مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

التبشير وواجب المواجهة المنهجية

486-11-1

بقلم:د. إبراهيم نويري(باحث وأكاديمي)
كانت شبه الجزيرة العربية ــ قبل شروق أنوار رسالة الوحي الخاتم ــ تغلب على قاطنيها عبادةُ الأصنام، التي جلبها إليهم ” عمرو بن لُحي الخزاعي “، كما كانت هناك الحنيفية السمحة، وهي بقايا أثر دين أبي الأنبياء إبراهيم الخليل ــ عليه السلام ــ وكان هناك عدد قليل يدين بالنصرانية واليهودية. وقد جمعتْ آية ٌواحدة من كتاب الله تعالى، هذه العقائد الأربع ــ آنفة الذكر ــ في قوله تعالى:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(آل عمران:67)؛ وبعد بزوغ نور الإسلام في ربوع الجزيرة العربية، أحسّ كلٌّ من اليهود والنصارى بغيْضٍ شديد لم يستطيعوا كتمانه بحال من الأحوال.
ومنذ تلك اللحظة من التاريخ، ظلّ النصارى يحاولون التبشير بالنصرانية في كلّ أرضٍ كسب فيها الإسلام أنصاراً. ومع مرور الوقت، وتغيّر وسائل التأثير لم يعد التبشير المسيحي لونا واحدا، بل أصبح يتعدد ويتلوّن بحسب نوعِ الجمهور الذي يُرادُ تعديلُ قناعاته وتصوراته العقدية والفكرية، فهناك ما يأخذ صورة النقاش العلمي الجدلي، وهذا النوع من التبشير ليست له نتيجة إيجابية واضحة، لأن الإسلام أصولُهُ ثابتة لا تتزعزع، فهي مؤسسة على المنطق الذي تنسجمُ معه كلُّ فطرة ٍسليمة، كما يتماهى معه كلُّ تفكيرٍ حرٍّ نزيه. وهناك تبشير سوفسطائي يلجأ إلى التشكيك في أصول الإسلام، وقلبِ الحقائقِ، وتحقير الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ومحاولةِ البرهنةِ على ردّ القرآن إلى الجذور المسيحية. وهناك أيضا التبشير الذي يتخفى وراء أساليب الرحمة والعمل الخيري، كإقامة المستشفيات وبناء المدارس ورعاية الأيتام وتقديم المعونات العينية في حالات النوازل والجوائح كالجفاف والمجاعات والفيضانات والحروب..إلخ. وذلك من أجل هدف واضح هو القرصنة بعقائد هؤلاء البسطاء وخطفهم من وسطهم الاجتماعي الطبيعي. من منطلق أن النفس البشرية مجبولةٌ على التعلّق بمن أحسنَ إليها.

حتى آلام البشر لم تسلمْ من استغلالهم، بل إنهم يعتبرونها مشروعاً مسيحيا ناجعا!! وفي ذلك يقول مؤلفا كتاب ” التبشير والاستعمار في البلاد العربية ” [عمر فروخ ومصطفى خالدي]: ” وأنت إذا أردت أن تعرفَ مبلغ اهتمام هؤلاء الأطباء بالتبشير لا بالتطبيب، فاعلم أنّ نَفَراً منهم أنشأوا مستوصفاً في بلدة (الناصر) في السودان، وكانوا لا يعالجون المريض أبداً، إلاّ بعد أن يحملوه على الاعتراف بأنّ الذي يشفيه هو المسيح”!!.

ولم ينس المبشرون دور المرأة ومقامَها وتأثيرها في الأسرة، فوجّهوا اهتمامهم إلى التأثير عليها، فأخذوا يبشرون في مستشفيات النساء. كما أرسلوا الطبيبات المبشّرات إلى البيوت والقرى النائية بهدفِ الاتصالِ مباشرة بالنساء، واستخدامِ نفوذ المرأة في الوصولِ إلى أهدافهم التي يزعمون بأنها نبيلةٌ، لكنها في واقع الأمر شَرَكٌ لخطف عقائد البسطاء من المسلمين بسبب المرض والجهل والفقر والفاقة.

وهؤلاء المبشرون يعلمون علم اليقين بأن الدعاة المسلمين هم أعدى أعدائهم، لأنهم يدعون إلى الإسلام النقي، والإسلامُ النقي لا مطمعَ للتبشير في طَرْقِ حِماه. وهم متأكدون أيضا بأن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق التبشير النصراني.

وما من شكّ أن هذه المشكلة تُعدّ من التحديات الواضحة أمام مسار الدعوة الإسلامية، خاصة في البيئات الفقيرة، لأن الدعاة يقعُ عليهم واجبُ تعقّبِ هؤلاءِ المبشرين، ومسحُ ما نفثوهُ من الأذهان وما أذاعوهُ من بهتان.

بيد أن هذا الجهد بمفرده لا يكفي، وإنما الأجدى من ذلك يتمثل في ضرورة رسم خطط وبرامج منهجية في المواجهة، أساسها العمل الخيري الفعال، وتقديم البدائل الجاهزة، مثل بناء المدارس والمستشفيات وحفر الآبار والتّرع وإقامة الأسواق والأنشطة الاقتصادية المختلفة في جلّ المناطق التي يمرح فيها المبشرون بكل حرية ويخطفون فيها عقائد البسطاء ممن سحقهم الفقر والمرض والجهل وأخرجهم عن إهاب إنسانية الإنسان ..

وتلك رسالة ينبغي أن تتضافر من أجل إنجازها جهود المسلمين جميعا على المستويات الرسمية والأهلية .

والله وليّ التوفيق .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى