الطائفية نبتت من جديد في العراق بقلم أ.د عمار طالبي
أ.د عمار طالبي
كان العراق يتعايش سكانه بجميع أعراقهم وطوائفهم في هدوء وأخوة، وسام يتجوز بعضهم من بعض، ويتصاهرون ويتجاورون، اختلطت دماؤهم، وتهادنت قلوبهم، وتصافت أنفسهم، واشتركوا في ثروات بلادهم، وسعدوا بها، وسعدت بهم، لا عداوة ولا بغضاء، ولا شحناء، ولكن الشيطان الأمريكي وأتبعاه من شياطين العراق الذين جاؤوا ليحكموه، بل جيء بهم أذيالا، وأولياء وأنصارا للأمريكان، فملأت العراق بالفساد، وغرست فيها الطائفية، وبعثت من مرقدها، بعدما دفنت، وولدت بعدما وئدت، ووضعت ألغام أخذت تنفجر وتدمر النفوس قبل الأجساد، والثقافة قبل الموارد والخيرات، فأتى طوفان الطائفية والعرقية، والعصبية الممقوتة وأحيت المعارك التاريخية القديمة التي عفا عليها التاريخ، وتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، ورفعت شعارات الفتنة، ونودي الأموات ليشهدوا المجازر، فهذا الإمام الحسين الشهيد ينادى للقتل وهو بريء مما ينادى به، ولا يرضى لآل البيت أن يكونوا قتلة سفاكين للدماء، وهو ذو الخلق العظيم، كما لا يرضى جده -صلى الله عليه وسلم-، ولا والده الإمام علي، -رضي الله عنه-، ولا يقبل بحال أن يقتل الأبرياء باسمه، ويكون اسمه شعارا للانتقام ممن لم يرتكبوا جريمة قتله، ولا شاركوا فيها، واتخذ اسمه لإثارة الفتن وما أبعده عن أن يرضى بالفتنة التي هي أكبر من القتل وأشد، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ويذكر اسم يزيد وهو في عالم الغيب عند ربه، قد أكله التراب، وأصبحت عظامه رميما، ولا يعرف له ولد ولا أحفاد اليوم ليقع الانتقام منهم كما يتوهمون. لم يكن آل البيت السلف يقيمون هذه المنادب وهذا النواح وشحن النفوس، لتملأ بالحقد والبغضاء، وتدفع إلى معارك مسرحية ما أنزل الله بها من سلطان، فقد انتقل جده إلى الرفيق الأعلى ولم تقم له حسينية، وأشار القرآن إلى النهي عن تقديس الأشخاص وإن كانوا أنبياء تقديسا مبالغا فيه، كما فعلت النصارى في عيسى عليه السلام:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:144].
فهذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فما بالك بغيره من ذريته وأحفاده، والصالحين من عباده، وها نحن اليوم نسمع أصواتا بذيئة تؤذي صحابيا جليلا، ذا النورين، صهر رسول الله وصاحبه، وباذل أمواله في سبيل الله والدفاع عن الإسلام في أول ظهوره، يجهز الجيوش ويحمي الديار، ويخشى الله، ويكفيك جمعه للقرآن، وحصنه من أن يتغير أو يتبدل، وامتناعه عن أن يدافع عنه أحد، حتى لا تسفك الدماء، وأمر لجنة عظيمة من الصحابة للإشراف على جمع القرآن في مصحف واحد ترسل نسخ منه إلى الأقاليم وتحمل المسؤولية زيد بن ثابت الصحابي الجليل الجامع للقرآن والحافظ له عن ظهر قلب.
فهذا الأذى لا يرضاه الإمام علي ولا سبطه الإمام الحسين رضي الله عنهما وأرضاهما.
إن جنون العصبية والطائفية قد دعمَّ العراق وطم، وأتى على أمة العراق مدمرا لها وطفح فساد المترفين السياسيين ونهبهم للأموال، طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فساد الذمم، وفساد الدين، وهؤلاء الأحزاب التي تزعم أنها إسلامية، ومن آل البيت، ولكن أعمالهم تكذبهم وسلوكهم يفضحهم لدى المسلمين في العالم كله.
إن آل البيت يبرأون منهم، ومن أعمالهم المشينة. هذا، وكبار المرجعيات لا تنهى عن المنكر، ولا توقف أتباعها عن هذه الفتن. حفظ الله العراق وأهله، وأذهب عنهم كل كرب وفتنة.