صفحات مضيئة من تاريخ الجزائر تضامن الجزائر مع مسلمي الأندلس أيام المحنة الكبرى 1492-1640
الأستاذ. الصادق دهاش
تعد الدراسات التاريخية، التي تناولت الهجرة الأندلسية، وعلاقتها بالجزائر قليلة، وربما يعود ذلك إلى تحجيم دور الجزائر في التقليل من هذه الكارثة الإنسانية، التي ارتكبتها الصليبية الإسبانية في حق المسلمين العزل، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا التنصير الجماعي لهم .
حملت الجزائر على عاتقها، مهمة إنقاذ مسلمي الأندلس، الفارين من محاكم التفتيش التي نصبتها لهم إسبانيا الشيء الذي أجج روح الانتقام الإسباني بصفة خاصة، والأوربي بصفة عامة، على الجزائر التي أقلقت الجميع، لامتلاكها لأسطول بحري قوي، قهرت به أعداء الإسلام، فكانت سيدة الحوض الغربي .
للبحر الأبيض المتوسط، وكانت الجزائر تحمي تجارتها وتجارة الدول الإسلامية في عرض البحر المتوسط
ما هي الأسباب الحقيقية لهجرة مسلمي الأندلس؟ وكيف كان رد فعل البحرية الجزائرية؟ وما مدى استفادة الجزائر من هذه الهجرة؟ وما هي انعكاساتها على مستقبل إسبانيا؟
1 – ظروف وعوامل إنقاذ الجزائر للأندلسيين
تربط الجزائر بالأندلس علاقة قديمة، قدم اعتناقها للإسلام، خاصة منذ دخولها من طرف طارق ابن زياد كما استدعت قرطبة قبيلة زناتة الجزائرية ضد الدولة الفاطمية الشيعية، وازدادت أواصر المحبة والتعاون بين الأندلسيين والجزائر، أيام دخول المرابطين والموحدين أرض الأندلس وضمّها إلى أقطار المغرب العربي.
كما توافد عدد كبير من الأندلسيين على طول السواحل الجزائرية (1200كلم)، بدءا من القرن الثالث الهجــري (1000م)؛ ويعود الفضل إليهم، في ازدهار مدينة المسيلة في أوائل القرن الرابع الهجري (1100م). أما البكري فيقول بأن تاريخ الهجرة إلى الجزائر كـان
بدءا من منتصف القرن الثالث الهجري، وهذا ما ساعد على تجريد عمران كثير من المدن الساحلية للعشائر المحلية القريبة منها كنفرة ومسقن من ازداجة. لكن الدكتور سعيدوني يتكلم هنا على الهجرة الأندلسية بعد سقوط مدينة إشبيلية (722هـ-1371م) الذي يعتبر بداية للهجرة الجماعية. لكن الهجرة بلغت ذروتها، على إثر قرارات الطرد التي أصدرها الملك الإسباني فيلب الثالث سنة 1609م. غير أن عبد الرحمان الجيلالي في كتابه “تاريخ الجزائر” له رأي مخالف للرأيين السابقين، فهو يرى بأن بداية الهجـرة الأندلسية إلى الجزائر، كانت عام (856هـ-1452م) بفعل تزايد نشاط القرصنة وبداية الهجمات الإسبانية.
ويبدو أن أهم هجرة على الإطلاق، هي تلك التي وقعت أثناء وبعد سقوط غرناطة الإسلامية بيد الإسبان سنة: 1492م، وهي آخر مملكة يفقدها المسلمون بهذا البلد. فهذا التاريخ، يمثل فاجعة كبرى، وشؤما وحزنا كبيرين للعالم الإسلامي، بينما هو تاريخ فرحة وانتصار بالنسبة لإسبانيا بصفة خاصة وأوربا بصفة عامة، لأنه يمثل ازدواجية تاريخية ملؤها الفرح بنشوة النصر، بعد طرد المسلمين من الأندلس واكتشاف العالم الجديد بقيادة أمريكو فيسبوشي.
فلم يكن أمام الجزائريين، سوى نصرة إخوانهم المضطهدين الفارين من مجازر الأندلس، خاصة وأن الجزائر كانت أول قاعدة لأعمال الجهاد ضد إسبانيا، وكانت مدينة الجزائر تدعى بلد الجهاد.
أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت مسلمي الأندلس إلى أن يهاجروا في اتجاه الجزائر خاصة ودول المغرب العربي الأخرى عامة هي:
تعلم الإسبان من المسلمين بأن سبب قوة المسلمين، يعود أساسا إلى اعتمادهم على الإسلام، ونشره في أنحاء كثيرة من المعمورة، والقائم على الجهاد في سبيل الله، لكن يوم أن ترك المسلمون الجهاد وركنوا إلى الراحة أذّلهم الله وجعلهم شيعا متناحرة.
