تحاليل وآراءقضايا الأمـــة
الجزائر بين الأفق المسدود والأمل المنشود.! بقلم الشيخ كمال أبوسنة
كل المعطيات التي نقرأها في الساحة الوطنية تشير إلى أن الجزائر تعاني أزمة حقيقية تحتاج إلى مطارحة ومصارحة، وبحث ناجع عن حلول ترفع عن الأمة ما تعيشه من غمة، لأن المشكلات حين تتفاقم تُدخل الجميع في نفق مظلم، ولهذا فإن التمادي في إنكار أصل الأزمة يوصل إلى عواقب لا تُحمد حين يحدث الانفجار-لا قدر الله- فيأتي على اليابس والأخضر..!
لقد ظهر جليا أن غالبية الشعب الجزائري في السنوات الأخيرة قد طلقت السياسة، وآثرت الأمن والأمان، والسلم والسلام، بعد تجربة دامية عاشتها الجزائر فقدت فيه مقدرات مادية ومعنوية أرجعتها إلى الخلف سنين عددا…
ولم يكن هذا الخيار لدى هذه المساحة الغالبة من الشعب الجزائري إلا من منظور واقعي له أسبابه الكثيرة، وتبريراته العديدة…
لأن القناعة العامة كانت تتجه نحو طلب الحياة الآمنة والعيش المقبول، ولو على حساب التنازل عن حقوق، ومنها حق اختيار البرامج السياسية ومنظوماتها بالطريقة الحضارية التي يكون فيها الصندوق الشفاف هو الفيصل بين الناس…
بيد أن الواقع الآن يختلف اختلافا واضحا عن الواقع الذي عاشته الجزائر في السنين الماضية وقد كان ارتفاع البترول إلى مستويات عالية، لم يشهده العالم من قبل، الأقراص المهدئة التي ساهمت في ضبط الأمور، وتأجيل أي انفجار اجتماعي عام، والسير قدما نحو المرحلة التي وصلنا إليها اليوم بعد انهيار أسعار البترول وتدهور السقف المعيشي للجبهة الاجتماعية ومعاناتها التي طالت، وصعود الخلاف السياسي بين كثير من الأطراف في الداخل إلى السطح مما زاد من القلق الشعبي الذي يرى الأفق مسدودا، والحلول الحقيقية غائبة..!
لقد دلت التجارب أن الفوضى لن تخدم الوطن، ولن ترفع الغبن عن المغبونين، بل ستفتح باب جهنم على الجميع، والذين يساهمون في توفير المناخ لولادتها يحققون لخصوم الجزائر أمانيهم المحبوسة والمردودة بفضل يقظة بعض الوطنيين الذين رفعوا شعار “الجزائر فوق الجميع”، ولكن بقاء الحال من دون الوصول إلى “إجماع وطني” يسير بالجزائر نحو بر الأمان سيُبقي الوضع مهيئا لكل احتمال، ولهذا فإن اتفاق الجزائريين، على اختلاف توجهاتهم، على الخطوط العريضة لمشروع “الجزائر التي تمناها الشهداء وفق مبادئ أول من نوفمبر” في جو الأمن والسلم في إطار مؤسسات قائمة على أرض السيادة خير من الدخول في مرحلة يتمناها المتربصون في الداخل والخارج، ويُحذر منها الوطنيون المخلصون، قد رأينا وقائعها المرة في بلدان عربية مجاورة وغير مجاورة..!
هناك معادلة يريد بعضنا أن نبقى مسجونين فيها وهي معادلة إما بقاء الوضع على حاله أو النار والدمار، أي هناك من يريد أن يستثمر في ظاهرة“فوبيا الأمن” التي عطلت حتى الحراك السياسي والاجتماعي الطبيعي…
والحق أن هذه المعادلة هي التي أوصلتنا إلى واقعنا المتخلف والمتدهور في كثير من القطاعات، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتعليميا…ولكن هذا لا يمنعنا من النضال السلمي الهادئ الهادف من أجل الوصول إلى التغيير الصائب، وإعادة صياغة الوضع السياسي بما يخدم الجزائر، وليس بما يخدم حزبا أو جماعة أو أفرادا من الناس..!
إن الأمل كبير في خروج الجزائر من أزمتها، فلطالما تقلبت في أزمات كثيرة أشد وأعنف عبر التاريخ وانتصرت، فالجزائر في كل مرحلة لم تعدم رجالا أحبوها وأحبتهم قادوها بإخلاص رغم الأمواج كالجبال، والعواصف العاتية، إلى بر الأمان.