ فَلَم يَرفُث ولَم يَفسُق رَجَع كَيَومِ ولَدَتهُ أُمُّهُ)(5)، وقوله – صلى الله عليه وسلم – أيضا : ( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ،وَلَيْسَ للْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلا الْجَنَّةِ)(6).
صيـام تسـع ذي الحجــة
إن الصيام من أَجَلِّ الأعمال عند الله سبحانه وتعالى ، ففضله عظيم وأجره كبير ، وهو مما اصطفاه الله سبحانه وتعالى لنفسه، كما جاء في الحديث القدسي : ” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ” (7)، لذلك فإن صوم هذه الأيام مستحب كما جاء في الحديث الشريف : (كَانَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ) (8) ، ويتأكد صيام يوم عرفة ( التاسع من شهر ذي الحجة ) لغير الحاج ، حيث اتفق الفقهاء على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج ، لما جاء عن أبي قتادة الأنصاري– رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سُئل عن صوم يوم عرفة فقال : ” يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ”(9).
الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير
ويستحب الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر؛ لما ورد في الحديث : عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) (10).
الدعاء هــو العبـادة
إن الدعاء ملاذُ كلّ مكروب وأمل كلّ خائف وراحة كلّ مضطرب، كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(11).
ومن المعلوم أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يستقبلون في هذه الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وأفضل الأيام العشر -كما هو معلوم -هو يوم عرفة، حيث يتجه الحجيج إلى جبل عرفات، ويستحب للحاج في أثناء ذلك أن يكثر من الدعاء والتلبية وذكر الله تعالى، لما رُوِي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وخَيْرُ مَا قُلْتُ أنَا وَالنَّبيُّونَ مِنْ قَبْـلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الـمُلْكُ، ولَهُ الـحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير)(12).
الصدقة
لقد حثّ ديننا الإسلامي الحنيف على الإنفاق ، حيث بين بأنه علامة على صدق الإيمان وكماله، كما قال – صلى الله عليه وسلم – :”وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ” (13 )، وهي من الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام.
ومن المعلوم أن الإنفاق حين يكون في حالة اليُسر أو في حالة السراء يكون أمراً طبيعياً، لكن حين يكون في حالة العسر أو في حالة الضراء فإنه يحمل دلالة مثالية على مصداقية الإيمان والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي، كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(14).
أعمال يُستحب الإكثار منها في هذه الأيـام
عليك أخي المسلم أن تحرص على الإكثار من النوافل في هذه الأيام المباركة كالصلاة وقراءة القرآن ، واحرص على قيام الليل وأعمال البر والخير وصلة الأرحام، فإنها من الأعمال التي تُضاعف في هذه الأيام المباركة ، فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، والذي يظهر أن سبب امتياز هذه الأيام العشر اجتماع أمهات العبادات فيها وهي : الصلاة، والصدقة، والصيام، والحج، ولا تجتمع إلا في هذه الأيام ، ومن المعلوم أن الأجور في هذا الموسم تتضاعف، فاجعلها نقطة الانطلاق إلى رحاب الإيمان وميادين المسابقة في الخيرات.
يا لها من أيام مباركة عند الله عز وجل، الأعمال الصالحة فيها مضاعفة والثواب كبير، فصيام يوم منها يعدل صيام سنة ، فرحم الله عبداً استقبل هذه الأيام الفاضلة بالتوبة وطاعة الله وأكثر فيها من صالح الأعمال وكريم الفعال، فصلّى وصام وتصدق وتزكى، واغتنم حياته فقدم بين يديه يوم القيامة أعمالاً صالحة وطاعةً لله خالصة ، تكون حجاباً له من النار، ومرشداً يأخذ بيده إلى جنة الرحمن.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأقوال والأعمال، إنه سميع مجيب الدعاء .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
الهوامش:
1- سورة البقرة، الآية (197).
2- أخرجه البزار.
3- سورة الفجر الآية (1-2).
4- سورة البقرة الآية (222).
5-أخرجه البخاري ومسلم.
6-أخرجه الترمذي والنسائي.
7- أخرجه مسلم.
8- أخرجه أبو داود.
9-أخرجه مسلم.
10-أخرجه الطبراني في الكبير.
11-سورة الرعد الآية (28).
12- أخرجه الترمذي.
13- أخرجه مسلم.
14- سورة آل عمران الآية (134).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى