حكومة بيلدربيرغ…والسيطرة على العالم
في محاولة منها لدعم وتوطيد العلاقات الأمريكية الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، حملت مجموعة من النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية على عاتقها إطلاق أكبر تجمع دولي يناقش أهم العراقيل والاشكاليات التي تقف في وجه تلك القوى الغربية التي تدير العالم وفقاً لمصالحها، فكانت السرية وما زالت تميز ما يجري من اجتماعات ومؤتمرات.
ترجع تسمية بيلدربيرغ الى فندق بمنطقة “أوستركيب” الهولندية التي شهدت أول اجتماع في مايو1954، لكن النقلة النوعية للمؤتمر الذي ينعقد كل أربع سنوات، تمثلت في تحويله من مجموعة أو نادي الى مؤتمر يسعى ظاهرياً لتبادل الخبرات والمعلومات بين صناع القرار وأصحاب النفوذ الغربيين حول أبرز القضايا العالمية.
خلال انعقاد مؤتمر بيلدربيرغ في 9يونيو الجاري لمناقشة جمله من القضايا العالمية بمدينة درسدن الألمانية في دورته الـ 64، لاسيما مشكلات المهاجرين وموارد الطاقة وأمن الانترنت والعلاقة بين الغرب الأمريكي والاوروبي والصين وروسيا ومشكلة الشرق الأوسط، كانت السرية هي العنوان الذي يجمع بين أرباب السلطة والسياسة والاقتصاد والاتصالات، فلا تُسجل محاضر المجتمعين ولا يصدر عنهم أي قرارات، ولا يُسمح لمنظمات المجتمع المدني بالمشاركة، حتى وسائل الاعلام لا يُسمح لها بتغطية تلك المؤتمرات، فما يُنشر في الصحافة الغربية عن موضوعات المؤتمر وقضاياه الرئيسية يتم نقلها عن الموقع الالكتروني الخاص به، لكنها في أغلب الأحيان تصل إلى حد الاجتهادات الصحفية، لأن حرص ما يمكن أن نطلق عليها الحكومة العالمية على سرية اجتماعاتها وقراراتها يصل إلى تحويل المدينة المُضيفة إلى منطقة عسكرية مُغلقة، فما شهده فندق “تاشينبيرغ باليه” في درسدن وفقاً لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، يؤكد على أهمية المؤتمر ودورة في رسم السياسة العالمية، لأن ما يدور في هذه المؤتمرات السرية، يكون له تأثير كبير لاحقاً على صعيد الوضع السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والدولي.
في هذه الأثناء وجُهت الكثير من الانتقادات من قبل قوى اليمين واليسار الغربي على حد سواء، وهو ما استدعى الرئيس السابع للمؤتمر هنري دي كاستري، الذي يرأس أيضاً مجموعة التأمين الفرنسية أكسا، إلى الاسراع في نفي تلك الاتهامات التي استعرضتها الصحافة ووجهتها المؤسسات والأحزاب السياسية الغربية والمؤسسات غير الحكومية للمجتمعين، حول دور المؤتمر في السياسة العالمية، مرجعاً ما يُناقش خلف الأبواب المغلقة إلى محاولات لتسهيل الحوار، متجاهلاً أسباب انقطاع نحو 140 شخص من مشاهير السياسة والأعمال عن أعمالهم للمشاركة في مؤتمر أجل الحوار فقط !.
نحو عشرون دولة كانت تُشارك في المؤتمر جُلها من الدول الأعضاء في حلف الناتو، لكن مع حلول عام 1989 بدأت دول أخرى من خارج الحلف تشارك هي الأخرى، فالاتحاد الاوروبي بات يحظى بنصيب الأسد من حيث عدد المشاركين، لأن ما يمثله من أعضاء يصل إلى نسبة الثلثين، بينما تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية وكندا على الثلث الأخير، لكن اللافت في هذا الأمر أن ثلثي الاعضاء ليس لهم صفات حكومية أو رسمية، فهم مجموعة من قطاعات سياسية واقتصادية وإعلامية وتعليم ودفاع وأمن، بينما تشارك الحكومات والمؤسسات السياسية بالثلث الأخير، ما يؤكد على دور الدولة العميقة المتفوق على دور الحكومات لتحقيق مصالحها دون الحاجة للتصادم مع الرأي العام المحلي والدولي.
إن الطابع السري للمؤتمر ودوره المشبوه تجاه معظم القضايا العالمية يثير حساسية الكثيرون، فجلسته الأولى التي عقدت في 9 يونيو الجاري صاحبها مجموعة من التظاهرات والاحتجاجات نددت بما يجري خلف الكواليس، خاصةً وأن الكثيرون يعتقدون أن المؤتمر لا يناقش حلول لتلك القضايا بقدر ما يسعى إلى خدمة المصالح الاقتصادية للقوى الغربية الرئيسية، والسعي أيضاً لإثارة الاضطرابات بين الطبقات لإبراز النخبة كمنقذ يتمكن من تمرير الرقابة والتسلط الحكومي في السياسية والاقتصاد.
لذلك من أبرز الملاحظات التي يُمكن تسجيلها في هذا الصدد، ما يتعلق بمستوى الانتقائية الكبير في اختيار الأعضاء، ودورهم في طرح الحلول، فمشاركة سياسيان أوروبيان من أصول مغربية في الاجتماع الأخير “أحمد بوطالب رئيس بلدية روتردام، والسياسية ياسمينة أخرباش من بلجيكا” جاء لحل إشكالية الهجرة والاندماج الناتجة عن الصراع السوري، كما أن جميع من شارك من ملوك ورؤساء بعض الدول والوزراء ومدراء شركات كبرى وصحفيون لهم تأثيرهم في الرأي العام الدولي وما يطرحونه من مقترحات واطروحات تصب أغلبها في مصلحة تلك الدولة العميقة التي ظلت ترفض اطلاع العالم على اسماء اعضاءها حتى وقت قريب.
فمع ظهور الانترنت وما ترتب عليه من تسريبات دفعهم الى الانفتاح الحذر على العالم، وبدأوا ينشرون أسماء اعضائهم والموضوعات والقضايا التي سيتم مناقشتها دون الاشارة الي أي بيانات أو قرارات تصدر عنهم.
رُغم ندرة المعلومات حول مؤتمر بيلدربيرغ، إلا أن هوية اعضاءه والاجواء السياسية التي تصاحب انعقاده وطابع السرية وحالة القلق التي أرخت بظلالها على الجميع، تؤكد على أن المؤتمر يهدف وفقاً لصحيفة “هافنتغتون بوست إلى سيطرة مركزية على سكان العالم من خلال ما يسمى بـ “السيطرة على العقول” أو بمعنى آخر، السيطرة على الرأي العام العالمي، خاصةً وأن جزء مهم من أعضاء المؤتمر هم مجموعة من رؤساء ومسؤولي القنوات التليفزيونية والراديو، والصحف والمجلات والكتب والأقلام الغربية.
في السياق عينه يتفق كتاب “يوميات” للسياسي الشهير في الحزب الديمقراطي الأمريكي “جيم تاكر”، الذي تتبع هذا التجمع مرجحاً أنه عبارة عن منظمة مكونة من قادة سياسيين وممولين عالميين يجتمعون سراً لوضع السياسة العالمية، خاصةً وأن أعضاء عائلة “روكفلر وعائلة روتشيلد ” ومدراء المصارف ورؤساء الشركات الدولية ومسؤولون رفيعو المستوى يلعبون الدور الأبرز في المؤتمر، ويتم إضافة شخصيات جديدة لهم حسب الحاجة.