لهذا كله عرف الإسبان كيف يغيرون مجرى التاريخ لصالحهم، فظهرت وحدة مسيحية صليبية ضد المسلمين وبدأت عمليــة الاسترجـاع أو الاستـرداد RECONQUISTA، وذلك بعد أن وقع الزواج المقدس بين فرديناد ملك أرغونة، بإزبيلا ملكة قشتالة ((وهكذا تكونت سنة 1474 إسبانيا المسيحية الموحدة)). في هذا الظرف بالذات، ضعفت شوكة المسلمين في الأندلس، بسبب الصراع على السلطة في عهد بني الأحمر “الحسن الغالب بالله” ونظرا لضعف شخصيته، وكثرة المؤامرات والدسائس داخل قصره من طرف المقربين إليه.
حيث تتحدث المصادر التاريخية عن وجود نزاع بين زوجتيه، عائشة الحرة وثريا الإسبانية، فكانت ولاية العهد “لعبد الله محمد” ابن عائشة العربية، فعملت ثريا الإسبانية على إقصاء عائشة وولدها وزجت بهما في السجن، حتى تخلص ولاية العهد لابنها. فبلغ التنافس حول مسألة ولاية العهد ذروته، وهكذا ظهر ما يسمى في التاريخ الأندلسي بملوك الطوائف بدءا من القرن الخامس للهجرة، الحادي عشر الميلادي، فأخذ الزعماء المسلمون يتطاحنون فيما بينهم فاستعان بعضهم بأعداء الإسلام مقابل جزية يدفعها له كل سنة؛ مثل ما حدث لأبي الحسن عندما آثر أخاه “محمد الزغل” على ولده “أبي عبد الله” بولاية العهد، فخرج هذا عن طاعة أبيه وأعلن الحرب على عمه ابن سعد، مستعينا في ذلك بفرديناد ملك إسبانيا الذي هب لنجدته لحاجة في نفس يعقوب.
فكان أبو عبد الله يعرقل بقواته جيش عمه، إذا حاول الدفاع عن حدود المملكة، ووصلت به الوقاحة والدناءة إلى حد تهيئة هجوم على المملكة، وأخيرا سلّم مفاتيح غرناطة لفرديناد مذؤوما مدحورا، حتى هجاه أحد الشعراء بل قيل أمه عائشة الحرة: ابك مثل النساء ملكا مضاعـا لم تحافظ عليه مـثل الرجـال
ومن غرائب التاريخ أنه توجد أصناف كثيرة من الناس، تفني زهرة شبابها في خدمة الآخرين (الأعداء) وأخيرا يرمونهم كما يرمون العظم، بعد أن يأكلوا لحمه اللذيذ. هكذا كانت العاقبة السوداء “لأبي عبد الله” الذي جاء إلى فاس ودفن فيها، لأنها أرض آبائه وأجداده التي احتضنته حتى عند موته.
وهكذا فإن اختلال التوازن بين المسلمين والمسيحيين في الأندلس، هو السبب في سقوط الأندلس، هذه النهاية غير السعيدة جعلت العديد من مسلمي الأندلس يهاجرون هجرة اضطرارية نحو بلاد المغرب العربي حاملين عبقريتهم للعمل في ظل عز الإسلام والمسلمين.
ورغم ذلك لم ينجوا من ملاحقة الصليبية الأوروبية، حيث وقع التعاقد بين الصليبيين على استئصال المملكة الإسلامية بالشمال الإفريقي، بمباركة البابوية في المؤتمر الذي تم عقده في طور ديزلاس “TORDESILLAS” سنة 899هـ – 1494م .
وكانت الجزائر تدرك جيدا، طبيعة الصراع الذي كان يدور بين المسلمين من جهة والمسيحيين من جهة ثانية، لذلك حاولت جهد ما تستطيع، تقديم الدعم المادي والمعنوي للمسلمين في الأندلس.
ومن ذلك أنها لم تتأخر في مدّ يد المساعدة إلى السلطان النصري “أبي عبد الله محمد الخامس” ملك غرناطة على عهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني سنة 763هـ- 1361م، وتتمثل هذه المساعدة في: ((خمسين ألف قدح من الزرع، وثلاثة آلاف قطعة من الذهب لكراء السفن)).كانت هذه المساعدة في إطار الصراع المرير، الذي أهلك الجميع بين الحفصيين في تونس والزيانيين في الجزائر والمرينيين في المغرب الأقصى.
إن وجود جالية أندلسية، لا بأس بها بأرض الجزائر في عهد الدولة الزيانية ورقيها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحسن علاقة أبي حمو الزياني مع ملكة غرناطة، ومعرفة مسلمي هذه المنطقة، بما كانت تبذله الإمارة الجزائرية اتجاههم، وجهود الأخوين بربروسة خيرالدين وعروج في التعجيل بنقل مضطهدي الأندلس إلى السواحل الجزائرية بحيث ((تمكنا في الفترة الممتدة بين سنتي 1528 و1584م من شنّ ثلاثة وثلاثين غارة بحرية ناجعة على السواحل الإسبانية، أنقذوا خلالها كثيرا
من الأندلسيين)).
