قضايا الأمـــة
إلى متى سياسة غض الطرف عن كوارث "أم الخبائث".؟! بقلم الشيخ كمال أبوسنة
الـمتتبع لوسائل الإعلام المختلفة، يلحظ ما تنشره من أخبار مخيفة، ونتائج وخيمة لأضرار الخمر في واقعنا بعد اتساع رقعت الفساد والجرائم والحوادث بسبب تعاطي المسكرات بأنواعها، مما دفع بكثير من المواطنين إلى رفع أصواتهم، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين السلطات بضرورة منع إنتاج الخمور وبيعها في مجتمعنا الذي يدين بالإسلام الذي تحرم شريعته صناعتها وتوزيعها وبيعها وشربها…ففي القرآن الكريم قال الله تعالى بصريح العبارة:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ [سورة المائدة الآية:91-92]، وفي الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ لُعنت الخمر على عشرة أوجه: لُعِنت الخمر بعينها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها“.
لقد أصبحت الجرائم البشعة والحوادث الخطيرة الناتجة عن تعاطي “أم الخبائث” تهدد المجتمع الجزائري في أمنه وشرفه وأمواله وحياة أبنائه..و..و..بعد أن أصبح الخمر باسم القانون وتحت حمايته ورعايته يُوزع ويُباع في أحياء المدن وحتى “الدشرات”…!
إن القوانين البشرية لا تتبع في كثير من الأحيان المنطق السليم، أو لا تُوَفّق في الغالب إلى الصواب، لأن “الهوى” يلعب دورًا كبيرًا في وجودها، فالإنسان يُشرّع ما يضره اتباعا لشهوته، وانقيادا لغرائزه، وتأثرا بما يتعرض له من مغريات مادية ومعنوية..!
هناك تناقض واضح في تعامل القانون الوضعي مع مسألة الترخيص لصناعة الخمور وبيعها وبالمقابل القانون نفسه الذي يجيز “نشر ثقافة شرب الخمور وبيعها” يُحرم ويحارب ويُعاقب على الاتجار بالمخدرات وبيعها وشرائها ونقلها واستعمالها..فبالقياس أين يكمن الفرق بين الخمر والمخدرات، وما وجه تحريم المخدرات ومحاربتها وتحليل الخمر ومهادنتها، على الأقل قانونيا؟!
إن القوانين – سواء كانت وضعية أو ربانية – في الأصل وُجدت من أجل الـمصلحة البشرية، للحفاظ على النظام العام، فالشريعة الإسلامية – كما قرر علماء الأصول – تسعى بتشريعاتها إلى الحفاظ على الإنسانية المحترمة بحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والـمال…
والغريب أن القانون الوضعي الذي يسمح بالتجارة في“الخمور” بأنواعها يعلِّل مشرِّعوه بأن هذه التجارة تدر على الجزائر أرباحا كبيرة، خاصة بالعملة الصعبة، وينسى هؤلاء أن ما تنفقه الدولة على معالجة نتائج صناعة الخمر وبيعه أكبر كلفة، ماديا ومعنويا، مما تجنيه من هذه التجارة المحرمة شرعا..!
على الخيرين من أبناء هذا الوطن أن يرفعوا ناقوس الخطر قبل أن تزداد مآسي الخمر انتشارا ودمارا في مجتمعنا، فالمسألة تحتاج إلى إرجاع البصر آلاف الـكرات في هذه الفوضى القانونية والاجتماعية والأخلاقية…!