قضايا الأمـــة
فلسـطين وسوريـا في امتحان فتـنة العصر بقلم الشيخ محمد مكركب
أخطأ الأعداء في تفكيرهم، وفي كشف أوراق خداعهم، عندما سعوا في إشعال نار الحروب الأهلية بين أبناء الشعوب الإسلامية. كما أخطأ كثير من المسلمين في مخططاتهم وثوراتهم، وانزلقوا في غضبهم، ومبادراتهم التي كانت مغامرات قبل أن تكون مبادرات، وكانت تسرعا واندفاعا، قبل أن تكون مسارعات في الخيرات.قلت أخطأ الأعداء من الكفار عندما ظنوا أن إيقاظ الفتنة في سوريا وغيرها تنسينا قضية فلسطين، وأمانة المسلمين، وعهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلاح الدين، وأحمد يسين، وسائر الشهداء، رحمهم الله، أو يظن الكافرون الحاقدون على الإسلام، أن اهتمامنا وانشغالنا بفلسطين يضطرنا إلى التفريط في حق الشعب السوري وغيره من الشعوب الإسلامية في النصرة، ومد يد العون. والجواب:كلا، وألف كلا.
فمنذ أن اغتصب الكفار فلسطين أرض المهاجرين والأنصار، وأرض المجاهدين الأحرار، أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة في العالم، ولا، ولن نفرط في شبر واحد من أرض الإسلام. وإذا كان هذا الأمر واضحا في ذهن العامة والخاصة، فإن الذي ينبغي أن نذكر به هو أن نضع كل قضية من قضايا الشعوب الإسلامية في مركز اهتمامنا، ولن يغمض لنا جفن والأعداء يحاولون مس كرامتنا باعتدائهم الحسي، أو المعنوي، على أي مسلم في العالم، وأن لا نهمل، أو نغفل عن أي جزء من قضايا أمتنا، هذا هو الذي نتواصى به، والتواصي بالحق من صفات المؤمنين.
إن اهتمامنا يستوعب الكليات والجزئيات من مصالح الشعوب الإسلامية، وإن قلوبنا لتسع حب جميع إخواننا في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، والصومال، وكل العالم. وإن ثقتنا في خالقنا جل جلاله، عليه نتوكل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، حتى لا يغتر الأعداء بضعفنا التكنولوجي، وتخلفنا الاقتصادي، فكل هذا مشمول في قانون وإجراءات الامتحان، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبتلينا، وهو الذي يمدنا بالقوة والعزم والثبات. واعتبروا بالقرآن يا أهل القرآن، والقرآن صدق، وعدل، قال الله تعالى:﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ فماذا كانت النتيجة عندما آمنوا وعقدوا العزم على الوقوف صفا واحدا ضد الكفار المعتدين؟ إن الذي وقع هو أن الله تعالى نصرهم على عدوهم، وأعزهم، وحفظ لهم سيادتهم وكرامتهم. قال الله تعالى:﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(سورة آل عمران:173 ـ 175).
فالواجب علينا نحن معشر المسلمين أن نتضامن كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى، وأن نكون كما وصفنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-وواجب الوقوف مع الشعب الفلسطيني إلى تحرير فلسطين كل فلسطين، والوقوف مع الشعب السوري وكل الشعوب الإسلامية، هذا الواجب الذي ينادينا، وهذا الحب لأوطاننا الذي يجمعنا، إنما يمليه علينا ديننا، والميثاق الذي واثقنا به ربنا -عز وجل- ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(سورة الحديد:8) ومن هذا الميثاق الإيماني قول الله تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ ومن هذا الميثاق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا] ومنه: [الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] نقول كما قال الصحابة ونعد الإعداد المطلوب كما أعد الصحابة ونتحد ونتآخى كما اتحد وتآخى الصحابة حينها ينصرنا الله تعالى ويرضى عنا كما نصر الصحابة ورضي عنهم.
ومن خلال هذه الكلمة الودية، والنداءات الإيمانية ندعو إخواننا في سوريا، والعراق، وليبيا، والصومال، كما دعونا إخواننا في اليمن، إلى التوقف عن التقاتل بينهم استجابة لأمر الله تعالى، فالحروب الأهلية ليست هي الحل. ورد قضايا التنازع والخصومات إلى ما أمر الله تعالى به، إلى كتاب الله، عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾ ومن لم يستجب لأمر الله فقد عصى الله تعالى.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِيُهَرِيقَ دَمَهُ] (رواه البخاري في كتاب الديات، رقم:6782).
إن كل فتنة تَقَاتُلٍ بين المسلمين إضعافٌ لهم، وإهدارٌ لطاقتهم، وأموالهم، وتشتيت لجهودهم، وإفشال لمشاريعهم، وتقوية لشوكة الأعداء.ومهما كان الطرف المنتصر في الحروب الأهلية إذا صح التعبير، فإنه منهزم في النهاية.فعلى المتنازعين أن يخرجوا من أنانيتهم، وأن يُخَلِّصُوا أنفسهم من قيود الحساسية، والحقد، ووساوس الانتقام، إلى رحاب التسامح، والتصالح، والتناصح..وإن كان المعلوم على المتنازعين والمتقاتلين ليس لهم وقت لمراجعة الحساب مع النفس، وليس لهم وقت للجلوس على مائدة القرآن والسنة، فضلا عن أن يقرؤوا هذا المقال، فإنني اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أقول اللهم أشهد فإنني قد بلغت.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خطب الناس يوم النحر فقال: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا.. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ](رواه البخاري في كتاب الحج،باب الخطبة أيام منى.رقم:1739).
إن المسلم الذي يسعى إلى قتل أخيه، أو فقط يسبه ويعاديه، أو يهجره ويجافيه، فقد ارتكب موبقات لا حصر لها، ومنها وهذا يكفيه، أنه يعلن مشاركته ابن آدم الأول الذي سن القتل..
التقاتل بين المسلمين يضعف صف عباد الرحمن، ويقوي حزب الشيطان، ويضع الإسلام والمسلمين في دائرة الاتهام، ويعطي الفرصة لأهل الحرابة والإجرام، ويورث العنف الجاهلي بين أبناء الأمة وبناتها، وينخر مصالحها ومؤسساتها من داخلها،..
إن الحل الذي يُرضي الله تعالى في قضية سوريا، والشعوب التي ابتليت بالحروب الأهلية يكمن في إرادة أهلها، وقد علموا أنه لا جدوى ولا فائدة في استمرار النزاع والصراع بين أبناء الأمة الإسلامية..وإذن فالعودة إلى كتاب الله تعالى هو الحل:﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾.
ألم تعلموا أنه من أكبر أسباب طول عمر الاحتلال في فلسطين هو اختلاف المسلمين داخل فلسطين، وخارج فلسطين، لقد جرب الشعب الجزائري من: 1830م إلى 1950م الجهاد الارتجالي ضد الاستعمار الفرنسي، رغم بطولات القادة وإخلاص المقاومين، ولكنها ظلت ثورات جهوية، وزعامية، وشخصانية، قلت ورغم شجاعة وثبات المجاهدين الثائرين في وجه الاحتلال الفرنسي والذين لا نشك في إخلاصهم وصبرهم، ورغم ما كان لتلك الثورات من الإيجابيات متمثلة في الشاهد والواقع الذي كان يقول لفرنسا لا مكان لك في الجزائر، إلا أن النصر الكامل لم يتحقق، حتى وفق الله تعالى الشعب الجزائري إلى وحدة الكلمة ووحدة الصف ووحدة القيادة فكان النصر، وكان الاستقلال..ومن هنا نقول لإخواننا في سوريا وغير سوريا: لا ينبغي أن يقع الشعب السوري في الأخطاء السياسية الخطيرة التي وقع فيها المسلمون في ألبانيا، والأندلس، وفي فلسطين قبل التقسيم.
وهذا الكلام لكل المسلمين الذين خاطبهم الله تعالى منذ 1437سنة وحذرهم ليعتبروا بما وقع لليهود، بقوله تعالى:﴿مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ﴾ محل الشاهد، أن الله تعالى قال:﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ ثم قال:﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ﴾ فاعتبر الصحابة واتحدوا، وسمع الأوس والخزرج، فقالوا سمعنا وأطعنا، واجتمع سائر القبائل العربية وأصبحوا أمة واحدة، ودفنوا الأحقاد واجتمعوا في وحدة واتحاد، فانتصروا وبنوا أعظم دولة في التاريخ،. فلما طال الأمد على المسلمين، وابتعد أغلب قادتهم السياسيين عن توجيهات القرآن، ونسوا موعظة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تفرقوا من جديد، وشاء الله تعالى أن يتحرك الأوروبيون وينقضوا على بلدان المسلمين ساعة ضعفهم، فاستغلوا العداوة بينهم. وكان ما كان من نير الاستعمار الأوروبي، وإن هذا التقاتل بين المسلمين من صنيع ذلك الاستعمار، الذي زرعه الكفار..