كل هذه العوامل مجتمعة شجعت مهاجري الأندلس على التفكير في التوجه إلى الجزائر المجاهدة، وعلينا أن نضع في الحسبان عاملا آخر كان له الأثر الحسن عند مسلمي الأندلس الذين بقوا يتعرضون إلى عملية الإكراه لاعتناق المسيحية، هذا العامل هو ربط خير الدين مصير الجزائر بمصير الدولة العثمانية سنة 1518م.
وهنا تضاعف حقد الغرب بصفة عامة وإسبانيا بصفة خاصة على الجزائر والدولة العثمانية بفتح القسطنطينية سنة 1453م بصفة عامة.
ومعنى ذلك أن الجزائر في نظر إسبانيا تحولت إلى أكبر خطر أصبح يهدد أمن واستقرار إسبانيا على وجه التحديد. لأنها كانت تعي جيدا قوة الجزائر واستخدامها لمهاجري الأندلس في كسر شوكة إسبانيا، خاصة وأنها كانت متخوفة من عودة الهلال مرة أخرى إلى إسبانيا، فيقضي على كل ما خططته للنيل من الإسلام والمسلمين.
ومن بين دوافع الاعتداءات الأوربية عامة والإسبانية خاصة على الجزائر وسائر بلدان المغرب العربي نجملها في خمسة عوامل هي: ظهور الدولة الوطنية الحديثة في أوربا، والحقد الصليبي الديني والسياسي و رغبة الإسبان والبرتغاليين في وضع حد لنشاط مسلمي الأندلس المطرودين، واحتلال مواقع استراتيجية دائمة في هذه البلدان، والرغبة في التمسيح والتنصير ونشر المسيحية. وما دمنا في صدد ذكر عوامل إنقاذ الجزائر لأهل الأندلس، كان لازاما علينا تذكير القارئ بتلك الرسالة التي كتبها أهل الأندلس إلى خير الدين، يطلبون فيها التدخل لإنقاذهم من بطش النصارى.
وعندها أحضر ستة وثلاثين جفن واتجه بهم ناحية الأندلس، فنقل فيهم عدد كبير من الأندلسيين إلى الجزائر، بعدما خلفوا ألف مقاتل من العسكر يحرسون جماعة المسلمون الباقية، فتكررت هذه العملية سبع مرات، نقل فيها سبعين ألف من الأندلسيين إلى الجزائر. ولم يكتفي أهل الأندلس بالاستنجاد بخير الدين بربروس بل طلبوا المساعدة أيضا من السلطان العثماني “سليمان القانوني” عام (948هـ-1541م). لقد تعرض مسلمو الأندلس إلى الطرد الجماعي، منذ أن سلم الأمير “أبو عبد الله محمد الوحيد” مفاتيح غرناطة إلى فرديناند يوم 2 جانفي 1492، تضمنت هذه الوثيقة 67 شرطا منها:
احترام المسلمين لدينهم وأملاكهم، وحرياتهم، وأمنهم، وسلامتهم، والسماح بالهجرة لمن أراد ذلك إلى جانب بند آخر على جانب كبير من الخطورة، وهو مراقبة المسلمين لمدة 70 يوما حتى لا تأتيهم النجدات.
إلا أن الإسبان نقضوا العهد بعد ذلك، ولم يحترموا هذه المعاهدة، شانهم في ذلك شان فرنسا التي ضربت معاهدة الاستسلام التي أبرمتها مع الداي حسين عرض الحائط والتي تعهدت بما تعهد به الإسبان من قبل.
ولما لم تنجح إسبانيا في تنصير المسلمين عن طريق الوعظ والإرشاد، لجأت إلى إصدار قانون الطامة الكبرى في عام 1499 الذي ينص على تنصير المسلمين صبرا، وتحريم إقامة شعائرهم الدينية، وإغلاق المساجد و إحراق آلاف الكتب وفي 1501 منع على المسلمين حمل السلاح، وأعطيت لهم مهلة ثلاثة أيام فقط لمغادرة إسبانيا، والموت عقوبة للمخالفين، ونصبت محاكم التفتيش.
كما جاء مع قرار النفي بند ينص على إبقاء 6% من الموريسكيين للانتفاع بهم في معامل السكر و محصول الأرز وتنظيم الري، وكذلك من الأسرى الأكثر خيرة وولاء للنصرانية.
فأصيب المسلمون بالأندلس بأضرار مادية ومعنوية بليغة، جعلتهم يفضلون الهجرة إلى الجزائر خاصة و المسلمين المغاربة عامة يتقاسمون معهم رغيف الخبز.
وكان على الموريسكيين الصمت وأخذ الحذر الشديد من ممارسة شعائرهم الدينية، في السر والكتمان و رغم ذلك فالكثير منهم امتثلوا أمام دواوين التحقيق، لأنهم كثيرا ما تكلموا أو أظهروا تعلقهم بالإسلام.
كانت جماعة من الموريسكيين يحصدون الزرع ومعهم نصارى، وأوتي لهم بالحساء، فلم يمسوه لأنه ((مطبوخ بشحم الخنزير)) وعليه اتهموهم وسيقوا إلى دواوين التحقيق.
ومن بين الأسباب الهامة التي جعلت أهالي الأندلس، يختارون الجزائر للاحتماء بها، كون الجزائر كانت أقوى دول المغرب العربي، بل وفي العالم الإسلامي بعد الدولة العثمانية ((لكبر مساحتها وطول سواحلها وغناها الاقتصادي، ووفرة تجارتها ورواجها مع الخارج)) .
بالإضافة إلى امتلاك الجزائر للأسطول، وقوة عسكرية بحرية رادعة، وخبرتها في ميدان القتال البحري وامتلاكها لبحارة مهرة أمثال صالح رايس، والعلج علي، والرايس حميدو، واهتمامها الكبير بإعداد نفسها للمواجهة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
وكان مهاجرو الأندلس، يهاجرون إلى الجزائر، اعتقادا منهم بما أن الجزائر هي الدولة المغربية الأكثر إمكانيات مادية ومعنوية لحمايتهم والدفاع عنهم، بل ويصبحون أحد أهم عناصرها في جيشها البحري لمساعدة إخوانهم الذين بقوا تحت الأسر والاضطهاد أو التفكير في استرداد وطنهم بالأندلس.
2 – انعكاسات هجرة الأندلسيين على الجزائر
1-الانعكاسات الإيجابية: كانت لهجرة أهالي الأندلس إلى الجزائر، إيجابيات وسلبيات، أفادت وأضرت بالجزائر، لكن فوائدها كانت أكبر، لأن الجالية الأندلسية ساهمت مساهمة فعالة، في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية.
لقد استفاد الجزائريون أيما استفادة من الخبرة العمرانية، التي كانت بحوزة الأندلسيين المقيمين بأرض الجزائر.
ولاحظ الدكتور سعيدوني أن الجزائر لم تشهد نهضة عمرانية، كالتي عرفتها الجزائر بدءا من مطلع القرن الخامس عشر.
فأسس الأندلسيون عدة قلاع، وحصون، ومدن ساحلية أو قريبة من الساحل، مثل القليعة والبليدة وشرشال، أصبح فيها عدد المنازل التي تعود للأندلسيين، تقدر بحوالي أثنى عشر ألفا.
وبالإضافة إلى تواجد الأندلسيين في الجزائر العاصمة، وتنس، ودلس، وجيجل، وعنابة، ومستغانم وتلمسان وازدهرت على عهدهم انتشار العيون، والسواقي، وتنظيم الري، وكانت تدخل ضمن الأعمال الخيرية.
جاءت هذه النهضة العمرانية والبشرية، التي عرفتها الجزائر، واختلط سكانها بسكان الجزائر، كان ذلك نعمة للجزائر ((خاصة وان الجزائر تعرضت إلى انهيار ديومغرافيا وانكماش بشريا، نتج عن اجتياح الأوبئة وتكرر المجاعات واضطراب الأمن، منذ أواخر القرن 14 وأوائل القرن 15م)).
وقد ساعد امتزاج الفن الجزائري، بالفن الأندلسي ((وجود حذاق من الجالية الأندلسية التي استقرت بالجزائر منذ القرن الخامس الهجري، واستمرت عملية الامتزاج نحو ثلاثة قرون… فأصبحت تلمسان ببناياتها وحدائقها أشبه بإشبيلية وغرناطة في روائعها الفنية وطبيعتها الفتانة)) .
كما برع سكان الأندلس بالجزائر في النقش على الخشب، عبروا عن عبقريتهم هذه في صنع المنابر، تحمل صورا، وزخارف هندسية رائعة في ((أسلوب مغربي إسباني حمله إلى شمال إفريقيا الفنانون الأندلسيون)).
ولم تقتصر مساهمة مهاجري الأندلس في الميدان العمراني فقط، بل أطالته في جميع الميادين لأنهم كانوا شعبا حيويا ونشيطا ذو حضارة راقية ممزوجة بين حضارة الشرق والغرب، ولأنهم امتزجوا امتزاجا كليا مع الجزائريين وكونوا شعبا واحدا متلاحما، عاد ذلك كله بالخير واليمن على الجميع.
ففي الميدان الحربي مثلا، ساهمت القوة البشرية في تدعيم القوة الدفاعية للجزائر فأقبل العديد منهم للعمل في الأسطول الجزائري، للدفاع على السواحل الجزائرية، وصد الغارات الأوروبية المتكررة.
كما ساهموا في تحرير كثير من المدن الجزائرية، التي أحتلها الإسبان، وقضى عروج على المتعاملين مع العدو الإسباني ومنهم شيخ تنس، بمساعدة مهاجري غرناطة وكان ذلك سنة 1517 م.
