ولكن كانوا أنفسهم يظلمون..! بقلم الشيخ كمال أبوسنة
الشيخ كمال أبوسنة
لا يجوز نقلا وعقلا أن نُحمِّل أحدا جريرة أحد آخر، لأنه كما علمنا القرآن الكريم{ َلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ومن العدل أن لا نبخس الناس أشياءهم، فنقول -دون أن يَجْرِمَنا شنآن قوم- للمحسن أحسنت، ونقول للمسيء أسأت ولو كان ذا قربى..!
المحاباة على حساب الحقيقة أهلكت الحرث والنسل وخوَّلت كثيرا من المسؤولين في قطاعات مختلفة ممن ضيعوا الأمانة أن يكونوا أصاحب الحل والعقد، متحكمين في رقاب جماهير الناس غير مهتمين بمآسيهم المختلفة، وتظلماتهم المتكررة، إذ يعيشون لشهواتهم، وإتباع أهوائهم، وتحقيق لذّاتهم ورغباتهم…فلا تتحرك فيهم شعرة ما داموا شبعانين وإن جاع الناس، و”شاربين” وإن عطش الناس، ومكسوّين وإن تعرى الناس، ومتدفئين وإن برد الناس، ومالكين للدور والقصور، وإن سكن الناس الجحور والقبور، وراكبين السيارات الفارهة من آخر طراز وإن تعذب الناس في أماكن النقل غير المهيأة، ووسائل النقل التي أكل عليها الدهر وشرب المزدحمة بالركاب فوق ما تطيق وفوق ما يطيقون..و..و..!
إن تضييع الأمانة مذهب اعتنقه بعض الجزائريين في ميادين الصناعة والتجهيز والأشغال العمومية والإدارة والتسيير… حتى أصبحت عادة يراها بعضهم كياسة وفطنة، ومن شذ وصفوه بأنه أحمق و”جايح” لا يعرف أين تكمن مصلحته…ولن يهتم هؤلاء أو يغتموا ما دامت “الأجرة” في آخر الشهر تصل كاملة غير منقوصة إلى حسابهم الجاري، والمضحك أن الذين لا يعملون وغير المتفانين في أداء واجبهم في الغالب هم الذين تجدهم أحرص الناس على المطالبة بالزيادات ورفع قيمة العلاوات، وكم في الجزائر من مضحكات ولكن ضحك كالبكاء..!
لقد ضاعت آلاف المليارات بالتبذير وسوء التسيير، أو نُهبت في مشاريع وهمية بطلها بعض المسؤولين في أجهزة مختلفة أكبر همهم تكثير الأموال والغلال، ولو أُنفقت هذه المليارات المبذرة أو المنهوبة في حقها وقُسمت على الناس بالسوية لقضينا على كثير من المشكلات الآنية التي نعاني منها..!
ولو أن كل مواطن أدى واجبه في خدمة الوطن بضمير حي وعمل للمصلحة العامة بنفس الإخلاص الذي يعمل به لخدمة مصالحه الشخصية لقطعنا أشواطا معتبرة نحو الرقي الحضاري ونافسنا الأمم الأخرى التي اعتلت القمة منذ زمن بعيد.
والحق أن ما نعانيه من ظلم كثير من المسؤولين مرجعه في الأساس إلى ظلمنا نحن المحكومين، وقد روي أن “الحسن” سمع رجلا يدعو على “الحجاج” فقال له: ( لا تفعل إنكم من أنفسكم أُتيتم، إنا نخاف إن عُزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير ). وقال “كعب”: ( إن لكل زمان ملكا يبعثه الله على نحو قلوب أهله، فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحا، وإذا أراد هلاكهم بعث عليهم مترفيهم )، وقيل: ( ما أنكرتم من زمانكم فإنما أفسده عليكم عملكم ). فالمسؤول الفاسد هو نتيجة حتمية لمجتمع ظهر فيه الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي أفراده.
إن أهواء المسؤولين والعوام على حد سواء لابد أن لا تُهادن، وكلمة الحق يجب أن تقال للمسؤولين إذا حادوا أو تجبروا، وأن تقال للعوام إذا فسدوا أو تهوروا، فالدين النصيحة، والنصيحة تكون لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، بهذا صلح حال الأولين، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.