بـــرُّ الوالـديـن بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة
الدكتور يوسف جمعة سلامة
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَأَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(1).
إن الإحسان إلى الوالدين من أفضل القربات، فقد أوجب ديننا الإسلامي برّ الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما، فالإحسان إلى الوالدين هو وصية الله سبحانه وتعالى لعباده، كما في قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ}(2)، كما جعل سبحانه وتعالى الإحسان إليهما بعدَ الأمر بعبادته وحده لا شريك له، كما في قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(3)، كما قرن سبحانه وتعالى شكر الوالدين بشكره، فقال سبحانه وتعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(4).
ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي حثّ على برّ الوالدين، فقد ذُكِرَ برّ الوالدين والإحسان إليهما في ثماني سورٍ من القرآن الكريم، وكان ذلك في أساليب متنوعة من التعبير، منها: الإحسان إليهما في المعاشرة بالمعروف وإن كانا كافرين{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}(5)، وفي الحديث إليهما{فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}(6)، وفي التذلل لهما{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}(7).
قال الإمام القرطبي: (قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البرِّ والطاعة له والإذعان، مَنْ قَرَنَ الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره، وهما الوالدان، فقال تعالى :{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ})(8).
وعند دراستنا لهذا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب أبي هريرة الدوسي – رضي الله عنه-، نتعرف على مدى حرص أبي هريرة – رضي الله عنه – على برّ أمه ، حيث كان– رضي الله عنه – يغتنم كل مناسبة لدعوتها إلى الإسلام ، ويذكرها بآيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى – صلى الله عليه وسلم – لكنها كانت معرضة، ومع ذلك لم ييأس- رضي الله عنه- فقد توجه لحبيبه – صلى الله عليه وسلم – طالباً منه الدعاء لأمه بالهداية ، فدعا رسولنا – صلى الله عليه وسلم – لها بالهداية ، واستجاب الله سبحانه وتعالى دعاء نبيه – صلى الله عليه وسلم – ودخلت أم أبي هريرة في الإسلام.
نــداء إلـى الأبنــاء
وقد أحببت في هذا المقام أن أُذَكِّر الأبناء بضرورة برِّ الوالدين وإكرامهما والحرص على طاعتهما، وطلب الخير لهما مهما كانت الظروف ، فالجنة تحت أقدام الأمهات ، ورضى الله من رضى الوالدين وسخطه من سخطهما ، وكما تدين تدان ، فهل عقل الأبناء ذلك؟ كي يفوزوا برضا الله وطاعته في الدنيا وبجنة عرضها السموات والأرض يوم القيامة ، فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم ، فباب الرحمة وباب التوبة وباب الهداية والحمد لله مفتوح دائماً كما جاء في الحديث: ( إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ تَطْلُع الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)(13).
فيا أيها الأبناء: اتقوا الله في آبائكم وأمهاتكم واحرصوا على برهم ورعايتهم، وأداء الحق إليهم، فلعلكم أن يطول بكم العمر ويكون لكم ولد، فما ترجون من أبنائكم غداً فاصنعوا اليوم مع آبائكم وأمهاتكم، فإنه دَيْنٌ ولابُدَّ للدين من وفاء، فمن أراد النجاح والتوفيق في دنياه والنجاة والسعادة عند الله ، فليبرّ والديه، ويُنفِّذ أوامرهما، ويقم بحقوقهما ، ويفعل كلَّ ما يرضيهما ، ويبتعد عن كلِّ ما يغضبهما {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَالَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
نسأل الله أن يحفظنا ووالدينا وأبناءنا والمسلمين من كل سوء