أحداث وطنية ومحليةقضايا الأمـــة
التربية والتعليم…نقاط على الحروف بقلم أ.جمال ضو
في الفترة الأخيرة شهدت الساحة الإعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي تصاعد وتيرة تناول أزمة التربية والتعليم في الجزائر..وبشكل خاص بعد وصول بن غبريط والحديث عن مشاريعها المختلفة..من التدريس بالعامية إلى الخبراء الفرنسيين والجيل الثاني…
لكن ما يجب الإشارة إليه هو أن أزمة التربية والتعليم والعبث بمستقبل أبنائنا ليست وليدة اليوم أو وليدة وصول بن غبريط إلى وزارة التربية ..فأزمة التعليم والتربية وليدة تدمير ممنهج بدأ من بدايات التسعينات ولكن إرهاصاته الأولى ظهرت في بداية الألفية الثانية من خلال ظهور تشوهات خلقية واضحة المعالم..فلقد إستطاع بن بوزيد بسياساته التربوية أن يأتي على التربية والتعليم من القواعد…ضاعت هيبة المعلم والأستاذ وأستشرت الرداءة والغش ، كانت نسب النجاح تضخم بشكل غير مسبوق..كان الغش في بعض المناطق سياسة ممنهجة…
بينما السياسة التي إتبعها بن بوزيد كانت بسيطة وغير إيديولوجية وهي ترك الحبل على الغارب..خلال تلك الفترة لم نسمع صوتا من أغلب الأصوات التي نسمعها اليوم تنتفض من أجل التربية والخبراء الفرنسيين ، وكأن هؤلاء كانوا يرون مخرجات مدرستنا آنذاك أشبه بمخرجات المدارس السويسرية أو الألمانية أو اليابانية..
خلال فترة تربع بن بوزيد على قطاع التربية حيث عمّر فيها كما لم يعمر أحد من قبله ، لم نسمع هذه الأصوات التي تتكلم اليوم ، وبعضهم كان مدافعا عنها بشكل مباشر أو غير مباشر، ربما الصوت الوحيد الذي أذكره والذي كان يكتب بإستمرار خلال تلك الفترة كان الأستاذ خالد سعد لله، إلى أن توقفت جريدة الشروق عن نشر مقالاته وأصبج ينشرها في مواقع إلكترونية ، وبقي لسنوات لا يجد منبرا إلى أن عادت الشروق وأصبحت تنشر مقالاته…
قضية التربية والتعليم لا يجب أن تكون أداة لتصفية حسابات سياسية أو أيديولوجية ضيقة، بل يجب أن تكون منطلقات صاحبها مباديء وقيم واضحة المعالم لا تتغير بتغير النظام أو المناصب…
للأسف هناك من يحاول أن يلخص مشكلة التربية والتعليم وبن غبريط ومن ورائها جماعة بن زاغو في قضية الهوية والإسلام..إلخ..في الحقيقة هذه نظرة قاصرة جدا وبل خاطئة ..
هناك لكل منظومة تربوية شقان…هناك الشك الفكري الإيديولوجي أو الهوياتي والشق التعليمي البيداغوجي المحض…
أما الشق الإيديولوجي أو الهوياتي فهذا لا علاقة لوزير التربية بهمن المفترض ..لأن هذا من سياسة الدولة العامة ويحددها الدستور ولا يوجد فيها إجتهاد من المفترض والسيد فيها هو الشعب…وتحل الخلافات حول هذا الموضوع بعيدا عن شخصية وزير التربية ..فهذه مسألة سياسية محضة لها آليات أخرى لنقاشها..
أما الشق التربوي والبيداغوجي فهذا ما يمكن أن يكون فيه للوزير والحكومات إجتهادات بحسب برنامجها السياسي وتحاسب على نتائجه. وهذا الشق يشمل البرامج والمناهج وطرق التدريس ورؤية الوزير لحل مشاكل تدهور المستوى ومشاكل التعليم اليومية ..
للأسف اليوم إبتلينا بنوعين ..نوع يريد أن يقنعنا أن إنهيار مستوى التعليم في العقدين الأخيرين سببه إيديولوجي لغوي…على الرغم من أنهم منحت لهم فرصة إصلاح التربية والتعليم وغيروا الرموز في الإبتدائي والمتوسط والثانوي إلى الرموز اللاتينية ولكن النتيجة كانت أسوأ..وعلى الرغم من أنهم حذفوا أغلب النصوص الإسلامية والإرهابية وقلصوا دراسة التربية الإسلامية وحشوا الكتب بكل القيم الوطنية الزائفة وبالأبعاد الهوياتية المختلفة…بل حتى تلاميذ الإبتدائي يعرفون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان..إلا أن الجيل الذي خرج كان كائنا غريبا مشوها فكريا وأخلاقيا…لا أوروبي ولا جزائري ولا مسلم ولا عربي ولا أمازيغي ولا شيء…ولا مستوى علمي ولا تربوي…
أما النوع الثاني فهو الذي لا يرى مشكلة في التعليم إلا الهوية والعربية والإسلام…وكأنه إذا درسنا التلاميذ الأخلاق والقرآن والعربية جيدا سيرتفع مستوى التعليم…رؤية قاصرة أخرى…
ولهذا عندما يتم إستضافة شخص من هذا الطرف وشخص من الطرف الثاني في مواجهة إعلامية تبدو حجة الطرف الثاني مهزوزة وضعيفة وديماغوجية ويتمكن الطرف الأول من المناورة بسهولة ، بينما يمكن إخراص الطرف الأول أو النوع الأول بحجج علمية بسيطة بعيدا عن قضية الهوية واللغة….
لا أدري ، ربما هناك تعمد على إقتصار النقاش بين هاذين الطرفين ، مثلما يفعلون عندما يحضرون شخصية تمثل النظام وآخرى تمثل المعارضة ( معارضة النفايات) فيجد المواطن نفسه بين خيارين أسوأ من بعض ويكره السياسة ويعتزلها…