وصل الدين بالدولة في الجزائر بقلم أ.د عبد الرزاق قسوم
هل أتى على الإنسان الجزائري زمن أصبح فيه الإثبات بالخلف، كما يقول المناطقة، هو المطلب الضروري؟ فقد انقضى عهد الاستعمار، الذي كان فيه الشعار المرفوع لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين هو فصل الدين عن الدولة. وما الدين المطلوب فصله إلا الإسلام، دين الأغلبية الشعبية في الجزائر، وما الدولة المقصودة بفصلها عن الإسلام، إلا الدولة الاستعمارية، الفرنسية اللائكية اسماً، المسيحية وسماً، المعتدية على الإسلام رسماً.
أبلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بلاء حسناً، في الدفاع عن القضية ذات الذنب الطويل، كما سماها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والعمل على تخليص الإسلام، بأوقافه ومساجده وتعاليمه، من براثن نظام يتحكم في الألسنة والعقول والرقاب، ويتدخل في تعيين المؤذن، والإمام، والحزّاب.
وانقشع ليل الاستعمار عن بلادنا، وأشرقت خيوط شمس الحرية على حقولنا وعقولنا، وأصبح منهج البرهان بالخلف، هو المطلوب تثبيته، فأصبح كل ما كان يأتيه الاستعمار، يجب مخالفته، وتشتيته.
ومادام صمام الأمان، في مجتمعنا، وفي دستورنا، وفي نظامنا، هو الإسلام، فإن المطلوب اليوم، هو الوصل لا الفصل، أي وصل ديننا الإسلامي، بدولتنا المستقلة.
وقد تعلمنا في ثقافتنا العربية، قاعدة هامة وهي: متى أمكن الاتصال فلا يجوز العدول عنه إلى الانفصال. لذلك بات ضرورياً اليوم، أن نبحث عن كل ما يعزز جوانب الوصل بين ديننا، ودولتنا، فنثبته.
فما هي –إذن- آليات الوصل بين الدين والدولة في جزائرنا المستقلة اليوم؟ وما هي بعض جوانب الخلل في علاقة الوصل، كي نعالجها ونحول دون تحولها إلى أسباب للفصل؟
إن الينابيع الملزمة للترابط بين الإسلام والدولة الجزائرية، سحيقة وعميقة، منها ينبغي أن نستلهم التعاليم والأفكار، ونصوغ الأقانيم والأفهام.
فانتماء الأمة للدين الإسلامي، أمر يضرب بعمق في أوصال شعبنا الجزائري العربي المسلم بحيث تمتد جذوره إلى حضارتنا الإسلامية الجليلة والنبيلة.
ومرجعيتنا الدينية الحضارية، التي صنعها علماؤنا، وشهداؤنا هي النور المضيء لنا في مسيرتنا، مما يجعلنا نمشي أسوياء على صراط مستقيم.
كما أن دستورنا هو الذي جعل من الإسلام ديناً للدولة، منه نستلهم الأحكام، ونحدد معالم النظام، ونضبط سلوك وتعامل الحكام.
يضاف إلى كل هذا القسم الدستوري الذي يؤديه القاضي الأول للبلاد، ويقسم به على المصحف، من أن يصون الدين الإسلامي ويمجده.
إن كل هذه العوامل، لتطوق عنق كل حاكم وكل محكوم في جزائرنا، وإلزامه بالارتباط بالدين الإسلامي في جميع الميادين والمجالات.
وإذا كان واجب المواطن في الالتزام بالإسلام عقيدة، ومعاملة، وسلوكاً، بحيث ينعكس على القول والفعل معاً، ويتجسد في كل السلوك والتعامل، ثقافياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، فإن واجب الحاكم يبدو أكثر ضرورة، لأن الحاكم، هو النموذج المقتدى، في كل ما يأتيه من قوانين، وتعاليم.
ومن هذه المعطيات كلها، بات ضرورياً أن نبحث عن الفجوات التي تحول دون الوصل الصحيح بين الدين والدولة. ونعتقد –دون عناء- أن الفجوات كثيرة، وهي ما فتئت تتكاثر وتتعاظم، ولعل أول فجوة تتمثل في عدم العناية –إسلامياً- بالإنسان. فالحضن الأول للإنسان، الذي هو الأسرة، يحتاج إلى ترميم، وتصميم، كي نبنيه على أساس إسلامي مضاد للزلازل، مثل زلزال اتفاقية “سيداو” التي تعمل على تصدع الأسرة، وهز أركانها.
والفجوة الأخرى التي تأتينا منها رياح السموم العاتية، هي المدرسة الجزائرية بكل أطوارها، بدءًا من الحضانة وانتهاء بالجامعة. لابد –إذن- من العناية بالتاريخ، والعربية، والتربية الإسلامية، التي هي الدعائم المضادة لكل أنواع الزلازل، والكفيلة، بتعزيز أواصر الوصل بين ديننا ودولتنا.
نريد –إذن- للإسلام، أن ينجلى في كل ميادين حياتنا اليومية، الفردية والمجتمعية، حتى، نقدم نموذجاً للمجتمع الإسلامي الأفضل، وتلك هي مسؤولية الدولة في جزائرنا، وذلك ما يتطلب المزيد من الوصل بين الدين والدولة حتى نصون بتماسكنا الإسلامي الوطني، وحدة الحدود، وقدسية الوجود، وحماية الجنود، وفعالية البنود.
إنها أمانة محمد والعلماء في ضمائرنا، وعهد المجاهدين والشهداء في عهودنا وذممنا، وإنهم سيسألوننا جميعاً، عما فعلنا بهذا الدين الجليل، في هذا الوطن النبيل، ومع هذا الشعب الأصيل