تحاليل وآراءقضايا الأمـــة
ماذا يطبخ في وزارة التربية ويبيّت؟ بقلم أ.د عمار طالبي
فضح صحفي ذو خبرة، وعليم بما يحاك وما يبيّت ويطبخ في قدور راسيات، واشتري بأموال ضخمة، وبسرية شديدة، كأننا في تربيتنا وتعليمنا لم ننضج بعد، ولا يوجد من بيننا من يفهم غايات التربية ووسائلها، سواء في الجامعات الكثيرة أو لدى الخبراء بهذا الفن، ومعرفة بأوضاع مجتمعنا وظروفه.
نحن ما نزال نفقد الثقة في أنفسنا، ولا نؤمن إلا بالأجنبي، وخبراته وإن اختلف وضعه عن وضعنا، وثقافته عن ثقافتنا، ومجتمعه عن مجتمعنا، وتقاليده عن تقاليدنا، ودينه عن ديننا، ومستواه الحضاري عن مستوانا، ورؤيته عن رؤيتنا.
ما نزال نخضع لتجارب غيرنا خضوعا كاملا، لاشك أن الاطلاع على تجارب الآخرين ونظمهم أمر مفيد يمكن أخذ بعض ما فيها من محاسن لا تتناقض مع أوضاعنا، ولا تصادمها، فيذهب نفعها وتصبح ضررا، أكثر من نفع.
وقد جربنا نظما، وأساليب مرات في حياتنا التربوية وغايات ووسائل، ورأينا فشلا في بعضها يفوق نجاحها، وما تزال تتخبط بلا رؤية واضحة في شؤوننا التربوية والتعليمية، ولذلك كانت المخرجات هزيلة لم ترتق إلى ما كان يطمح إليه الشعب الجزائري من نظام تربوي يخرّج ذوي عقول مفكرة، باحثة منتجة مخترعة ذات عمق في صلتها بمجتمعنا وأوضاعنا.
إن التربية ليست من شأن الوزارة وحدها، ولا من شأن الأجنبي إذا اعتمدنا عليه وحده، وإنما النظم التربوية من شأن المجتمع وخبرائه جميعا، ومن شأن أولياء الأطفال وذوي الخبرات منهم، فضلا عن الباحثين في مجال التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع، وفن تطبيق النظريات المستجدة، وإخضاعها للتغيير من وقت لآخر، لتلافي ما يمكن أن يكون فيها من خلل، فإن التطوير المستمر أمر ضروري تحتمه سرعة التقدم العلمي والتقني، في العالم الذي تتصارع فيه الثقافات والرؤى، وهو ما يسمّى بالعولمة.
ولا يخفى ما يجري في المجتمع الجزائري من تغيّر في كثير من ظواهره، وجوانب حياته التي لا تسلم من التأثر بثقافات أخرى ومسالكها، بسبب وسائل الإعلام القوية المؤثرة الجذابة، الموضوعة بطريقة علمية متقنة، لتؤدي إلى تحقيق غاياتها الثقافية والاقتصادية والسياسية أيضا.
لهذا كله فإننا نحذر من الوقوع في انزلاقات في منظومتها التربوية مرة أخرى، تؤدي إلى تعطيل قدرات أبنائنا العقلية والوجدانية والجمالية والذوقية، وتفسد التفكير وتنحرف به إلى ما يناقض ثقافتنا وقيم ديننا، وإنه بلغنا أخيرا حذف مادة التربية الإسلامية من برنامج السنة الأولى من التعليم الابتدائي، وهذا أمر لا يمكن قبوله في مجتمعنا المسلم، ومخالف للدستور مخالفة صريحة، وهو أن يفقد الطفل ما يكوّن ذاتيته وروحه، وعمق نفسه الأخلاقي والقيمي، ويصبح طفلا هامشيا في مجتمعه، تقطع جذوره من دينه من أول يوم تفتح له أبواب المدرسة وتطرق سمعه كلمات المعلمين والمعلمات، التي من شأنها أن تؤثر في نفسه الفطرية وفي ذهنه الصافي.
إن هذا إذا ثبت، وأصرّت عليه الوزارة، يدعو إلى المبادرة الحاسمة بتغييره، ومقاومته بكل الوسائل الممكنة، ولا يجوز السكوت عليه، وعلى المسؤولين في الحكومة وفي البرلمان، ومجلس الأمة والمجلس الدستوري أن ينظروا في الأمر بتغييره، وأن يتحملوا المسؤولية الملقاة على عاتقهم إزاء الأمة والتاريخ