مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

الربيع الأوروبي المعكوس في انجلترا بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم

قسوم أ.د عبدالرزاق قسوم
في الوقت الذي يغرق فيه المجتمع العربي الإسلامي، في وحل الدرك الأسفل من الانحطاط، والدمار، فتشرد نساؤه عرايا في العراء، ويتيه أطفاله، ضحايا، يلتحفون السماء، ويعاني كهوله، وشيوخه، شر أنواع البلاء.
في زمن اغتيال براءة الأطفال، واستئصال فحولة الرجال، وتجريد النساء الحرائر من كل علامات الأنفة والأنوثة، حتى من الخلخال.
عندما تنصب الخيام، لمئات الألوف من المواطنين، هرباً من استبداد الطغاة، واستجارة من رمضاء النار، بِذُلِّ الـمهانة والعار..
يومها، يحق للبائسين واليائسين من أبناء شعبنا أن يتمثلوا بشعر المرحوم أبي القاسم سعد الله:

قلت للأرض التي فيها رفاة أبويا

لِمَ نحن قد خلقنا، هكذا طينا دنيا

نألف العيش ونمضي كلنا شعبا غبيا؟

قالت الأرض كلاما، لم يكن إلا دويا

دفن الذل أناسا قبلكم، بين يديّ

فهل كتب على الإنسان العربي، في شتى بقاع أرض وطنه، أن يعيش في خوف دائم، وعلى الأرض، وفي البحار هائم، وعلى اليابسة نائم؟
وما ذنب أطفال برآء كالـملائكة، تغتال ملائكيتهم، وما لهم من ذنب اقترفوه، ولا من جرم ارتكبوه، كل حظهم أنهم ولدوا في أرض يحكمها الظلم والاستبداد، وتصب على مساكنهم ألوان الصواريخ الحارقة للإنسان والجماد؟

فمِن الفلوجة إلى ريف حلب الشهباء، ومن سيناء إلى تعز بيمن الشقاء، ومن بن قردان إلى مدينة سرت مدينة الغرباء، كلها تعيش ألوان التشريد، والتنكيل النكراء، وكل أبنائها، يذرفون الدمعة الخرساء، ويرفعون أكف الدعاء إلى السماء يا ربنا! نحن بلا غذاء! نحن بلا غطاء! نحن بلا دواء!

سبحانك اللهم، أمطرت قوما بما كسبت أيدي حكامهم، كل أنواع الشدائد والبلاء، وهاهم يتجرعون كأس العلقم، ويعانون “خازوق” الأعداء والأشقاء.

وسبحانك اللهم، تجليت على شعوب أخرى، فنشرت فيها الحرية والعدل، وقبضت فيها على معالم الظلم والجهل. فما ظلمت الأولين، ولا حابيت الآخرين..

ففي مقابل الشرق الـمظلمة أيامه ولياليه، الـمطرزة بالدماء والدموع حواشيه، يقف الغرب، ممثلا في بلاد الانجليز يفرح ويمرح، يتمتع بكل حقوقه، ويؤدي كل واجباته، دون خوف أو رقيب.

فهل الأرض جنة وجهنم كما يقول الشاعر العراقي، صدقي الزهاوي؟

خرج الانجليز، مبتهجين فرحين بما أوتوا من حرية وعدل، يمارسون حقهم في تقرير المصير، في استفتاء، انتهوا فيه إلى فك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي، إنقاذا لسيادتهم من الذوبان، وحماية لهويتهم من الغليان، وصيانة لجنيهم من التدهور والخفقان.

صوّت الشعب الانجليزي –إذن- بكل حرية مسؤولة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، الذي لم يكرهه أحد على الانضمام إليه، ولم يضربه أحد للخروج عليه.

وبغض النظر عن أسباب التصويت الانجليزي بـ “لا”، وعن عواقب هذا الانسحاب على الاتحاد الأوروبي، وعلى الانجليز أنفسهم، فإن ما يثير الإعجاب في هذه العملية المصيرية قد تمت في كنف الهدوء، الخالي من العنف أو حتى من الانفعال، فقد تكافأت أصوات المعبرين بـ “نعم”، في مقابل المصوتين بـ “لا”، واحترم المصوتون بنعم آراء القائلين بلا للبقاء داخل الاتحاد، لم يسجن أحد من هؤلاء أو أولئك، لم يصب أي واحد من الفريقين بأي أذى، بل التزم القائمون على الحكم باحترام إرادة خصومهم، وقرروا التخلي عن السلطة، تنفيذا لقرار الاستفتاء، مع ضآلة الفارق بينهم وبين خصومهم.

لماذا لا نتعلم الديمقراطية، من ممارسة الغرب لها، والانجليز أبرز مثال لذلك؟ وإن في أدبياتنا “أن الحكمة ضالة المؤمن، أنَّى وجدها فهو أحق بها”.

نتذكر كل هذا، عندما نقارن ما يحدث في انتخاباتنا وانتخاباتهم، فلم نسمع بالطعن في النتائج، ولا إسقاط النظام بالقوة، بعد الاستعانة بالداخل أو بالخارج.

ثم لماذا –التمادي- في ما تعيشه بلداننا من حِراب، وخراب، ومن دمار وشنار؟ أليس في مقدورنا، أن ننظم استفتاء كالانجليز، نستمع فيه إلى رأي مواطنينا، في الحرب، وفي السلم، بل وفي نوعية الحكم، وشخصية الحاكم؟

لماذا تتبلد ضمائرنا، فنتمادى في تطبيق سياسة الأرض المحروقة، تحت شعار “علي وعلى أعدائي”!.

اللهم إننا نبرؤ إليك مما يفعله حكامنا فينا، ومحكومونا، باسم الربيع العربي المظلوم، الذي جلب لنا الخراب والدمار لأننا ظلمنا، الفصول، والعقول، ونسير نحو المجهول اللامعقول.

لقد أقدم الانجليز، على قلب المعارف التي يقول به الشرق، فطبقوا الربيع الأوروبي المعكوس، حماية لسيادتهم من أن تنهار، ولهويتهم من أن تستثار، ولعملتهم من أن تسقط فتكون كالجنيه، أو كالدينار، وذلك هو الانكسار، الذي نعانيه نحن العرب والذي هو مرادف للانتحار.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى