الملتقيات والندواتنشاطات الجمعية
ندوة فكرية حول "تجديد الخطاب الإسلامي" بقلم أ.د مولود عويمر
أ.د مولود عويمر
نظم نادي الرقيم ندوة فكرية حول موضوع “تجديد الخطاب الإسلامي”، وذلك يوم السبت 11 جمادى الأولى 1437 هـ الموافق لـ 20 فبراير 2016 في قاعة السينما في مدينة حاسي بحبح (ولاية الجلفة). وقد نزل بهذه المدينة البعيدة عن الجزائر العاصمة حوالي 250 كلم وفد من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للمشاركة في فعاليات هذه التظاهرة العلمية.
ورغم أن نادي الرقيم لم يؤسس إلا منذ فترة قصيرة إلا أنه عزم على استهلال نشاطه الثقافي برفع سقف التحدي ببرمجة موضوع فكري حساس وهام دون الخوف من عزوف الناس عن الإقبال على الاستماع إلى القضايا الجادة.
وقد بذل المشرفون على النادي جهودا كبيرة للترويج للندوة، واستقطاب الناس لحضور أعمالها. وقد لمسنا هذا الجهد الجبار ونحن نشاهد ملصقات الإعلانات الخاصة بها معلقة في أماكن مختلفة من هذه المدينة العامرة.
انطلقت الأشغال العلمية على الساعة العاشرة صباحا في قاعة السينما التي شهدت إقبالا كبيرا من المتعطشين إلى الاستماع للمحاضرين الثلاثة القادمين من بعيد، وهم: الدكتور عبد الرزاق قسوم أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر 2 ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والدكتور عبد القادر فضيل الخبير المعروف في علوم التربية، والدكتور مولود عويمر أستاذ بجامعة الجزائر 2.
ولم يتمكن الأستاذ محمد الهادي الحسني من السفر مع الوفد بسبب وعكة صحية، فنسأل الله له الشفاء العاجل، والعودة إلى ساحة الدعوة والفكر التي لا تستطيع أن تستغني عنه.
لقد كانت القاعة ممتلئة إلى آخرها، واضطر العديد من الحاضرين إلى متابعة المتدخلين من الشرفة الواقعة في الطابق الأول. وكان من بينهم رئيس الشعبة الولائية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ إبراهيم جاب الله، ورئيس البلدية والممثلون عن القطاعات العسكرية والمصالح المدنية المحلية.
أفتتحت الندوة بتلاوة الطالب عمار آيات بيّنات من سورة يس، ثم ألقى الأستاذ بن جدو بلخير رئيس نادي الرقيم العلمي، كلمة رحب من خلالها بالجميع خصوصا بالأساتذة المحاضرين.
ونوّه كذلك بجهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي قال عنها أنها «لم تُوَرِّثْ دينارًا ولا درهما، ولكنَّها ورَّثت الأجيالَ تركةً ثقيلةً هي: نشرُ العلم وتصحيح العقيدة وإنها من ذلك لبسبيل مقيم.»
كما اعتبر الأستاذ بلخير ناديهم الجديد حلقة في سلسلة النوادي التي أسستها هذه الجمعية الخالدة من أجل إكمال المسيرة التي بدأها رجالها الأولون، وتحقيق الأهداف التي رسموها في طريق الإحياء الديني والبناء الاجتماعي.
تحدث في البداية الدكتور عبد الرزاق قسوم عن مدلول الخطاب الإسلامي، فقال أنه أداة التواصل صعودا ونزولا، أفقيا وعموديا، فهو يمثل العبادة بربط العلاقة بين الإنسان وربه من جهة، والمعاملات بربط العلاقة بين العبد وأخيه الإنسان من جهة أخرى.
تطرّق الدكتور قسوم إلى أنواع الخطاب الإسلامي مركزا على الخطابات التالية: المسجدي، الإعلامي، السياسي، والإصلاحي. وتوقف عند كل خطاب، وبيّن وسائله وحدد أهدافه.
ورصد المحاضر بعد ذلك أهداف تجديد الخطاب الإسلامي، مؤكدا على تحصين الذات، والوعي بالكينونة الحضارية، وإثبات الذات أمام الآخر، وتجاوز التخلف والتبعية في أشكالها المختلفة.
تحدث بعده الدكتور عبد القادر فضيل عن الخطاب التربوي مستلهما الدروس من تجربة الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجال التربية التي تفرغ له لمدة 27 سنة من العطاء. وأكد المحاضر على ضرورة ربط أي عملية تجديدية في الخطاب التربوي بالقيم الروحية، وعدم تهميشها أو إبعادها بذرائع مختلفة.
قال الدكتور فضيل أنه لا تناقض بين التجديد والحفاظ على المقوّمات الحضارية التي تحمي الفرد والمجتمع من كل انحراف لعملية تجديدية التي يجب أن تمس الفروع، ولا تشمل الأصول التي تتمثل في الدين واللغة والهوية.
أما الدكتور مولود عويمر، فقد نبّه أولا إلى أن التجديد صفة متصلة بالفكر الإسلامي عبر العصور، رافق ديناميكية المجتمع الإسلامي الذي تطوّر باستمرار في ظل الوحدة والتنوع ولم يكن خاملا كما يزعم عدد من المستشرقين. وكان الخطاب الإسلامي يتطلع دائما إلى الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع الإسلامي التاريخية.
وهكذا لم يخلو كل قرن من ظهور مجدد أو مجددين اجتهدوا في حل قضايا مطروحة، وقدموا قراءات محينة للمستجدات الطارئة من خلال مقاربات مختلفة. وأكد المحاضر على أن مصطلح المجدد لم يعد مقتصرا على شخص مهما أوتي من علم ونبوغ بل يشمل أيضا المؤسسات الأكاديمية والمجامع العلمية.
وأشار المحاضر بعد ذلك إلى الصفات الأساسية التي يجب أن يتصف بها الخطاب الإسلامي حتى يقترب من التجديد المنشود. وقد لخصها في خمس مواصفات، وهي: القدرة على الإقناع، الوضوح في الرؤية والطرح، الالتزام بالنظرة الواقعية والتفتح على العصر، والحرص على الجوانب الإجرائية (المنطق العملي).
وقد حلّل الدكتور عويمر كل عنصر مستشهدا بأمثلة تاريخية ومستحضرا نماذج واقعية، مؤكدا على ضرورة بناء علاقة تكاملية بين هذه العناصر، من أجل تحقيق الغايات والمقاصد التي حُددت بشكل دقيق للخطاب الإسلامي.
وبعد المداخلات الثلاث، دعا رئيس الجلسة الأستاذ عبد القادر سعيدي الحاضرين إلى المشاركة في مناقشة الأفكار التي طرحها المحاضرون الثلاثة. وفعلا تدخل العديد من الأساتذة والطلبة، وكانت تعقيباتهم بناءة، كما كانت أسئلتهم وجيهة، وفي صميم الموضوع المعالج.
وأجاب المحاضرون بدورهم عن الأسئلة والاستفسارات بشكل مقتضب، ورفعت بعد ذلك الجلسة. وقد حرص كثير من الحاضرين على الاحتكاك بالمحاضرين، وأخذ صور تذكارية معهم.
لقد نجحت الندوة فعلا أكثر مما كنا نتصوّر، وأثبت أهل هذه المدينة المعزولة إعلاميا مدى تعطشهم للاستزادة من المعرفة، وإقبالهم على التعلم، وحرصهم على مجالسة العلماء.
نسأل الله التوفيق والسداد لكل العاملين من أجل نشر المعرفة النافعة، وخدمة الثقافة الراقية، وإحياء الدين وبناء الوطن على أسس سليمة.