وبحكم طول مدة عيش مهاجري الأندلس بإسبانيا، فقد أفادوا الجزائريين، بإعطاء صورة واضحة عنها فتمكن الجزائريون بمساعدة مهاجري الأندلس من معرفة نقاط القوة، ونقاط الضعف لخصمهم الإسباني لذلك حضروا لهم استراتيجية حربية محكمة، تتلاءم وشدة حماس الأندلسيين في الانتقام من سالبي حقوقهم و طردهم من بلادهم المتمثل في العدو الإسباني.
انتفعت الجزائر أيضا بالخدمات الاقتصادية للأندلسيين المهاجرين إليها، ففي الميدان الزراعي مثلا فقد طوروا النمط الفلاحي في الجزائر وذلك بإدخال تقنيات زراعية متطورة، فارتفعت نسبة الأراضي المستصلحة في متيجة، وعنابة، وتلمسان ووهران التي اشتهرت، بإنتاج مختلف أنواع الفواكه، مثل حب الملوك والإجاص، والتفاح والبرتقال، والعنب إلى جانب زراعة الزيتون والخضر والفواكه بمتيجة و زراعة التوت والأرز والقطن في مستغانم ومليانة وعنابة.
وخير منطقة لاقت عناية أكبر في الميدان الزراعي، من طرف مهاجري الأندلس، سهل متيجة وأخص بالذكر فحص مدينة البليدة الذي اقتطعه خير الدين لجماعة من الأندلسيين تحت رعاية الشيخ سيدي أحمد الكبير، الذي استقر بوادي الرمان والذي أصبح يعرف فيما بعد باسم وادي سيدي الكبير، وبذلك غدت البليدة، وأحوازها تتميز ((طيلة العهد العثماني بإنتاجها الوفير وبجناتها الفيحاء، التي كانت ملاذا للجنود الأتراك المتقاعدين)) .
لم يكن الأندلسيون الجزائريون فلاحين فقط، بل كانوا أيضا صناعيين مهرة، فقد برعوا في مختلف المهن فكانوا بحق عمال ورشات مختصة في الخياطة (جلود، حرير، أقمشة)، والنجارة والحدادة، فمازالت صناعة القطيفة والشبيكة النسوية شاهدة على براعة المرأة الأندلسية في الجزائر.
كما ازدهرت صناعة الزرابي، على يدهم في نواحي الغرب الجزائري، وخاصة تلمسان، بل يعود إليهم الفضل في تحسين صناعة الأسلحة، وإعداد البارود، وتطوير صناعة السفن، بمينائي الجزائر وشرشال.
كما ساهم الأندلسيون الجزائريون بأموالهم الكثيرة، التي تمكنوا من نقلها معهم إلى الجزائر واستثمروها في الفلاحة والصناعة، وخاصة عملية الجهاد البحري، لإشفاء غليلهم من الإسبان الذين سلطوا عليهم شتى أنواع العذاب والاضطهاد فظهر منهم (الأندلسيين) رياس مرموقين، لهم باع طويل في مداعبة البحر وركوبه، وهم مراد الكبير وأحمد أبو علية.
وهكذا تكون الجزائر، قد استفادت من خدمات وصنائع مهاجري الأندلس، كما استفادوا هم أيضا من الجزائر التي وجدوها مجالا خصبا، وفضاءا سياسيا يتحركون فيه بحرية وأمان وسلام، وملكت هذه الجالية في الجزائر ما لم نستطيع ملكه في إسبانيا ذاتها.
وهكذا فقد موّن وموّل أندلسيو الجزائر العملياتِ الجهاديةَ، فأصبحت الجزائر تكبر في أعين أعدائها يوما بعد يوم وفي مختلف القطاعات، ولكن في نفس الوقت جلب لها كيد الأعداء وتربصهم لها في كل الأوقات والأحوال.
وإذا عرجنا إلى الميدان الاجتماعي والثقافي، فهو الآخر قد ترك الأندلسيون فيه بصماتهم، فقد أضحى الأهلي الأندلسي رقما هاما وفعالا في المعادلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يمكن تجاهله أو الاستغناء عن نشاطه الدؤوب.
فلقد انصهر الشعبان (الجزائري والأندلسي) في بوتقة واحدة، عن طريق الزواج لما يربطهما من وحدة اللغة و وحدة الدين ووحدة الحضارة ووحدة المصير المشترك، فزادت هذه اللحمة من صلابة الدولة الجزائرية الحديثة، والتي ما فرطت في الدفاع عنها بشيء بكل غال ونفيس.
