مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

خطاب مفتوح… إلى جيلنا الصاعد الطَموح بقلم أ.د عبدالرزاق قسوم

قسوم أ.د عبدالرزاق قسوم
يا أبناءنا! ويا فلذات أكبادنا! يا مناط أملِنا، ورمز عزّتنا، وضمان مستقبلنا. أيّها السّالكون مدارج العِرفان، والتّائهون عبر قوارب الشطآن، والقابعون في غياهِب سجون شتّى البلدان!.
سلام على الّذين يصلُهم خطابي هذا، وهم يتألّمون أرقًا، ويتصبّبون عرقًا، يخوضون معركة امتحان الباكالوريا المطعون، ويدفعون ثمن سوءِ التقدير، وعدم التخطيط من المتآمِر والغشّاش والخؤون!.
بأيِّ وجهٍ نلقاكم؟ وأيّ تبرير يحقّق مبتغاكم؟ لقد خطّت الأقدار أن تكونوا ضحايا مؤامرة، محكمةِ الفصول، المستترة والظاهرة. وها أنتم، يا أعزّ فئة في مجتمعنا، تخضعون لتبعات فصول المغامرة.
نقول لكم ما قاله معلمكم الأوّل محمد صلّى الله عليه وسلّم الأمثل للمعذّبين ضحايا الجاهلية: صبرًا! صبرًا! فإنّ مصيركم الجامعة وإن بعُدت، وإنّ تتويجكم الشّهادة وإن صعُبت.
واللّه! الله! لشبابٍ في عمر الزّهور، قطّب الوطن جبينه في وجوههم، فيمموا شطر الجبال و”البحور” تتقاذفهم الحيتان والنّسور، يجرون خلف سرابِ الأيّام والشّهور، ولا لهم فيما يسعون من ثواب جهدٍ ولا سعي مشكور.
وذلك أن يتمّم شمالاً وجنوبًا من وطننا الجزائري الحبيب، ويقبِّل جبين شبابٍ محبط خائب، حطمته البِطالة، وأفسدت طبائعه وخلقه فجاج النّذالة والعمالة، فهو لم يجد من متنفسٍ له سوى العنف وسيلة، وإلاّ الجريمة سبيلاً، وإلاّ اللّصوصية دليلاً، فيا لَلّه لجيلٍ أظلم دليله، وخاب سبيله، فانهزم كثيره وقليله.
ويح أمّتي مما تعانيه من موطِن العزّة فيها، وما تدفعه من ثمنٍ باهض من رمز سؤددها، وبانيها!.
لقد أردناه أن يكون الجيل الأنيس، حامل المصابيحِ والفوانيس، يقتدي في علمه “بابن النّفيس” وفي إصلاحه “بابن باديس” فيكون نعم الجليس، ومهندس البناء والتسييس، ولكن سطا على أحلامه وآماله البئيس والتعيس، والخسيس، فحوّلوا وجهتَه من وطنية وقِيم ابن باديس إلى عمالة وخيانة نادي باريس.
هذا هو المشهد الحزين الغريب، الذي يرسمه جيلنا الصّاعِد الحبيب. إنّه جيل أظلمت الحياة في عينيه، واسوّدت الفجاح كلّها لديه، فمن يأخذ بعقله ويديه؟ ومن يهديه سبل الرّشاد، وينقذه من دهاليز الضيّاعِ والتّيه؟.
إنّ مشكلة أمّتنا اليوم بالدرجة الأولى هي مشكلة شبابٍ فقدَ البوصلة، وضاعَ منه المفتاح، فهو يوشِك أن يقود الأمّة كلّها إلى التّدهور الحضاري والانبطاح.
أيحدُث كلّ هذا وفي الدار علماء، وعقلاء، وحكماء، وأدباء، ناؤوا جيمعًا بحملِ تراث الشّهداءِ، وهو أمانة!، وباؤوا بالفشل في الوفاء لعهد العلماء، وهو ديانة! فكيف تكون الإبانة؟ وممن تُرجَى النّصرة والفطانة؟.
