كلمة الرئيس
ويـل للعـرب ..! بقلم أ.د عبدالرزاق قسوم
كم كان إمامنا، محمد البشير الإبراهيمي، طيب الله ثراه، كم كان ملهماً، يرى بنور الله، عندما أخضع، منذ أكثر من نصف قرن، واقع الأمة العربية الإسلامية للفحص الدقيق والعميق، فقرأ حاضرها، وتنبأ بمستقبلها.
لقد صدَّقت تأملاته تلك، أحداث اليوم، حينما قال قولته المشهورة “ويل للعرب من شر قد حل، ولا أقول قد اقترب”. فبمسحه الثاقب لجغرافية الوطن العربي، وتحليله الصائب لتاريخ الأمة، نبه إلى مواطن الداء، ووصف لنا بواطن الدواء.
ونستعيد اليوم مقولات الأمس، عندما ننـزلها على سير أحداث أمتنا، من المحيط إلى الخليج، فتتراءى لنا الأشلاء المبعثرة هنا وهناك، والأجزاء المدمرة، في كل الأنحاء، واستبداد الأعداء، بكل الأجواء، وعبثهم بالأرض وبالسماء.
صار الأخلاء أعداء، وتحول أعداء الأمس إلى حلفاء، بل إلى أخلاء. سبحان مغير العربي الإنسان، ومقلب عالم الأكوان، ومحول العزة والسيادة، إلى مذلة وهوان.
ويل للعرب مما يحدثه العربي بأخيه، فهو في كل محنة يرديه، وبشتى أنواع النار يصليه، ويستعين عليه بكل شيطان مارد لتشريد أبنائه وأهاليه.
ويل للعربي في العراق، من أبناء سنته ومن شيعته، فقد أحدثوا بالعراق ما لم يحدثه فيها الصهاينة والأمريكان. هم وضعوا مقدمة الإفساد، فكانوا أول الشر، وجاء “العرب العراقيون” فعمموا الضر وأفسدوا البحر والبر، فكان ما يعيشه العراق المسكين، من الكر والفر.
وويل للعربي السوري، من حكامه وأزلامه، و“شبيحة نظامه”، ولفيف “دولة إسلامه” وجيوش بني أعمامه، وطائرات، ومدفعيات، شيعة وشيوعية متحالفي نظامه، والطامعين في خيراته وخزائنه، وأنعامه.
وآه ثم آه! ويل للعربي في اليمن، مما يحدث له، ويُكاد له، ويُشن عليه، ممن، ومن؟ فاليمن السعيد، صار شقيا بأبنائه، وحزينا بأشقائه، ومقتولا بحلفائه وأمرائه.
إن اليمن الذي كان –في أصله- يعاني البؤس والفقر، بسبب حكامه ونظامه، تحالفت قوات الشر عليه، فأنزلته إلى الدرك الأسفل، من العناء، وحكمت عليه بكل أنواع المحن، والفتن، ما ظهر منها وما بطن.
فمَن يقتل مَن، في اليمن؟ وما هو المقصد من القتل، ومن يدفع الثمن؟ ومن المستفيد من هدم، الحقول، وإفساد العقول، وحرق خضرة الدِّمَن؟
وأما مأساة ليبيا، وما تبعت به في كل لحظة من فصول التراجيديا، فهي محنة حار في علاجها كل الأطباء من الأبناء، فأكلوا أمر علاجها إلى الأعداء الألداء.
ويل للعربي الليبي، من هذا الموت المفاجئ الذي يلتقي به في كل مكان، وفي كل زمان، ولا يستثنى أي إنسان، وما ذلك إلا لأن ليبيا، فقدت بحكم نظامها الاستبدادي كل معنى للدولة، وكل هيكل للجيش المنظم ذي الصولة. فغابت المؤسسات، واضمحلت الهيآت، وسادت الفوضى، في المدارس والجامعات والطرقات.
كيف يكون خلاص ليبيا، وقد دهاها ما دهاها، من غوغائها، وعقلائها، من أغنيائها وفقرائها؟
إن ليبيا اليوم، هي الجثة المطوقة بكل أنواع التهديد بالدمار، يأتيها الموت من كل مكان، ويهدد سماءها وأرضها، كل شيطان، بدءًا “بالإخوان”، إلى الأمريكان والطاليان. فإن لم يهب لنجدتها، أشقاؤها من الجيران، فإنها توشك –أن تصبح ذات يوم، لا قدر الله- في عالم النسيان.
كل هذا ومصر الكنانة، مفتونة بحكمها، مقتولة بسيفها، منشغلة بتوسعة سجنها. فيا لله لمصر، التي كانت قبلة الثوار، وملاذ الأحرار، ورمز الزعماء الكبار! لقد سطا على مصر، طائف من الخوف، فإذا هي تعاني نقصا من الأموال، والأنفس، والثمرات، بعد ما أصابها الله من الجوع والخوف ما أصابها. أما تونس الجريحة، فقد تحولت إلى وطن يوحش.
لعمرك ما ألفيت تونس كاسمها ولكنني، ألفيتها، وهي توحش
كان المؤمل أن تقف تونس إلى جنب شقيقتها ليبيا، فتخفف لوعتها، وتجفف دمعتها، وتعلي سمعتها، ولكن! أنى يستقيم الظل والعود أعوج؟
إن الأمل معقود على الجزائر اليوم في التخفيف من “ويل العرب”، الذي قد حل، ومنها قد اقترب. ولكن الجزائر، قد لا تكون مؤهلة للقيام بالدور الريادي، إذا لم تحسم أمرها، وتشد أزرها، وتطرد وزرها، وتُعِد وحدة صفها، وشعبها.
لقد تكاثرت السهام على العرب، وعلى الجزائر بالذات.. إذ جاؤوهم، من فوقهم، ومن أسفل منهم، فزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر.
إن الوطن العربي –اليوم- يمر بأسوإ مراحل تاريخه، إنه يعاني أزمة وجود وأزمة حدود، فهو مهدد في حياة إنسانه، وفي سلامة بنيانه، وأمن سواحله وشطآنه.. وما ذلك إلا لضعف حاكميه، وشتات ساكنيه، وتهجير مواطنيه.
فهل يكتب لأمتنا الخلاص والنجاة من هذا العار والشنار؟ وهل تهب عليه نسمة إنعاش، تخرجه من المجهول، وتوقظه من الغفلة والذهول، وتعيد إليه الطموح المأمول.
لا نريد أن نغرق في اليأس والتشاؤم، فكل شيء ممكن، ما دمنا نملك الوعي بالويل، بعد أن طفح الكيل، وما دمنا واعين بتخلفنا وتأزمنا، لأن تشخيص الداء، هو أول خطوة نحو الدواء.