فرغم هذا التجانس العرقي واللغوي والديني والحضاري بين الاثنين، إلا أن الدكتور ناصر سيعدوني استطاع بفكره الثاقب أن يرصد لنا سبعة مميزات كانت تميز الجالية الأندلسية عن غيرها من بقية طوائف المجتمع الجزائري وهي:
حنين الجالية الأندلسية إلى وطنهم الأصلي والعودة إليه، وأكثرهم علما وثقافة عن باقي المجتمع (النخبة) لمستواهم العالي الذي تحصلوا عليه وهم بالأندلس، الأجانب أكثرهم جهادا وحماسا ضد النصارى الإسبانيين لما عانوه منهم، وأصبحوا يشكلون برجوازية وطنية حقيقية في المدن الساحلية، وصبغها بصبغتهم الأندلسية، وتميزهم بذوق رفيع وطريقة حياة لها أصولها في المأكل والملبس والعمران، وتعلمهم المتحضر وأخلاقهم المهذبة، ومنازلهم القرميدية المؤثثة والمجهزة بأحسن أنواع الفراش والزخارف المتفنن فيها وغنى قاموسهم اللغوي، المتميز بلهجتهم العربية المميزة مثل استعمال الألف بدل القاف مثل (أهوة بدل قهوة وأرابة بدل قرابة، وقلب التاء مكان الثاء، مثل تور بدل ثور، وتريا بدل ثريا، إلى جانب أنهم عملوا على شيوع بعض المفردات الإسبانية بين أفراد المجتمع الجزائري، وأهم نقطة إيجابية في هذا الموضوع أنهم شجعوا سكان شرشال وبجاية، وأرزيو ودلس وتنس على استعمال اللغة العربية إلى جانب لهجتهم البربرية، وجود جماعة يهودية متميزة من أصول أندلسية (السفرديم)، خاصة في مركزها الرئيسي في تلمسان، وبداية الدمج الفعلي والجماعي للجالية الأندلسية في المجتمع الجزائري منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.
ويضيف الدكتور سعيدوني أربعة عوامل أساسية ساهمت بقوة في عملية ذوبان ودمج الأندلسيين و هي: استمرار خطر التحرشات الإسبانية على السواحل الجزائرية، فدفعهم ذلك إلى النزوح إلى المناطق الداخلية، وعدم تجاوب الحكام الأتراك مع همة ونشاط الأندلسيين، بحيث لم يلقوا الدعم الكافي والتحفيز المطلوب، ونظرة الأتراك لهم بنظرة متساوية مع بقية السكان، تفتح الجزائريين ومد يدهم الممدودة لإخوانهم الأندلسيين، في أن يقاسموهم في أعز ما يملكون، زيادة على سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية التي عرفتها الجزائر في العصر المتأخر من عصر الجزائر العثمانية، فقد انتشرت المجاعات والأوبئة و فقدان الأمن.
2-الانعكاسات السلبية: وإذا تتبعنا تبعات الجالية الأندلسية وما مدى انعكاساتها السلبية على الجزائر، نجد تعرض الجزائر إلى حملات استعمارية صليبية من قبل إسبانيا بصفة خاصة ومن طرف أوربا بصفة عامة.
فتعرضت السواحل الجزائرية إلى الاعتداءات الأجنبية المتكررة، فاحتل الإسبان المرسى الكبير في الفترة الممتدة من 1505 م إلى 1792 م، أي اكثر من قرنين ونصف، ووهران سنة 1509 م وبجاية في عام 1510 م وعنابة 1510.
واحتلوا حصن البينيون سنة 1510 بقيادة دي نافارو، واحتل الجنويون جيجل سنة 1514، واحتل الإسبان هنين سنة 1531، وفي 1529 حرر خير الدين برج الفنار بميناء الجزائر العاصمة وفي أعـوام 1516 و1519 و1531 و1541 حاول شارلكان الإسباني أن يحتل مدينتي الجزائر وشرشال إلا أن محاولاته باءت بالفشل لصمود الجزائريين بقيادة خير الدين.
وتكررت الحملات الإسبانية على الجزائر، وهذه المرة ضد مدينة الجزائر عام 1567 بقيادة خوان قاسكون وأهمها الحملة الضخمة ضد الجزائر العاصمة سنة 1601 التي اشتركت فيها قوات (( البابا، وجنوة و نابل، والطوسكان، وصقلية وسردينيا، وبارما، ومودينا، ولابروطان، وجزر البليار وقادها جان أندري دوريا حفيد الأميرال الإيطالي أندري دوريا )) .
إلى جانب حملات الهولنديين ضد مدينة الجـزائر في ســـنـوات 1620 و1623 و1624 و1662، وحملات الإنجليز ضد مدينة الجزائر في سنوات 1620 و1655 و1672، وحملة فرسان مالطة عام 1647 وحملات فرنسا على الجزائر في أعـوام 1663 و1664 و1665 و1682 و1683 و1688.
وحملة الدانماركيين ضد الجزائر عام 1770 وحملة اللورد ايكسموث الإنجليزي ضد مدينة الجزائر سنة 1816 وحملة الأميرال هاري نيال الإنجليزي سنة 1824 وحملة الفرنسي Collet على مدينة الجزائر عام 1827.
ما يلاحظ على هذه الحملات أنها كانت مكثفة ومركزة على وجه الخصوص على محاولة إسقاط العاصمة الجزائر، مركز ثقل الدولة الجزائرية الحديثة على عهد العثمانيين.
