ويكي ليكس تربوي في وزارة نورية بن غبريط بقلم أ.عبد الحميد عبدوس

أ.عبد الحميد عبدوس

لم يكن الكثير من الجزائريين يتوقعون حدوث تلك الفضيحة أو الكارثة الوطنية على حسب تعبير البعض، حيث مست تسريبات مواضيع امتحان البكالوريا التي يمثل رهانا مصيريا لمئات الآلاف من الشباب والعائلات الجزائرية، ويمس بمصداقية النظام التربوي الوطني، وفي الوقت الذي كان يحدث فيه ذلك ” الويكي ليكس” التربوي لامتحان شهادة البكالوريا، كانت وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط ومساعدوها المقربون يجتهدون في التقليل من خطورة ما يحدث. ربما كانت الوزيرة تعتقد أن عسكرة مراكز الامتحان واستعمال الصرامة القصوى ضد المتأخرين عن مواعيد الامتحان، وتهديد الغشاشين بمضاعفة عقوبة الإقصاء من البكالوريا رافعة مدة الإقصاء إلى 10 سنوات بدلا عن 5 سنوات، وقطع الانترنت عبر الهواتف المحمولة عن مراكز الامتحانات طوال فترة الامتحانات من29 ماي إلى 2 جوان سيجعل امتحان البكالوريا نظيفا من كل غش وخال من كل سوء.
بل لم تتورع السيدة نورية بن غبريت حتى عن اتهام أولياء التلاميذ، الذين قالت عنهم إن الكثير منهم يشجعون أبناءهم على الغش من أجل نيل أعلى الدرجات، موضحة أن الأولياء يقتنون لأولادهم هواتف ذكية مزودة بالأنترنت، بغرض مساعدتهم على النجاح، ولكنهم بذلك يجعلون منهم لصوصا.
رغم كل هذه الجعجعة الكبيرة صدم الرأي العام الوطني بفضيحة التسريبات التي تواصلت لعدة أيام دون تحرك وقائي من الوزيرة ومصالحها المعنية لإحباط مخطط التسريب بإعادة صياغة أسئلة جديدة “احتياطية”، ولم تكن الجزائر للأسف حتى في مستوى إثيوبيا، التي ألغت امتحانات البكالوريا بشكل رسمي، بسبب تسريب موضوع مادة اللغة الإنجليزية عبر “فيسبوك”، حيث أعلن وزير التعليم الإثيوبي “إن وزارة التعليم تابعت ما تم تداوله عبر فيسبوك، على أنه أسئلة امتحان مادة اللغة الإنجليزية ليتم التأكد من مطابقة الأسئلة المتداولة مع امتحان المادة”.
ولكن وزيرة التربية الوطنية، لم تدرك فداحة عملية التسريب إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس، لتعترف بعدها لوسائل الإعلام ” أن تسريب مواضيع البكالوريا كان ممنهجا ومخططا له لاستهداف الدولة والمساس بمصداقيتها، وإن من كان يقف وراء تسريبات مواضيع البكالوريا لـ2016، لم يكن يقصد فقط رأس الوزيرة، بل كان هدفه هو المساس بالدولة الجزائرية ككل”.
كما أصدرت وزارة التربية بيانا قالت فيه: “شهدت البكالوريا سلسلة من الهجمات الإعلامية المكثفة (مواضيع مغلوطة) على شبكة الانترنت عبر صفحات ومواقع شبكات التواصل الاجتماعي قبل وأثناء وبعد سير الاختبارات. إنه تم تسخير في سبيل ذلك العديد من الطاقات والسبل والوسائل التكنولوجية المدهشة ما يعكس الرهانات التي يمثلها امتحان الباكالوريا عند المجتمع والتطلعات والآمال التي يؤججها لدى العائلات الجزائرية.
واللافت للانتباه أن مكتب المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني (الكناباست) بالأغواط، كان قد أكد في بيان له أن بكالوريا 2016، خرجت هذه السنة عن المعهود، لأن هناك مراكز خيطت على المقياس لأصحاب النفوذ والأموال وأشباه السياسيين، وأن تصرفات بعض رؤساء المراكز ساهموا في إرساء ظاهرة الغش وتمييع القطاع الاستراتيجي والحساس وذلك عن طريق عدم احترامهم للقوانين المنظمة لسير امتحانات شهادة البكالوريا وتسامحوا مع مترشحين ضبطت بحوزتهم أكثر من 5 هواتف ورفضوا طردهم من مراكز الإجراء.
ومن جهته أكد السيد علي صالحي، المدير السابق للديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، أن عملية تسريب أسئلة امتحان شهادة البكالوريا 2016، قد تمت بنسبة 90 بالمائة، على مستوى “مطبعة” الديوان، ومع ذلك ترفض وزيرة التربية الوطنية على ما يبدو تحمل المسؤولية وتقديم استقالتها كما فعل وزير التربية الأسبق في التسعينيات، الدكتور علي بن محمد الذي كان الجميع يعرف أنه ضحية مؤامرة وصراع إيديولوجي ولغوي، ولكن جميع سهام النقد والتشفي وجهت صوبه، ولم توجه صوب المتآمرين والمتسببين في التسريبات.
واليوم فإن وزارة السيدة بن غبريط وبعد كل ما حدث مازالت تصدر البيانات التفاخرية، حيث وصفت مساء الخميس، أي بعد فضيحة التسريبات السنة الدراسية بـ”الناجحة”.
وفي الوقت الذي كان فيه ممثلو نقابات القطاع التربوي قد ركزوا على “حتمية إلغاء امتحان البكالوريا” ردت الوزيرة بأن إلغاء البكالوريا لهذه السنة أمر مستبعد، خاصة وأن التسريبات لم تمس كل الشعب، وإنما اقتصرت على بعض المواضيع في مواد معينة، وكان “عبد الوهاب قليل” رئيس ديوان وزارة التربية الوطنية، قد أكد أنه لن يتم إعادة امتحان شهادة البكالوريا.

Exit mobile version