مجازر الثامن من ماي وتحول الوعي بالقضية الوطنية بقلم ا. عبد القادر قلاتي
أ. عبد القادر قلاتي
لم يقدم المشروع الاستعماري الغربي لبلادنا ولكثير من الأقطار الإسلامية، إلاّ الدمار والجراب، فسجله الاستعماريّ حافل بالجرائم التي ارتكبها في كثير من هذه الأقطار، من أجل تثبيت مشروعه، وتحويل هذه الأقطار إلى فضاء ملحق بنظمه الاستعمارية، يكون فيها الإنسان -غير الأوروبي- خادماً مطيعاً، لهذا السيد المغتصب الذي يبني حضارته على أنقاض هذه الأقطار المغتصبة.
لقد عرفت بلادنا في تجربتها مع الاستعمار الغربي، أشرس أنواع الظلم والقهر والجباروت، وضاق شعبنا، ألواناً شتى من مظاهر الظلم، لم يُعرف لها مثيلا في أقطار عربية وإسلامية أخرى عرفت الاستعمار الغربي، لقد تركت سياسات الظلم والقهر في نفوس الشعب الجزائري آثارا كبيرة، عملت على تحويل هذا الشعب من شعب مستكين خانع، إلى شعب عاشق للحرية والاستقلال، فكان يترجم هذه الوضعية إلى مظاهر صمود وتمرد، تدفع بأدوات الاستعمار إلى القمع ومحاولة إخراس الألسنة، باستخدام القوة المفرطة، في عمليات إبادة جماعية، لقد كانت مجازر الثامن من ماي 1945م أوضح صورة لهذا التحول الخطير في السياسة الاستعمارية، فقد اختلفت التقارير عن عدد القتلى والجرحى فوزير الداخلية الفرنسي، ذكر في تقريره أن عدد الجزائريين الذين شاركوا في الحوادث قد بلغ 50 ألف شخص، ونتج عن ذلك مقتل 88 فرنسيا و 150 جريحا. أما من الجانب الجزائري فمن 1200 إلى 1500 شهيد (ولم يذكر الجرحى). أما التقديرات الجزائرية فقد حددت بين 45 ألف إلى 100 ألف شهيد، في حين ذكرت جريدة “البصائر” لسان حال جمعية العلماء المسلمين أن العدد تجاوز 85 ألف شهيد، ومهما كان العدد فقد كانت فظاعة السياسة الاستعمارية تتجاوز كلّ الحدود، لقد كانت هذه السنة – 1945م- تشكل تحولات حاسماً في الوعي بالمسألة الوطنية، كما كانت بداية العد التنازلي للمشروع الاستعماري في بلادنا، فخطاب الاستقلال غدا يزاحم بل تجاوز كلّ الخطابات المحافظة التي كانت تطبع الواقع السياسي المشكلّ للعلاقة القائمة بين الإدارة الاستعمارية و الطبقة السياسية الجزائر، نعم لقد أحدثت هذه المجازر نقطة تحول كبيرة في مسار النّضال والتضحية من أجل الحرية والاستقلال، وشكّلت الزاد الكافي لمشروع الثورة الذي أصبح واقعا بعد أقل من عشر سنوات.
إننا لا نستحضر الذكرى لقراءة عدد الشهداء، والتشهير بجرائم المشروع الاستعماري الغربي فقط، لكن نستحضرها من أجل الوقوف -دائماً -أمام هذه المفاصل المهمة من تاريخنا، لنتعلم المزيد من قيم التضحية والنضال من أجل المحافظة على الذات والخصوصية، لأن المشروع الاستعماري القديم مازال يمارس دوره بكلّ صفاقة وحقارة، ومازال -أيضا- يستخدم الأدوات نفسها، ويكرس خطابه المغلف بقيم الحضارة والإنسانية، ولكن هيهات ثم هيهات، فلن يلدغ المؤمن من جحر مرتين…