كما شاركت فيها قوى أوربية استعمارية صليبية متعددة الجنسيات، عملت بثقلها السياسي والعسكري للنيل من سيادة الجزائر، التي أرغمت هذه الدول على دفع إتاوات سنوية منتظمة إلى خزينة الدولة الجزائرية.
وإذا قمنا بترتيب الدول من حيث عدد حملاتها على الجزائر نجد إسبانيا في المرتبة الأولى ثم تليها فرنسا ثم انجلترا، ومن هنا يتعين علينا تحديد الأعداء الكبار للجزائر والذين كانوا ينسقون فيما بينهم لجمع أوربا قاطبة ضد الجزائر، بحجة أنها تمارس ضدهم القرصنة والرق، والحقيقة أنها كانت تهدف إلى كسر شوكة الجزائر التي أصبحت تقلق أوربا، بعدما أصبحت قلعة جهاد في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، والتي فتحت ذراعيها للمسلمين الفارين من إسبانيا.
وإذا استنطقنا مجموع الحملات الصليبية على الجزائر، نجد أنها كانت متتالية سنة بعد أخرى أو متقاربة جدا لا يفصل بين حملة وحملة أخرى إلا بضع سنوات، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على الإصرار والتصميم الإستراتيجي، على محاولة القضاء على الدولة الجزائرية الفتية، ومحوها نهائيا من الخريطة الجيوسياسية للعالم.
وفي نفس السياق فقد تعرضت الجزائر في نفس السنة، إلى أكثر من حملة، وأقصد بذلك أنها هوجهت من طرف أكثر من دولة واحدة في السنة الواحدة، وهذا يدل على التضامن الأوربي وتحالفهم لأجل تحطيم الجزائر، فمثلا سنة 1620 والتي شاركت فيها كل من هولندا وانجلترا.
وأحيانا تفشل حملة دولة أوربية، فتليها حملة دولة أوربية أخرى مباشرة، حتى يرهقون بها قوة الجزائر ليسهل عليهم احتلالها، إلا أن ذلك ما كان ليكون، لأن الجزائريون كانوا على علم بذلك.
ولذلك أفشلوا هذه الحملات الواحدة تلو الأخرى، وإن كانت مع طول الزمن قد أتعبت الجزائريين وأرهقت طاقتهم وبددتها، ونالوا من قوة الجزائر في معركة نافارين سنة 1827، حيث وجهوا ضربة قاضية لحارس الجزائر والأمة الإسلامية في البحر المتوسط جمعاء أي (الأسطول الجزائري).
لقد دفعت الجزائر ضريبة الدم، طيلة ثلاثة قرون وربع قرن كاملة، من مواجهات عسكرية، وحصارات اقتصادية، كان ذلك كله لأنها وقفت موقفا تاريخيا شجاعا عندما تضامنت مع إخوانها المطرودين من الأندلس وكذلك من جراء كونها أصبحت قاعدة خلفية متقدمة للدولة العثمانية، التي أصبحت تهدد الوجود الأوربي لذلك قاوموها واستدرجوها إلى حيث استطاعوا إخراجها من جنوب شرق أوربا إلا في اسطنبول وضواحيها
وتعرضت الجزائر أيضا إلى تسرب عدد كبير من اليهود القادمين إليها، من الأندلس والذين احتكروا التجارة وكونوا طبقة اجتماعية وبرجوازية متميزة وفي غياب الوثائق لا نجزم أنهم كانوا أحد أطراف الصراع مع الحكومة الجزائرية.
إلى جانب استئثار العنصر الأندلسي واليهودي في أهم المجالات الحيوية بحكم الامتيازات التي تحصلوا عليها على حساب العنصر التركي، الذي ركز على الجانب العسكري، والعنصر الجزائري المهمش لاستلابه من حقوقه الأساسية لخوف الأتراك منه، لذلك قربوا إليهم اليهود والأندلسيين وعزلوا الجزائري، إلا فيما يهمهم من قريب ويخدم مصالحهم.
ونقدر ما ساهمت به الجالية الأندلسية في ترقية وازدهار المدن الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط إلا أن المدن الداخلية البعيدة عن الساحل سادها التخلف والفقر والجهل، لأنها كانت بعيدة عن الاحتكاك الحضاري، ولأنه عنصر الحياة، لعيش الأمم، واستمرارية مسيرتها.
مما أدى إلى التفاوت الاجتماعي والحضاري، بين سكان الساحل، وسكان الداخل. بل ذهبت بعض الأطراف إلى حد اعتبار أن المدن الجزائرية الساحلية لم تستفد استفادة حقيقية من التطورات السريعة التي كانت تعيشها أوربا في عصر النهضة الذي توج بظهور الثورة الصناعية.
وعليه فإن التطور النسبي للمدن الساحلية الجزائرية، لم يكن سوى قوة ظاهرية وتقدم مصطنع، باعتبار أن الجزائر اكتفت بالعيش من البحر وأهملت العمق الطبيعي والامتداد الجغرافي للجزائر بكل أبعادها.
3 – صدى طرد الأندلسيين وانعكساته على إسبانيا
أ – الصدى الإيجابي: كانت عملية طرد المسلمين، ذات أبعاد إيجابية، وأخرى سلبية على إسبانيا، فمن جملة إيجابياتها، أنها حققت نصرين عظيمين، الانتصار على المسلمين، وافتكاك آخر مملكة منهم (غرناطة)، واكتشاف أمريكا سنة 1492، ووحدت السلطة وإعطائها للملك والقضاء على النظام الإقطاعي، والنبلاء الذين تخلصوا منهم بإرسالهم إلى الحروب.
كما استفادت إسبانيا من التركات والمخلفات التي خلفها المسلمون وراءهم عندما اجبروا على الرحيل من الأندلس فاستولت الحكومة الإسبانية على أموالهم وعقاراتهم وفنونهم وكتبهم.
لكن بعض المؤرخين الإسبانيين، يقولون بأن طرد المسلمين لم يؤد بالبلاد إلى الهاوية، وإنما هو كأي كارثة ستزول آثارها مع الزمن.
وإن أكبر استفادة حققها الإسبان في هذا الشأن، هو تحقيق شرط إزبيلا في طرد المسلمين من الأندلس وملاحقتهم حيثما هاجروا.
وأصبحت الأماكن الأثرية التي تعبر عن العبقرية الإسلامية في الإبداع الفني، مرتعا هاما للسواح الأجانب إلى إسبانيا وبالتالي حصولها على عملة صعبة كثيرة.
وإن كان الإسبانيون عملوا على إزالة العديد من الزخارف الموجودة في الآثار الإسلامية، بهدف تشويه سمعة المسلمين وحضاراتهم.
ومما لا شك فيه أن الإسبانيين قد استفادوا كثيرا من علوم وفنون المسلمين وطوروها، فكانت سببا في تقدمها وازدهارها.
ب- الصدى السلبي: يرى كثير من النقاد، والمحللين السياسيين، في العصر الحديث أن إبادة المورسكيين كانت ضربة شديدة الوقع على إسبانيا.
لقد ظهر ضعفها أيام بعد النفي الجماعي للمسلمين، ففضلت كثير من العناصر النشيطة مغادرتها البلاد تاركة وراءها خرابا حقيقيا وإن أنكرته بعض الدراسات الإسبانية.
وإذا علمنا أن مدة الهجرة والتهجير قد استمرت زهاء قرنين من الزمن، أمكننا تصور حجم الكارثة على إسبانيا.
فقل إنتاجها الزراعي وكسدت تجارتها، وركدت صناعاتها إلى جانب تناقص سكانها.
وهكذا تكون إسبانيا قد فقدت روجها وقوتها العلمية والمدنية بتحطيم دولة الإسلام، وإبعاد المسلمين عنها
إن المجازر التي ارتكبتها إسبانيا في حق المسلمين، تعد وصمة عار في جبين الطبقة الإسبانية المثقفة، لأن الجهل عم حكامها وذلك بتسلط الرهبان المسيحيين على أغلب دواليب الحكم بها.
ومما يدل على قوة التأثير الإسلامي في الأندلس، فإن الأستاذ “لوسيار” يعطي لنا صورة مصغرة، عما كانت عليه إسبانيا قبل طرد المسلمين، فيقول: (( إذا كنا لا نستطيع تصديق المؤلفين العرب، الذين يقولون، انه كانت توجد على ضفتي الوادي الكبير، أربعة عشر ألف قرية، والأمر المحقق هو أن هذه الناحية، كانت على ازدهار عظيم )).
كيف لا تكون الكارثة على إسبانيا، إذا علمنا عن طريق المؤرخ الإسباني “نافاريتي”، على لسان عبد الرحمان الجيلالي، بأن هذا المؤرخ الإسباني أورد رقما يقدر بخمسة ملايين مطرود، منهم مليونان من اليهود بحيث كان مجموع سكان إسبانيا آنذاك لا يتجاوز الثمانية ملايين نسمة.
ولم تكتف إسبانيا، بما قامت به من طرد تعسفي اتجاه المسلمين، فراحت تلاحقهم للقضاء عليهم، وهكذا تكون إسبانيا قد حرمت نفسها من أحسن العاملين فيها وفقدت تجارتها، وخاصة عندما لجأت إلى نقل 28 ألف مطرود سنة 1609 إلى مدينة وهران التي كانت تحت سيطرتها آنذاك.
وأخيرا يمكن القول إن حضارة المسلمين بالأندلس التي دامت قرابة ثمانية قرون، حاولت يد الإثم والعدوان أن تنتقم من هذا الموروث الحضاري الإسلامي، إلا أنه ما زال يتحدى عوادي الزمن وأيادي الإجرام.