لقد تكاثرت على وطننا المؤامرات والمغامرات، والمناورات، ولم يستبن بعد كوّة بزوغ الفجر ولا معالم نهاية الفجور والقهر، وغاب غيابًا مريبًا أولو النُّهَى، وأولو الأمر.
ألا فليعلم القاصي والدّاني، والحبيب والغريب، ولتشهد حيتان البحر، وعقبان الجوّ والبرّ أنّ أزمة الجزائر ليست أزمة اقتصاد وعتّاد، ولا قضية مال أو أعمال، ولا قضية اجتماع أو إبداع، فقد وهبنا الله كلّ خيرات الدنيا؛ من خصوبة الحقول، وطيبة العقول إلى شساعة المساحات، وإنتاج الطيّبات.
فوطننا يمتاز بمناخ الأربعة فصول، وبخصوبة الفحول، من الرّجال والنّساء، والعجول، ووهبنا الله بسطة في الأرزاق والأعراق، وتنوّعًا في العادات واللّهجات، والأذواق، ولكن حرمَنا التحكّم في كلّ هذه الخيرات بسوءِ التحكّم فيها، وبلَيّ الألسنة والأعناق.
إنّ أزمة بلادنا تكمن في التبذير وسوء التسيير، والكفر بالبشير والعشير. وإنّ أزمة بلادنا تتجلّى على الخصوص في عدم إسناد الأمر إلى أهلِه. فالاقتصاد وتدبيره وتسييره هو علمٌ عريق، ولكن لا يزال يبحث له عن الخبراء النّبلاء، والتعليم هو علم صَقلِ العقول، والتأصيل للمرجعية الوطنية، وللأصول، ولكن غاب عن تسييره وتدبيره المتأصّل في لغتنا، وتاريخنا، ومعتقدِنا…
والسياسة، وهي لبّ الكياسة، والدّراسة لا تزال تفتقر إلى الحكيم صاحبِ الخبرة في النّزاهة، والحصافة والرئاسة.
والدّين وهو علم المقاصد، وحماية الناس من الشّرور والمفاسد، لا يزال يُبحث له عن المتجذِّر في الأحكام، والمتفطِن لأبعادِ الأحكام، والمتسامح في التعامل مع كلّ المستويات من الأنام.
ولك يا قارئي العزيز أن تفّك إشكالية تشابكِ هذه العلوم، وعرضها بحيثياتها عن واقعنا المشؤوم، لتدرك أيّ درك ما نحن فيه، وتتبيّن أصل الدّاء والهموم.
إنّ خيط العلاج يبدأ بالجيل الذّهبي كما نسمّيه، وهو جيل الشباب، فنقوم بعملية إخلاءِ عقله من الإحباطِ والقنوط، ونملؤه بقيم المعالي التي تنأى به عن السّقوط.
علاجنا الصحيح، يبدأ بإعادة النظر في منظومتنا التربوية، المزمنة الدّاء، فنسندُ أمرها إلى الأكفاء من الأطباء والخبراء، والحكماء، فيقوّمون ما فيها من إعوجاج، ويبعِدونها عن كلّ أنواع الانسلاب والارتجاج.
علينا أن نعود إلى معنى الثقافة، فنصحّح مفهومها في عقول وسلوك أبنائنا حتى يشبّوا معتدلي المزاج، بعيدين عن كلّ ما فسد من الفجاج.
ومن حقّهم علينا، أن نصلِح في لسانهم الرّطانة، التي تبعدُهم عن الوطنية والرّصانة، فنحبّب إليهم ثقافة الوطن، ونحصّنها ضدّ كلّ أنواع الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والتاريخ! التاريخ! علينا أن نبرر ما ذبُل فيه من شماريخ، وأن نكشف بالتوبيخ كلّ من تجرّأ وذمّ التاريخ.
وصمام الأمان هي الشريعة الإسلامية فهي المحصّنة لعقولنا، وقلوبنا، وسلوكنا من كلّ ألوان الآفات والرّزية.
فأصلحوا الجيل الجديد، تضمنوا المستقبل السّعيد، والمجد التّليد، وإلا فبئس الوّعد وبئس الوّعيد، وهذا ما نعانيه –لسوء حظّنا- من هذا الحمل الثقيل العتيد، وإنّه –والله- لذو عقاب شديد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى